story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
اقتصاد |

تقنين العملات الرقمية.. هل لا يزال المغرب قادراً على استدراك فرص هذا المجال؟ – حوار

ص ص

في خطوة طال انتظارها، أكد والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، قبل يومين أن البنك في طور الاعتماد على مشروع قانون يؤطر الأصول المشفرة، وذلك بعد إعداده بمشاركة جميع الأطراف المعنية وبدعم من البنك الدولي، مبرزا أن الهدف من هذا المشروع يهدف إلى ضمان الاستفادة من هذه الابتكارات الجديدة.

وأوضح الوالي في كلمة له أن البنك تنبه منذ سنة 2017 لإشكالية الأصول المشفرة، مما دفعه في البداية إلى توعية عموم الجمهور بالمخاطر المرتبطة بهذه الأصول، قبل أن يتجه فيما بعد، نظرا “لاعتبارات دولية”، إلى “اتباع نهج تنظيمي يهدف إلى ضمان حماية ملائمة للمستخدمين والمستثمرين مع الحفاظ على إمكانيات الاستفادة من هذه الابتكارات”.

وأمام هذا التوجه الجديد، تبرز أسئلة عديدة حول الفوائد التي من المنتظر أن يجنيها الاقتصاد المغربي من اعتماد هذا القانون، وإن كان المغرب بتراجعه عن قرار الحظر والتوجه إلى التقنين قد وصل متأخرا إلى “الحفلة”، خصوصا أن عددا من الدول قد تنبهت سابقا إلى فوائد هذا المجال مما دفعها الى الاستثمار فيه.

صحيفة “صوت المغرب” نقلت هذه التساؤلات إلى بدر بلاج، مهندس وخبير في “البلوكتشين” والعملات الرقمية، الذي يرى أن هذا اعتماد قانون التقنين من المنتظر أن يوفر فرص كبيرة للمستخدمين المغاربة وأيضا للدولة، التي ستتفيد بدورها منه لوضع يدها على أرباح المتسثمرين في هذا المجال والتي تقدر بمليارات الدولارات، متخوفا في الوقت ذاته أن يكون هذا التقنين مجرد “منع مقنع” يفرض شروط معقدة لولوج المجال، مما يمنع الاستفادة من إمكانياته.

وفي الآتي نص الحوار:

بداية، ما هي الفوائد التي سيجنيها المغرب من تقنين استخدام العملات الرقمية؟

هناك العديد من الفوائد التي يمكن للمغرب أن يجنيها من تبني هذا القانون سواء بالنسبة للمستخدمين أو للدولة، ولعل أولها ضمان حماية مزدوجة للمستخدمين فمن جهة، يوفر هذا الإطار القانوني قنوات قانونية لشراء العملات الرقمية، مثل ترخيص منصات تقدم خدمات موثوقة داخل المغرب، مما يمنح المستخدمين وصولاً آمناً لهذه العملات. ومن جهة أخرى، إذا تعرض المستخدم لعملية نصب، سيكون محمياً بالقانون ويمكنه مقاضاة المحتال. حالياً، الأشخاص الذين يتعرضون للاحتيال في هذا المجال غالباً يخشون التبليغ خوفاً من الملاحقة القانونية بسبب تعاملهم بوسائل غير قانونية.

يمكن أن نشير أيضا إلى فائدة أخرى تتعلق بتوفير فرص للشباب لتحسين وضعهم المالي. قطاع العملات الرقمية ينمو بشكل سريع منذ سنوات، ومع أن المغرب قد أضاع فرصة ذهبية في 2017، إلا أن تقنين هذا المجال الآن يمكن أن يوفر فرصة جديدة (حتى وإن كانت أقل قيمة). يمكن للشباب إنشاء شركات أو تطوير برامج تعتمد على العملات الرقمية، مما يعزز الاقتصاد المحلي ويوفر لهم فرصاً لتحسين أوضاعهم المالية.

بالنسبة للدولة تقنين استخدام العملات الرقمية سيتيح للدولة تحقيق إيرادات ضريبية مهمة، فالدولة حاليا لا تستفيد من الأرباح التي يحققها الأفراد في هذا المجال بسبب غياب إطار قانوني. وهو ما يضيع على الخزينة مداخيل كبيرة جدا، حيث أن التقارير الحديثة تشير إلى أن حجم الأموال المتداولة في السوق المغربي للعملات الرقمية يقدر بحوالي 12.7 مليار دولار، وهو مبلغ ضخم.

بالإضافة إلى هذا، مؤخرا هناك صراع كبير بين عدد من الدول مثل الإمارات، بريطانيا، والولايات المتحدة، وغيرها.. لاستقطاب شركات متخصصة في المجال. يمكن للمغرب من خلال تبني قانون التقنين أن يستقطب عددا من هذه الشركات، خصوصا أن هذا النوع من الشركات، على عكس شركات السيارات مثلا، تتطلب استثمارات بقيمة منخفضة، لكنها بالمقابل تقدم قيمة اقتصادية مضافة كبيرة، ما يجعلها فرصة ذهبية للمغرب لتعزيز مكانته في هذا القطاع.

من خلال التأخر في اعتماد هذا القانون، هل فوت المغرب على نفسه فرصة اللحاق بركب الدول المستفيدة من الزخم الذي عرفه قطاع العملات الرقمية خلال السنوات الأخيرة؟

بالتأكيد تأخر المغرب في اعتماد قانون العملات الرقمية. هذا التأخر كان بالفعل كارثياً بكل المقاييس. لقد ضيعت الدولة فرصة ذهبية حين كان سعر البيتكوين أقل من 20 ألف دولار، واليوم نحن نتحدث عن سعر يقترب من 100 ألف دولار. هذا التأخر يعكس سوء تقدير واضح من السلطات التي كانت تعتمد على مواقف قديمة وبالية تجاه العملات الرقمية، ولم تدرك قيمتها الحقيقية في الوقت المناسب.

الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، هو الآخر، كان في البداية معارضاً للبيتكوين، واعتبره مجرد أداة احتيال، لكنه عندما أدرك قيمته الحقيقية، غير موقفه تماماً. ففي عامي 2020 و2021، بدأ يدعم الفكرة بل وأعلن عن إنشاء مخزون استراتيجي من البيتكوين في الولايات المتحدة، مما أدى إلى خلق زخم عالمي وجعل الدول تتسابق للتكيف مع العملات الرقمية. هذا الموقف غير المعادلة بشكل كامل، حيث لم يعد الأمر مقتصراً على الأفراد أو الشركات بل أصبح يشمل الدول، وأكبر اقتصاد في العالم دخل بقوة في هذا السباق.

وهناك دول أخرى مثل البرازيل أدركت أهمية الموضوع ودفعت مؤخراً بمشروع قانون لإنشاء مخزون استراتيجي من البيتكوين. هذا يظهر أن الدول التي تبنت هذه السياسات بسرعة استطاعت أن تستفيد من الفرص الاقتصادية المرتبطة بالعملات الرقمية، في حين أن المغرب تأخر كثيراً، مما تسبب في خسائر كبيرة للشباب الذين رأوا في العملات الرقمية فرصة لتحسين أوضاعهم، لكنه لم يقابل بتجاوب من الجهات الرسمية مثل البنك المركزي الذي ظل متمسكاً بمواقف تقليدية بعيدة عن الواقع.

كلما تأخر المغرب أكثر في هذا المجال، كلما زادت الفرص الضائعة. كان بالإمكان أن يصبح المغرب رائداً في الاقتصاد الرقمي المبني على العملات المشفرة، وأن يجذب الشركات الناشئة والمستثمرين العالميين، لكن للأسف، الكثير من المغاربة اضطروا إلى الهجرة إلى دول مثل الإمارات أو دول أخرى لتأسيس شركاتهم هناك بسبب غياب الإطار القانوني في بلادهم. هذا التأخر لم يكن فقط فرصة ضائعة، بل خسارة مزدوجة للشباب والدولة على حد سواء.

هل تتفق مع تحذيرات مكتب الصرف السابقة التي أشار فيها إلى أن “التعامل بهذه النقود الافتراضية يشكل خطرا على المتعاملين بها لكونها نقودا افتراضية لا تتبناها الجهات الرسمية ويبقى دائما أصحابها الأصليون مجهولي الهوية”؟

لا أتفق مع تحذيرات مكتب الصرف لأنها لا تستند إلى فهم حقيقي لطبيعة هذه العملات. مكتب الصرف لا دور له في هذه القضية، هو فقط اعتمد في هذا التدخل على القانون الذي يمنع حيازة المغاربة لعملات أو أصول في بنوك أو دول أخرى، وعلى العكس من ذلك تتميز العملات الرقمية مثل البيتكوين، بكونها لا تنتمي إلى أي جهة جغرافية، بل هي موجودة في نظام إلكتروني عالمي مشترك.

بالإضافة إلى ذلك، التحذيرات المتعلقة بالمخاطر تبدو غير منطقية. على سبيل المثال، إذا كان شراء البيتكوين عند سعر 20 ألف دولار وبيعه عند 100 ألف دولار يُعتبر خطراً، فما هو المنطق الذي يجعل استثمارات أخرى في البورصة أو العقارات أقل خطورة؟

لا يجب جعل المخاطر ذريعة لقتل الفرص، بل يجب اعتماد رؤية أكثر انفتاحاً تستغل الفرص المتاحة مع وضع الضوابط المناسبة لتقليل المخاطر. العقلية التقليدية هي ما يعيق المغرب عن الاستفادة من هذا المجال الواعد.

مسألة الهوية ومجهولية المستخدمين، ليست مشكلة حقيقية. التقنين يمكن أن يحل هذه القضية بسهولة، حيث يتم فرض قواعد على المنصات المرخصة للعمل في المغرب، بما يشمل التعرف على هوية المستخدمين. عند شراء العملات الرقمية عبر منصات مرخصة، يكون المستخدم مُطالباً بتقديم بياناته الشخصية، تماماً كما يحدث حالياً في العديد من المنصات الدولية.

هل هل يمكن لتأطير المجال أن يمنح المغرب فرصة لتموقع بشكل من الأشكال في سوق العملات الرقمية العالمي؟

بالطبع، فالفرص المرتبطة بالعملات الرقمية كبيرة ومتنوعة، ولكن للأسف كانت المؤسسات المغربية مكبلة اليدين بسبب الوضع القانوني الضبابي الذي كان قائماً. حيث كان المنع نفسه غير قانوني بالمعنى الدقيق، بل كان يعتمد على تفسيرات فضفاضة لبعض القوانين المتعلقة بالصرف. العملات الرقمية في الأساس لم تكن معترفاً بها قانونياً، وبالتالي لا يمكن منع شيء غير موجود أصلاً ضمن الإطار القانوني.

لكن رغم غياب التأطير القانوني، استطاع المغرب أن يصل إلى مراتب متقدمة عالمياً في تبني العملات الرقمية. في سنة 2023، كان المغرب يحتل المرتبة العشرين عالمياً في هذا المجال، وفي هذه السنة أصبح في المرتبة السابعة والعشرين. كما تشير الأرقام إلى أن المغرب استقبل حوالي 12 مليار دولار رغم وجود هذا المنع.

من هنا يمكن استنتاج أن رفع المنع وتوفير إطار قانوني يمكن أن يسرّع من وتيرة اعتماد العملات الرقمية بشكل أكبر، خاصة إذا انخرطت البنوك المحلية في هذا الميدان، ما سيعزز مكانة المغرب اقتصادياً، خصوصاً أنه يمتلك انفتاحاً استراتيجياً على القارة الإفريقية التي تُعتبر من أكثر المناطق تقبلاً للعملات الرقمية نظراً لفوائدها الكبيرة في تسهيل العمليات المالية.

وبالتالي، هناك أمل بأن يشكل القانون دفعة قوية لتطوير مجال العملات الرقمية، وربما يجعل من المغرب منصة عالمية في هذا المجال. ولكن التخوف الأكبر يكمن في أن يكون هذا التقنين مجرد “منع مقنع”، بمعنى أن يكون هناك إطار قانوني، ولكن بشروط معقدة تجعل من الصعب على الأفراد والشركات الاستفادة من الفرص المتاحة. إذا حدث ذلك، سيكون من الصعب تحقيق الاستفادة القصوى من إمكانيات هذا القطاع.

في النهاية، يبقى الأمل في أن تتعامل الجهات المسؤولة بذكاء مع هذا الملف، وتستغل الفرصة لتحقيق مكاسب مشتركة للدولة والمستخدمين. العملات الرقمية تمثل فرصة فريدة يمكن للجميع أن يستفيد منها إذا تمت إدارتها بشكل جيد وعادل.