الطلبة المغاربة بين حلم الهجرة ورهان جودة التكوين بالمغرب
أصبح الطلبة المغاربة في السنوات الأخيرة يحققون تفوقا كبيرا على مستوى ولوج المدارس العليا في الدول الأجنبية خاصة فرنسا، ويكتسحون أغلب المقاعد المخصصة للطلبة الأجانب. وفي آخر إنجاز لهم هذا الأسبوع، تفوق 41 طالبا مغربيا من بين 60 طالبا أجنبيا في مباراة ولوج المدرسة الفرنسية للمهندسين متعددة التخصصات “بولتيكنيك”.
وليست هي المرة الأولى التي يحقق فيها الطلبة المغاربة في المدارس العليا الفرنسية إنجازا من هذا الحجم خاصة في مدارس “البوليتكنيك”، بل اعتادوا في السنوات الماضية على تكريس هذا التفوق، وهو الأمر الذي لقى إشادة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي ومن طرف سفارة فرنسا بالرباط وكذا صحيفة لوفيغارو الفرنسية التي وصفت مستوى أداء الطلبة المغاربة في المدارس الفرنسية السنة الماضية، بـ “المذهل”.
وبقدر ما يبعث هذا الإنجاز على الفخر والارتياح بقدر ما يثير الكثير من الشكوك والمخاوف من هجرة الكفاءات وخيرة الطلبة المغاربة إلى الخارج، عوض استثمار تميزهم وكفاءاتهم ببلدهم الأم، وهذا ما ركز عليه خالد الصمدي كاتب الدولة السابق المكلف بالتعليم والعالي والبحث العلمي، في تصريح لموقع هسبريس حيث أكد على “أن ارتفاع هجرة الطلبة المغاربة إلى الخارج وخاصة فرنسا جاء في ظل وجود تعاون مغربي فرنسي يشجع الطلبة المغاربة مهما كان وضعهم الاجتماعي على ولوج المؤسسات متعددة التقنيات الفرنسية
عبر توفير منح دراسية، عكس المؤسسات المغربية التي تمنحها فقط للطلبة الذين يستوفون معايير الاستحقاق الاجتماعي”، مضيفا أن رحلات الطلبة المغاربة المقبولين بالمدارس الفرنسية تكون ممولة من طرف السلطات المغربية، الأمر الذي يشجع عائلات هؤلاء الطلبة على تدريس أبنائهم بالخارج”. لافتا إلى أن هذه الأمور تؤثر بشكل كبير في هجرة الطلبة المغاربة خصوصا المتفوقين منهم إلى الخارج.
لكن بالمقابل، شدد نفس المصدر على أن المغرب يعمل على وضع سياسات من شأنها تقليص عدد الطلبة المغاربة المهاجرين عبر إنشاء المؤسسات الشريكة كالجامعة الدولية بالرباط، والجامعة الأورو متوسطية بفاس، وغيرهما، قصد توفير عرض تكويني ذو جودة عالية أمام الطلبة المغاربة، وهي سياسة ناجحة لكنها غير كافية” يضيف المتحدث ذاته.
في نفس السياق أبرز اسماعيل سعدون، أستاذ بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية بابن جرير أن هذا الموضوع إذا ما نظرنا إليه بشكل شمولي، سيظهر لنا أن هناك تراجعا في عدد الطلبة المغاربة الذين يغادرون نحو المدارس الأجنبية، لكون المغرب أصبح يتوفر على مؤسسات جامعية متطورة وذات تكوين ذو جودة عالية تضاهي نظيراتها في الدول المتقدمة، مضيفا أن تفوق الطلبة المغاربة لا يرتبط فقط بالبنيات التحتية والوسائل التكوينية التي توفرها المؤسسات الجامعية، بل يتعداه إلى القدرات المعرفية للطلبة المغاربة ومؤهلاتهم العلمية.
وخلص المتحدث ذاته في تصريح لموقع هسبريس أن “المملكة لها القدرات الكافية لاستقطاب الطلبة المغاربة لاستكمال تكوينهم الجامعي، خاصة أن نظامنا التعليمي على الرغم من الانتقادات التي توجه إليه، يبقى وسطا مهما لتطوير القدرات المعرفية وتحقيق التفوق، وهو ما نراه في نتائج المباريات بالمدارس والمعاهد والجامعات الأجنبية”.
وتبقى هجرة الطلبة المغاربة، خاصة المتفوقين منهم، نحو الخارج سيف ذو حدين، قد يجعل المغرب يخسر أفضل طاقاته لفائدة دول أجنبية، إذا لم يعرف كيف يستفيد من خبرة وكفاءة هؤلاء الطلبة بعد نهاية مسارهم التكويني.
وهو ما يفرض على القائمين على الشأن العام سن سياسات تعليمية وتكوينية كفيلة بعودة هؤلاء الطلبة بعد نهاية مسارهم التعليمي إلى بلدهم الأم، وذلك من خلال توفير بيئة عمل تستجيب لتطلعاتهم، وكذا تسهيل عملية ولوجهم إلى سوق الشغل وبأجور محترمة، ومن جهة أخرى يجب تطوير كافة المؤسسات الجامعية ببلادنا حتى يمكنها توفير عرض تكويني يتماشى وطموحات هؤلاء الشباب أولا ويستجيب لاحتياجات سوق الشغل ثانيا.