دعوا للتظاهر أمام البرلمان.. المتقاعدون يشكون “تجاهل” النقابات والحكومات لمطالبهم
عبّر فاعلون متقاعدون عن استيائهم من “تجاهل الحكومة والنقابات المركزية” لمطالبهم، في ظل أوضاع معيشية صعبة تعيشها هذه الفئة بسبب “عدم الزيادة في قيمة المعاشات”، وارتفاع تكاليف المعيشة، وتدهور الخدمات الصحية والاجتماعية.
وجاء ذلك خلال ندوة صحافية نظمتها شبكة هيئات المتقاعدين بالمغرب، اليوم الخميس 28 نونبر 2024 بالرباط، من أجل توضيح دواعي إعلانها عن وقفة وطنية السبت القادم أمام مقر البرلمان بالرباط، وتسليطهم الضوء على ملفهم المطلبي الفئوي، الذي لم يحظ حسب المتقاعدين بالاهتمام اللازم في تدبير السياسة المالية للحكومة.
وطالب المتقاعدون، في ندوتهم من مقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان في الرباط، بـ”الزيادة في قيمة المعاشات بما يتلاءم وغلاء المعيشة وضمان العيش الكريم ويضمن العدالة الاجتماعية، ورفع كل أشكال التهميش والإقصاء عن هذه الفئة”، فضلاً عن “حذف كل الاقتطاعات الضريبية عن المعاشات”.
وشددوا على ضرورة “الاستجابة للمطالب العامة والمشتركة والفئوية للمتقاعدين وذوي الحقوق، والرفع من تمثيليتهم في المجلس الإداري للصندوق المغربي للتقاعد (CMR) وباقي المؤسسات ذات الصلة، إضافة إلى تحسين جودة الخدمات الاجتماعية والصحية للمتقاعدين وأصحاب المعاشات، وتمتيعهم بخدمات تفضيلية في كل المجالات”، مشيرين إلى أن “كرامتهم تبقى فوق كل اعتبار”.
وسلط المتقاعدون الضوء على التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجههم، مشيرين إلى أن المعاشات الهزيلة التي “لم تشهد أي زيادة منذ أكثر من 25 سنة لم تعد كافية” لتغطية احتياجاتهم الأساسية، في وقت تتزايد فيه متطلبات الحياة اليومية بشكل غير مسبوق.
ولفتوا إلى أن معظم المتقاعدين يتقاضون معاشات تتراوح بين 1000 و1500 درهم شهرياً، بينما لم تزد معاشات بعض الفئات، خصوصاً من القطاع الخاص، عن 800 درهم منذ عقود، في الوقت الذي تستنزف فيه تكاليف العلاج أكثر من 70 في المائة من مداخيلهم، مع ارتفاع تكلفة المعيشة بنحو 400 في المائة خلال العقود الماضية، ما دفع العديد منهم إلى العيش في أوضاع “غير إنسانية”، وفق تعبيرهم.
وقارن المتقاعدون أوضاعهم بنظرائهم في الدول المتقدمة، الذين يتمتعون بخدمات وامتيازات عديدة، تشمل تخفيضات تصل إلى 90 في المائة في مجالات التنقل والتطبيب والتموين، مشيرين إلى أن هذا التفاوت الصارخ ينعكس أيضاً على متوسط العمر، الذي لا يتجاوز 70 سنة في المغرب مقارنة بـ80 سنة أو أكثر في تلك الدول.
نقابات تتجاهل
وبشأن التعاطي مع ملفهم المطلبي من قبل المركزيات النقابية، نبه المتقاعدون إلى أن دعم هذه الأخيرة يظل ضعيفاً، بحيث أن ملفهم “يغيب عن ترتيب الأولويات والمطالب المطروحة في الحوارات الاجتماعية”، مشددين على أن النقابات هي المدخل الأساسي لوضع ملف التقاعد والمتقاعدين على جدول أعمال النقاشات مع الحكومة.
في هذا الصدد، يقول عروض حمادي رئيس الجمعية الوطنية لمتقاعدي الإدارات التربوية بالمغرب، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، إن “رسالتنا موجهة بشكل خاص إلى المركزيات النقابية التي ننتمي إليها ونفتخر بانتمائنا لها، حيث كنا مناضلين فاعلين في صفوفها”، مشدداً على أنه يتوجب على هذه النقابات “أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية تجاه المتقاعدين، بما يفرض عليها واجب الدفاع عن حقوقهم وإدراج مطالبهم ضمن جدول أعمال الحوارات الاجتماعية المركزية مع الحكومة، بشكل فوري وقبل المصادقة النهائية على ميزانية عام 2025”.
وأوضح حمادي، وهو من مؤسسي الشبكة المغربية لهيآت المتقاعدين، أنه من الضروري أن “تضمن الميزانية مكانة مشرفة تعيد الاعتبار للمتقاعد”، بحيث أن هذه الفئة تضم أساتذة وأطراً وعمالاً وتقنيين ساهموا في تكوين وتأهيل الأجيال الحالية، ومنهم القيادات التي تتولى اليوم مسؤولية اتخاذ القرارات، “لذا لا بد من الاعتراف بجهودهم وتضحياتهم”، حسب تعبيره.
وأكد المتحدث على أن “الاهتمام بالمتقاعد اليوم هو استثمار في مستقبل الأجيال القادمة، لأن كل مزاول للعمل اليوم هو مشروع متقاعد في المستقبل”، لهذا السبب، يضيف حمادي “يجب على النقابيين الحاليين أن يطالبوا بزيادة الأجور الأساسية بدلاً من التعويضات”، بحكم أن “الزيادات التي تضاف إلى الرواتب الأساسية تنعكس بشكل مباشر على معاشات التقاعد، وهو ما يحقق استفادة فعلية للمتقاعدين”.
وأشار حمادي إلى أن قيادات العديد من النقابات في المغرب تضم متقاعدين، متسائلاً: “كيف لهم أن يتجاهلوا إدراج مطالب زملائهم المتقاعدين في الحوار الاجتماعية؟”، معتبراً أن استيعاب النقابات لحقيقة أن الاهتمام بالمتقاعد يعكس اهتماماً بالشغيلة غير المتقاعدة أيضاً “ويحفز المزاولين الحاليين، بحيث يدركون أنهم سيحصلون على تقاعد مريح في المستقبل، ما ينعكس إيجابياً على أدائهم ويزيد من إنتاجيتهم”.
وبالتالي، يؤكد المتحدث على أن المسؤولية ملقاة على عاتق النقابات “التي عليها أن تتحمل دورها التاريخي”، داعياً إياها إلى أن تسخر جهودها للدفاع عن جميع الفئات، وخاصة فئة المتقاعدين “التي ليست فقط مسنة، بل ساهمت بالأمس في بناء المجتمع وتنميته، ومن واجبها اليوم أن تضمن لها تقاعداً كريماً ومستحقاً”.
ودعا من جهة أخرى المتقاعدين إلى ضرورة الضغط المستمر على النقابات لضمان وضع حقوقهم ضمن أولويات الحوار الاجتماعي، لافتاً إلى أنه “إذا كانت الحكومة تتجاهل المطالب بشكل مباشر، فالنقابات تملك القدرة على تبنيها”.
كما حث على تعزيز الوحدة بين مختلف فئات المتقاعدين، مؤكداً في ذات السياق، أن الشبكة المغربية لهيئات المتقاعدين “تواجه تحدياً كبيراً يتمثل في توحيد الجهود وجمع كافة القطاعات تحت إطار واحد من أجل تحقيق المطالب المشروعة وضمان الكرامة لهذه الفئة”.
حكومة تسوّف
واشتكى المتقاعدون، خلال الندوة الصحافية اليوم، من “التهميش الممنهج الذي يطال مطالبهم” من قبل الحكومة، بحيث تواجه هذه الفئة استمراراً في “الإقصاء من الحوارات الاجتماعية المركزية والقطاعية بين الحكومة والنقابات ذات التمثيلية”، مشيرين إلى أنه “رغم التضحيات الكبيرة التي قدموها خلال مسيرتهم المهنية لخدمة الوطن، فإن معاشاتهم بالكاد تغطي أبسط الحاجيات اليومية والخدمات الأساسية لهم ولأسرهم”.
ووجهوا انتقادات لاذعة للحكومة “بسبب تبريرها المستمر لما تسميه أزمة صناديق التقاعد، بدعوى اقتراب الإفلاس”، وبدلاً من السعي لحل الأزمة الحقيقية، تعتمد سياسة التسويف والهروب إلى الأمام، عبر قرارات مثل رفع سن التقاعد أو اللجوء إلى إدماج الصندوق الوطني لمنظمات ااحتياط الاجتماعي مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بشكل انفرادي، دون ربط المسؤولية بالمحاسبة أو الكشف عن الاختلالات التي تسببت في الأزمة المالية للصناديق”.
وطالب المتقاعدون بضرورة التدخل العاجل لإنصافهم من خلال تحسين المعاشات وضمان حقوقهم المشروعة، مع محاسبة الجهات المتورطة في سوء إدارة صناديق التقاعد واستنزاف أموال المنخرطين، معتبرين أن “تجاهل” الحكومات المتعاقبة لمطالبهم “يعكس تخلي الدولة عن مسؤولياتها الاجتماعية، بحيث أنها لم تتخذ أي خطوات حقيقية لتحسين أوضاعهم أو رد الاعتبار لهم”.