بالترافع في البرلمان والضغط المجتمعي.. أحزاب ونقابات تحاصر الحكومة دفاعاً عن الحق في الإضراب
في تطور بارز يعكس تصاعد الاحتقان بشأن مشروع القانون المنظم لممارسة الحق في الإضراب، اختارت تنظيمات سياسية ونقابية ممثلة في البرلمان الانخراط في إطار الجبهة الوطنية للدفاع عن الحق في الإضراب، التي أُعلِن تأسيسها أمس الأربعاء بالرباط، في خطوة تعكس تحركاً مزدوجاً من داخل المؤسسة التشريعية عبر أعضائها الممثلين، ومن خارجها عبر الضغط المجتمعي المباشر.
ومن بين الفاعلين البارزين في هذه الجبهة، كريم التاج عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، ومحمد الزويتن الأمين العام للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، والمهدي مزواري عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وعلى الرغم من أن هذه الأسماء لا تحمل صفة برلمانية مباشرة، إلا أن تنظيماتهم السياسية والنقابية تمتلك تمثيلية داخل البرلمان.
في هذا الصدد يقول كريم التاج عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، إن الهدف من تأسيس الجبهة الوطنية للدفاع عن الحق في الإضراب هو تنبيه الحكومة إلى أن النص المعروض حالياً في مجلس النواب “يُمثل صيغة تراجعية تتضمن العديد من النقائص، ولا يمكن قبوله بأي حال من الأحوال، لأنه يمس بجوهر الدستور فيما يتعلق بممارسة الحقوق والحريات”.
وأشار التاج، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب” إلى أن آخر أجل لتقديم التعديلات على المشروع هو اليوم عند الساعة الثانية عشرة زوالاً، مشيراً إلى أنه “في حال استجاب الوزير للمطالب في الاجتماع المخصص لدراسة التعديلات، وعادت الحكومة إلى جادة الصواب وأخذت بعين الاعتبار الحد الأدنى من الضمانات المطلوبة، مثل تضمين مضامين رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي أو المجلس الوطني لحقوق الإنسان، فسيكون لكل حادث حديث، وسنتفاعل بإيجابية”.
لكنه حذر من أن الحكومة إن اختارت تمرير نصوص بأهمية مشروع القانون التنظيمي للإضراب اعتماداً فقط على أغلبيتها العددية في البرلمان، “فإنها تتحمل المسؤولية الكاملة عن النتائج”، منبهاً إلى أن مكونات الجبهة: “ستواصل نضالها داخل المجتمع باستخدام الوسائل القانونية المتاحة، وسيسجل التاريخ الموقف”.
وتابع القيادي السياسي: “نحن كجبهة، وبالخصوص داخل حزب التقدم والاشتراكية، نؤكد أننا لسنا عدميين أو معارضين لتشريع نص تنظيمي متضمن في الدستور وينتظره المغرب منذ سنوات“.
وحسب كريم التاج توجد ملاحظات جوهرية على المنهجية التي اعتمدتها الحكومة، حيث أضاف قائلاً: “لا يوجد أي مبرر لتغييب المنهجية التشاركية مع الفرقاء الاجتماعيين وقوى المجتمع من أحزاب سياسية ونقابات ومنظمات حقوقية”، مؤكداً على أن “مشروع قانون بهذا الحجم والأهمية، ينتظره المغرب منذ نصف قرن، كان يستحق فتح نقاش عميق وشامل حوله”.
وأوضح المتحدث ذاته أن تأسيس الجبهة الوطنية للدفاع عن الحق في الإضراب جاء جواباً على “الأسلوب والمنهجية الخاطئة التي اعتمدتها الحكومة”، مبيناً أن النص الحالي لا يعكس تطلعات المواطنين والفاعلين، كما أن توقيت إحالته على البرلمان، رغم التزام سابق بطرحه خلال الدورة الأخيرة للحوار الاجتماعي التي لم تُعقد، يظهر غياباً للتشاركية.
وشدد على أن قانون الإضراب لا يتعلق فقط بتنظيم إضراب الأجراء في القطاعين العام والخاص، “بل يمس جميع الفئات والمجتمع ككل، مما يستوجب نقاشاً وطنياً شاملاً لتوافق حقيقي حوله”.
من جهته، أكد محمد الزويتن الأمين العام للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب الممثل داخل مجلس المستشارين في البرلمان على أن الجبهة الوطنية للدفاع عن الحق في الإضراب جاءت “نتيجة غياب التوافق حول الصيغة الحالية لمشروع القانون المعروض في البرلمان”، معتبراً أن الحكومة لم تسعَ إلى تحقيق التوافق المطلوب، كما أنها لم تفتح حواراً جاداً مع الأطراف النقابية والمدنية بناء على توصيات كل من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان.
وذكر الزويتن، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، أن الحكومة مطالبة بعدم تقييد حقوق المواطنين مشيراً إلى أن القانون المنظم للإضراب يجب أن يشمل فئات المجتمع جميعها، وألا يقتصر فقط على الأجراء في القطاعين العام والخاص.
وأوضح أنه “يجب أن يكون قانوناً شاملاً يضم أيضاً فئات مثل التجار والحرفيين، المهنيين والطلبة”، إلى جانب “استكمال الإطار القانوني بقانون ينظم النقابات ومدونة الشغل”، لضمان شمولية النصوص القانونية والتنظيمية المتعلقة بمجال العمل والحريات النقابية.
وذكر الزويتن أنه عندما دعت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل إلى العمل المشترك، بادر الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب إلى الاستجابة والمشاركة. وأضاف أن: “النص المطروح حالياً في مجلس النواب يفتقر إلى توافق ضروري لضمان قبوله اجتماعياً، وهو ما يُبرر توحيد الجهود بين مختلف الأطراف لمواجهة هذا المشروع بالشكل الحالي”.
وحول تشكل الجبهة، أشار الزويتن إلى أنها تمثل توافقاً إيجابياً وواسعاً، حيث تشكلت من مختلف الأطياف السياسية والحقوقية والمدنية. واعتبر أن هذه خطوة محورية يتم من خلالها التنسيق بين مختلف التنظيمات من أجل الدفاع عن المكتسبات. وقال: “هذا الحراك يُعد ظاهرة صحية تخدم مصلحة البلاد، كما أنه يعزز الحيوية السياسية والنقابية والمجتمعية”.
وشدد المسؤول النقابي على أن: “توافق هذه التنظيمات يمثل رسالة واضحة إلى الحكومة؛ مفادها رفض اعتماد الحكومة مقاربة أحادية أو متغولة في تمرير القوانين، مستندة فقط إلى أغلبيتها العددية”، لافتاً إلى أن “المطلوب هو التشاور الحقيقي والجدي مع مختلف الأطراف المعنية”.
ويشكل اختيار تنظيمات سياسية ونقابية ممثلة في البرلمان العمل من خارجه عبر الجبهة الوطنية للدفاع عن الحق في الإضراب تحد مزدوج للحكومة، من خلال خطوة تؤكد على ضرورة الضغط المجتمعي من أجل تغيير مسار مشروع القانون المنظم للإضراب قبل التصويت عليه.
وأعلن نقابيون وسياسيون وحقوقيون، أمس الأربعاء 27 نونبر 2024، في ندوة صحافية من العاصمة الرباط تأسيس جبهة وطنية للدفاع عن ممارسة حق الإضراب، “استجابة للتطورات التي يشهدها مشروع القانون التنظيمي المتعلق بكيفيات ممارسة الحق في الإضراب”، والذي أحالته الحكومة على مجلس النواب.
وتضم الجبهة ممثلين عن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، والفيدرالية الديمقراطية للشغل، والمنظمة الديمقراطية للشغل، والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، وفيدرالية النقابات الديمقراطية، إلى جانب النقابة الوطنية للتعليم العالي والنقابة الوطنية للصحافة المغربية، وهيئات مهنية أخرى من قطاعي الصحة والمهندسين.
كما تشمل عدداً من الهيئات السياسية والحقوقية، من بينها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وحزب التقدم والاشتراكية، وفيدرالية اليسار الديمقراطي، والحزب الاشتراكي الموحد، وحزب النهج الديمقراطي، بالإضافة إلى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والهيئة المغربية لحقوق الإنسان.