الأسواق المسلحة.. أسلحة أميركية وأوروبية حديثة الصنع على قارعة طرق صنعاء
يوثق التحقيق انتشار أسلحة خفيفة وذخائر حديثة الصنع؛ أميركية وأوروبية، في شوارع مدينة صنعاء، بعد تهريبها إلى اليمن، في انتهاك للقرارات الأممية.
في عام 2018، أصدرت مؤسسة “مسح الأسلحة الصغيرة” تقريراً عن انتشار الأسلحة النارية بين المدنيين في مختلف دول العالم. وفق تقديرات التقرير، تصدر اليمن الدول العربية في معدل انتشار الأسلحة النارية بين المدنيين؛ إذ بلغ عدد الأسلحة نحو 15 مليون قطعة. وأسفرت هذه الأسلحة وغيرها عام 2021 عن مقتل نحو 20 ألف يمني (وفق مؤسسة “مسح الأسلحة الصغيرة”).
يأتي هذا رغم صدور قرار مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، رقم “2117”، الذي يضع قيوداً على توريد الأسلحة الصغيرة والخفيفة والذخائر في مناطق النزاع؛ لحماية المدنيين من إساءة استخدامها، كما يحظر القرار رقم “2216” توريد الأسلحة إلى كيانات وأفراد في اليمن؛ بما في ذلك الحوثيون.
في هذا التحقيق، نكشف استمرار تدفق الأسلحة الصغيرة والخفيفة إلى اليمن؛ ففي رحلة عبر أسواق صنعاء، وفي جولة افتراضية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، رصدنا عشرات المسدسات والبنادق والذخائر الأميركية والأوروبية -بعضها حديث الصنع- التي تباع علناً، ومن دون أيّ قيود في المدينة.
حتى إن بعض هذه الأسلحة والذخائر أصبحت بحوزة شركة أمنية، متعاقدة مع هيئات أممية لتقديم خدمات أمنية؛ منها تدريب شرطة حراسة المنشآت، وحماية الشخصيات التابعة لوزارة الداخلية في حكومة صنعاء.
طلقة البداية
على فترات زمنية متفاوتة، ينشر خمسة تجار يمنيين مجموعة من الأسلحة والذخائر على موقعي التواصل الاجتماعي فيسبوك وإكس (تويتر سابقاً).
بعض هذه الأسلحة صُنعت في الولايات المتحدة وأوروبا؛ مثل مسدسات غلوك النمساوية والأميركية (Glock)، وبنادق M4A1، ومسدسات بيريتا (Beretta)، وسميث آند ويسون (Smith & Wesson) الأميركية.
وتمنع منصتا التواصل الاجتماعي فيسبوك وإكس أيّ منشورات تروج لأسلحة نارية أو ذخائر. ومع ذلك، لم تقيد منصة إكس هذا النوع من المحتوى، إلا على حساب واحد من بين حسابات التجار الخمسة على المنصة.
يقول العضو السابق في فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن، فولف كريستين بيس، إن مصدر الأسلحة الغربية التي دخلت اليمن بعد عام 2015، هو التحالف العسكري بقيادة السعودية، الذي شن عملية “عاصفة الحزم” ضد الحوثيين، مضيفاً: “نعلم بتسريب هذه الأسلحة إلى السوق السوداء، ولكن لا توجد إحصاءات عن كمية الأسلحة المُسرَّبة”.
الوصول إلى هذه الأسلحة ليس بالشيء الصعب. ولتأكيد هذا الأمر، أظهرنا رغبة في شراء مجموعة من المسدسات والبنادق؛ تواصلنا مع أحد التجار فلم يسأل عن هويتنا أو الغرض من استخدام الأسلحة، بل أرسل لنا صوراً لمجموعة واسعة من الأسلحة المستعملة والجديدة.
من ضمن الأسلحة التي عرضها هذا التاجر على موقع “فيسبوك”، في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، مسدس “غراند باور”. وبناءً على المعلومات الموجودة على ظهر المسدس، حدّد خبير أسلحة -تحفظ على ذكر اسمه أو اسم مؤسسته- سلوفاكيا البلد المصنوع فيه هذا المسدس عام 2023؛ أي قبل أشهر قليلة من وصوله إلى التاجر.
وتشير قاعدة بيانات سجلات الأمم المتحدة للأسلحة التقليدية، إلى أن سلوفاكيا، الدولة العضوة في الاتحاد الأوروبي، لم ترسل من قبل أيّ شحنات أسلحة صغيرة أو خفيفة إلى اليمن.
والأسلحة التقليدية هي الأسلحة الصغيرة والخفيفة والثقيلة، وتندرج تحت مفهوم الأسلحة الصغيرة والخفيفة؛ المسدسات والرشاشات والبنادق شبه الآلية.
وتعد قاعدة بيانات الأمم المتحدة للأسلحة التقليدية المصدر الرئيس لمراجعة تجارة الأسلحة بين الدول؛ إذ تُسجّل عليها أكثر من 90 في المئة من إجمالي صفقات هذه التجارة.
محال أم مستودعات أسلحة؟
لنتأكد من صحة الصور المعروضة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، قررنا خوض جولة ميدانية في الأسواق اليمنية بمدينة صنعاء، حيث تباع الأسلحة على مرأى ومسمع الجميع.
خلال جولتنا الميدانية، التقطنا صوراً لعشرة مسدسات ما بين أميركية وبرازيلية وأوروبية الصنع. وعبر الجولتين الافتراضية والميدانية، وثقنا ثمانية مسدسات معروضة في الأسواق؛ مصنوعة في الولايات المتحدة والبرازيل وأوروبا في الفترة ما بين 2017 و2023.
كما رصدنا انتشاراً واسعاً لمسدسات غلوك الجيل الخامس و19X أميركية الصنع؛ وهي إصدارات وصلت الأسواق بداية من عام 2018، أيّ بعد اندلاع الحرب، وسريان القرار الأممي بتقييد توريد الأسلحة إلى اليمن.
يحلّل الممثل الإقليمي للشراكة العالمية لمنع الصراعات المسلحة، والمنسق الإقليمي للبحوث الاقتصادية والاجتماعية (CRIES) أندريا سيربين بونت، بعضاً من صور المسدسات التي حصلنا عليها، قائلاً إن المعلومات المدونة على مسدس غلوك تشير إلى أنه مسدس حقيقي، مصنوع في الولايات المتحدة. وأضاف أن أغلب مبيعات مقر شركة غلوك (في الولايات المتحدة) تذهب إلى دول لا تستطيع الشراء مباشرة من المقر الرئيس للشركة في النمسا.
ولوحظ أن بعض المسدسات المعروضة مرفقة بها أدلة إرشادية، وحقائب تحمل اسم مصنعها، علاوة على أنها مغلفة تغليفاً جيداً يشي بأنها لم تستعمل من قبل.
ووفق قاعدة بيانات الأسلحة التقليدية للأمم المتحدة، لم تُصدّر الولايات المتحدة مطلقاً أيّ أسلحة صغيرة أو خفيفة إلى اليمن، بخلاف المدرعات التي صدّرتها إلى اليمن عام 2006.
وتشير قاعدة البيانات هذه إلى أن اليمن لم يستقبل بشكل شرعي أيّ مسدسات منذ عام 2010، ولم يُصدّر إليه منذ عام 1992 إلا نحو سبعة آلاف و500 مسدس إيطالي وتركي الصنع؛ ما يطرح تساؤلاً عن مصادر هذه المسدسات المنتشرة في الأسواق، خاصة المُصنَّعة حديثاً، عقب صدور القرار الأممي بشأن تقييد توريد الأسلحة لليمن.
يقول المدير التنفيذي لمؤسسة “اتخاذ عمل إزاء العنف المسلح” (Action Against Armed Violence) الدكتور ليان أوفيرتون، إن الدول المجاورة لليمن التي شهدت صراعات مسلحة، شكّلت مستودعاً للأسلحة القديمة. فعقب حرب العراق، وفقدان الجيش الأميركي نحو نصف مليون قطعة سلاح، بالإضافة إلى النزاع القائم في الصومال، تمّ تهريب أسلحة كثيرة إلى السوق السوداء في اليمن، إلى جانب وجود نظام تهريب داخل اليمن يعمل على إدخال مختلف أنواع الأسلحة.
متاجر بلا رقيب
في عام 1992، صدر القانون رقم 40 بشأن تنظيم حمل الأسلحة النارية والذخائر والاتجار بها، وأتاح القانون للأفراد حمل السلاح، بموجب ترخيص قابل للتجديد كل ثلاث سنوات.
وفي تموز/يوليو 2007، ألغت وزارة الداخلية تراخيص حمل الأسلحة للأفراد في العاصمة صنعاء وعواصم المحافظات، في إطار جهودها للحد من التسلح.
في ذلك الوقت، قدّرت منظمة دار السلام اليمنية عدد الأسلحة في أيدي المدنيين بأكثر من تسعة ملايين قطعة سلاح صغير.
واستمر ما سمي بقرار “منع حمل السلاح في عواصم المحافظات” سارياً، حتى اندلاع التظاهرات ضد الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح عام 2011، وإن دارت الشكوك بشأن فاعليته؛ خاصة بشأن قدرة الدولة على التصدي للاتّجار به.
تدحرجت كرة اللهب بمرور الوقت، حتى اشتعل الحراك عام 2011، وما أعقبه من نزاعات واضطرابات بين عناصر القاعدة في اليمن والجيش اليمني تارة، وبين الأخير وجماعة الحوثيين تارة أخرى، حتى بلغت الصراعات ذروتها عام 2014 باستيلاء الحوثيين على صنعاء. بعدها، توسعت دائرة الصراع في اليمن بتكوين تحالف عسكري تقوده السعودية عام 2015؛ لشن عملية عسكرية ضد جماعة الحوثي.
عام 2013، كان قد صدر تحذير أممي، بموجب القرار 2117، من إساءة استخدام الأسلحة الصغيرة والخفيفة في مناطق الصراع.
وبعد استيلاء الحوثيين على السلطة، صدر القرار رقم 2216 من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي يتضمن حظر توريد الأسلحة والذخائر إلى الحوثيين، والرئيس السابق لليمن علي عبد الله صالح.
طوال هذه المدة، رصدت الأمم المتحدة تزايداً في عمليات تهريب الأسلحة الخفيفة والصغيرة إلى اليمن، مقدرة عددها بعشرات الآلاف، وملايين الأعيرة النارية.
وبعد حراك 2011، ازدهرت تجارة السلاح، وارتفعت تقديرات عدد الأسلحة التي يحملها مدنيون من تسعة ملايين إلى 15 مليون قطعة سلاح عام 2017.
وتباع الأسلحة الجديدة بأسعار تتراوح بين ألفي دولار إلى أربعة آلاف دولار للمسدس الأميركي “غلوك” إصدار 19x؛ ويتخطى سعره نحو عشرة أضعاف السعر في السوق المُنظمة. ويعد هذا مؤشراً على مدى ربحية هذه التجارة، كما يدلّل على تكلفة النقل غير الشرعي إلى اليمن؛ وهو ما يضاف إلى السعر النهائي للمستهلك.
يقول عضو فريق الخبراء السابق بشأن اليمن فولف كريستن: “لطالما شعرت بالدهشة إزاء ارتفاع أسعار الأسلحة في اليمن، رغم أن المسدسات ذات قيمة عسكرية محدودة، كما قد يكون الحصول على ذخيرتها أمراً مكلفاً في اليمن”.
يضيف كريستن أن قرار حظر توريد الأسلحة ينطبق على الحوثيين، ولكنه لا يشمل المناطق التي تحكمها هذه الجماعة المسلحة. ومع ذلك، فإن من يبحث عن حيازة الأسلحة يتوجه إلى المناطق الخاضعة لسيطرتها.
توجهنا بصفتنا الصحفية إلى تاجر سلاح، رصدنا بيعه أسلحة أميركية وأوروبية في صنعاء، متسائلين عن مدى شرعية تجارته، ومن أين تأتي هذه الأسلحة، والترخيص الذي يعمل به، فرفض الإجابة قائلاً: “هذا الموضوع من شأنه أن يتسبب ليّ في مشكلات”.
تدريب قوات حكومية بتمويل أممي
ظهر هذا التاجر في فيديو على منصة “إكس”، حاملاً بندقية من نوع M4A1 من إنتاج فرع شركة كولت بالولايات المتحدة، قائلاً إنه في زيارة لنادي رماية تابع لشركة “بيرقرين” للأمن والسلامة؛ لتجربة الأسلحة والذخائر التي يبيعها في متجره.
ويشير موقع “بيرقرين” الإلكتروني إلى أن الشركة قدمت خدمات التأمين إلى جهات رفيعة المستوى؛ مثل منظمة الصحة العالمية. وبالتواصل معها، أمدتنا “بيرقرين” بقائمة الأسلحة التي تستخدمها؛ من ضمنها مسدسات “غلوك” أميركية الصنع، وبنادق كلاشنكوف روسية، وM4A1 أميركية شبيهة بتلك التي ظهرت في فيديو تاجر الأسلحة.
كما لاحظنا إدراج بنادق MP5 الألمانية في قائمة أسلحة الشركة، ولم تُصدّر ألمانيا إلى اليمن إلا 34 بندقية شبه آلية وهجومية، ما بين 2014 و2016، واقتصر استخدامها على بعثة الأمم المتحدة.
واللافت للنظر وجود ذخيرة 7,62×39 من نوع IK التي صنعتها شركة أجمان البوسنية في 2019، ضمن قائمة أسلحة الشركة، على الرغم من أن قرار مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، رقم 2216 يُقيد أيضاً توريد الذخائر إلى اليمن.
تقول “بيرقرين” في حق الرد على ما رصدناه إنها لا تملك أيّ رخص استيراد أسلحة من الخارج، وهذا خارج نطاق عملها، مشيرة إلى أن الأسلحة التي في حوزتها غير حديثة، بل كل الأسلحة الخدمية من الأجيال القديمة؛ خاصة “غلوك” الجيل الرابع وبنادق كلاشينكوف وM4A1 أميركية الصنع.
رغم هذا، تشير قاعدة بيانات الأسلحة التقليدية التابعة للأمم المتحدة إلى أن اليمن لم يستورد رسمياً أيّ أسلحة أميركية من هذا النوع مطلقاً.
وبخصوص البنادق MP5 ألمانية الصنع، تقول الشركة إن “إحدى منظمات الأمم المتحدة (لم تسمها) طلبت توفير هذا النوع من الأسلحة بغرض التدريب والتأجير، والذي تطلّب منا البحث في السوق المحلية بصعوبة، وتجميع مجموعة قطع أغلبها سعودية الصنع، وذلك لمحدودية توفر هذه الأسلحة، بجانب كونها غير مرغوبة لدى غالبية المجتمع. مع العلم بأننا لم نتمكن من كسب عطاء المناقصة، ما حتّم علينا تعويض هذه الأسلحة ببنادق روسية أكثر كفاءة”.
ولم تنفِ الشركة اعتمادها على الذخائر حديثة الصنع التي رصدناها، قائلة “إنها تحرص عند تنفيذ برامج التدريب أن تحصل على ذخيرة جديدة، غير معطوبة أو معاد تصنيعها محلياً”، مشيرة إلى أنها “توجهت إلى السوق المحلية لطلب ذخيرة جديدة”.
وطلبت الشركة منا التوجه إلى السوق المحلية (السوق السوداء)؛ لمعرفة كيفية شراء هذه الذخائر، ووصلوها إلى اليمن.
دفعنا وجود ذخائر حديثة الصنع في الشركة إلى البحث عن تاريخ تأسسيها؛ فحصلنا على مستند تسجيل الشركة، الذي يوضح أن “بيرقرين” أُنشئت بصنعاء في تشرين الثاني/نوفمبر 2018؛ أي بعد استيلاء جماعة الحوثي غير المعترف بها دولياً على الحكم بنحو أربع سنوات.
وبعد أقل من عامين من تأسيس الشركة، تعاقدت في شباط/فبراير عام 2020 مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي باليمن UNDP؛ لتدريب القوات الحكومية المُكلفة بحماية منشآت المؤسسة الأممية، بعقد يحمل رقم 4 لعام 2020، مقابل ألفين و800 دولار أميركي.عقد مشروع الامم المتحدة الانمائي مع شركة بيرقرين
وبعد نحو ستة أشهر، وقّع البرنامج عقداً آخر حمل رقم 15 لسنة 2020؛ لإجراء تدريبات مقابل نحو 15 ألف دولار. وعرضت الشركة عبر صفحتها على فيسبوك جانباً من هذا التدريب، الذي استغرق أربعة أسابيع، وتُظهر الصور المنشورة استخدام أسلحة خلال التدريب.
كما حصلنا على أمر دفع صادر في تموز/يوليو 2023، يُفيد بأن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قد دفع نحو أربعة آلاف و300 دولار إلى الشركة لإجراء تدريب للقوات الحكومية.
وخلال عام 2022، جدّد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قراره بإدراج الحوثيين -بموجب الفقرة الخامسة من القرار رقم 2624 (2022)- في قائمة الكيانات الخاضعة لتدابير تقييد توريد الأسلحة والذخائر. وجاء ضمن حيثيات القرار أن “الحوثيين انخرطوا في أعمال تهدّد سلام اليمن وأمنه واستقراره”.
كما حصلنا على مستند خدمات مركز التدريب التابع لـ “بيرقرين”، تشير فيه الشركة إلى أنها أجرت تدريبات أمن وسلامة لعملائها؛ ومن بينهم وكالات الأمم المتحدة، وشرطة حراسة المنشآت، وحماية الشخصيات المُكلفة بحماية منشآت الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني.
وجاء ضمن المستند أن المركز يستخدم في تدريباته مختلف الأسلحة والذخائر -المشار إليها سابقاً- إلى جانب أدوات التدريب المختلفة من دروع وخوذات.
وتتبع شرطة حراسة المنشآت وحماية الشخصيات وزارة الداخلية في حكومة صنعاء، غير المعترف بها دولياً، ويشغل منصب وزير الداخلية في الحكومة عبد الكريم الحوثي؛ وهو شقيق والد زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي.
وتشير بيانات وزارة الداخلية في حكومة صنعاء إلى أن شرطة حماية المنشآت نفذت خلال عام 2022، ألفين و748 مهمة أمنية، و437 مهمة قتال ميداني.
وسبق أن تعرضت إدارة حراسة المنشآت وحماية الشخصيات لهجوم نَسبته وزارة الداخلية في حكومة الحوثيين لـ “السعودية والولايات المتحدة”؛ ما أدى إلى “تدمير البنية التحتية للإدارة ومنشآتها”.
ورغم تلقيها تدريبات في شركة “بيرقرين”، تروج الإدارة بأن لديها قاعات تدريب، أجريت فيها 50 دورة عسكرية وأمنية في مجال حراسة المنشآت وحماية الشخصيات حتى عام 2023.
ووفق مستندات ملكية شركة “بيرقرين”؛ فإن تصريحات العمل الصادرة لها مسجلة باسم يحيى محمد علي السياني، وهو نائب وزير النقل والأشغال في حكومة صنعاء، ورئيس الهيئة العامة للطيران المدني، ووكيلها السابق خلال عام 2019.
وقبل أن يتقلد السياني أيّ منصب رسمي، دأب على انتقاد العمليات العسكرية ضد الحوثيين، ومهاجمة الأمم المتحدة عبر حسابه القديم على منصة إكس (تويتر سابقاً).
يقول الدكتور ليان أوفيرتون: “يجب التوجه بسؤال إلى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بشأن ما إذا كانت هذه الشركة قد قدمت له ما يفيد بشرعية حصولها على الأسلحة، قبل أن يتعاقد معها البرنامج لإجراء تدريبات”.
أما بشأن الذخائر المصنعة حديثاً، يضيف أوفيرتون: “سيكون من المهم التأكد من البرنامج الأممي ما يفيد بحصول بيرقرين على إعفاء رسمي من قرار تقييد توريد الأسلحة من عدمه”.
يؤيده في هذا العضو السابق في فريق الخبراء المعني باليمن فولف كريستن، مضيفاً أن أيّ تدريب يُقدّم للقوات التابعة للحوثيين؛ بما في ذلك القوات المُكلفة بحماية المنشآت الأممية، ينطبق عليه قرار الأمم المتحدة بشأن حظر نقل الأسلحة للحوثيين، ويجب التقدم بطلب إعفاء من لجنة العقوبات المشكلة بموجب القرار رقم 2140، والموافقة عليه قبل إجراء التدريب.
لم ترد “بيرقرين” على سؤالنا إذا ما قدمت لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ما يفيد بشرعية حصولها على الأسلحة، قائلة إنها “قدمت كل الوثائق المطلوبة منها في المناقصة”. ورغم أن التدريب كان مسلحاً وفق ما رصدناه، إلا أن الشركة تقول إنها وفرت فقط المادة والوسائل التدريبية والمدربين ووسائل المواصلات، فيما اعتمدت القوات الحكومية على الأسلحة التي بحوزتها خلال التدريب.
يقول برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن الأمم المتحدة أبرمت اتفاقاً مع وزارة الداخلية التابعة لسلطة الأمر الواقع (الحوثيين) عام 2017؛ لتأمين مقراتها خارجياً.
ويضيف البرنامج أن التدريب جاء لضمان التوافق مع الحد الأدنى من معايير الاحتراف المطلوبة من قبل إدارة الأمم المتحدة للسلامة والأمن؛ وبناء عليه تعاقد البرنامج مع شركة “بيرقرين”، لتدريب القوات الحكومية -المكلفة بحماية المنشآت الخاصة بها- على التعامل مع الطرود المشبوهة، ومكافحة الشغب، ومهارات السلامة، والتعامل مع الأسلحة.
وفيما يخص سؤالنا عن فحصها لمصادر أسلحة وذخائر الشركة، يقول البرنامج “إن استخدام أسلحة الشركة كان خارج نطاق مهمة التدريب، الذي اقتصر على توجيه القوات الحكومية على تقديم الخدمات الأمنية للبرنامج بما يتوافق مع المعايير الدولية”. ورداً على سؤالنا عن ارتباط الشركة بأحد المسؤولين في الحكومة، وحداثة إنشائها وقت التعاقد معها؛ يؤكد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنه أجرى عمليات الفحص والتدقيق الداخلية القياسية التابعة له؛ مثل مراجعة قائمة عقوبات مجلس الأمن، وقائمة عدم الأهلية التابعة للأمم المتحدة، وقائمة المستبعدين داخلياً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وبناءً على ما سبق، يقول البرنامج: “لم يكن من الضروري التواصل مع لجنة العقوبات الأممية بشأن التدريبات”.
التهريب براً وبحراً
في الفترة ما بين 2015 و2022، أفادت تقارير فريق الخبراء المعني باليمن، المُشكل من قبل مجلس الأمن، بضبط السلطات الحدودية سبعة آلاف و894 قطعة سلاح؛ تنوعت بين أسلحة خفيفة وصغيرة كانت في طريقها إلى اليمن.
وفي حزيران/يونيو 2023، ضبطت السلطات اليمنية في منفذ حدودي شحنة مكونة من 40 صندوق مسدسات، تحمل شعار مصنع غلوك جي أم بي أتش، غير محددة الطراز.
وفي آب/أغسطس 2023، ضبطت وحدة مكافحة التهريب في محافظة مأرب 14 مسدساً أميركياً وإيطالياً. في الوقت نفسه، أبلغت قوات الحزام الأمني فريق الخبراء عن ضبطها 30 مسدساً في عدن.
ويتخذ المهربون من المنافذ الحدودية بين سلطنة عُمان واليمن طريقاً معتاداً لتهريب الأسلحة؛ إذ يشير تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة للجريمة والمخدرات إلى أن تركيز جهود مكافحة انتشار السلاح انصبّت منذ بداية الحرب في اليمن على المجال البحري مع السلطنة؛ نظراً لغلق المطارات في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
كما أن الحدود البرية بين اليمن والسعودية “كانت مدججة بالسلاح”، ولم يكن لدى اليمنيين المدنيين سبيل للسفر سوى عبر نقطتي عبور على الحدود مع عُمان؛ إحداهما ميناء شحن بحري لعبور الشاحنات التجارية، وفق التقرير الأممي.
ورغم انتشار قوات الأمن المعترف بها دولياً على طول الطرق بين المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون والحدود العُمانية، كشفت عمليات الضبط في عامي 2022 و2023 أن الأسلحة وغيرها، تُهرّب عبر الحدود إلى قوات الحوثيين.
وأضحى بحر العرب جنوبي اليمن منذ عام 2015 مركزاً لتهريب الأسلحة، حيث ضُبطت به 29 ألف و253 قطعة سلاح صغيرة وخفيفة، ونحو مليونين و380 ألف قطعة ذخيرة، في الفترة بين 2015 و2023.
يقول العضو السابق في فريق الخبراء المعني باليمن، فولف كريستن، إن المهربين يستخدمون المراكب الشراعية لنقل الأسلحة من إيران؛ إما مباشرة إلى الساحل اليمني على خليج عدن، وإما عن طريق إعادة الشحن عبر الصومال.
ووفق تقرير مكتب الأمم المتحدة للجريمة والمخدرات، تُهرّب عبر هذه الطريق الأسلحة الجديدة؛ وبمجرد مرورها عبر خليج عدن، تُنقل إلى محافظة حضرموت أو المهرة، ثم تُهرّب عبر الصحراء على أيدي شبكات إجرامية إلى مناطق الحوثيين.
وفي تقرير صادر عن فريق الخبراء الأممي عام 2017، أشار إلى استخدام ميناء نشطون جنوب شرقي اليمن في تفريغ الأسلحة؛ وهو ميناء واقع تحت السيطرة الحكومية، لذا فإن استخدامه -وفق وصف لجنة الخبراء- يعني “استشراء الفساد بدرجة ما بين المسؤولين”.
يتوافق هذا مع ما تضمّنه تقرير حصلنا عليه، صدر عن لجنة تقييم المنافذ الحدودية التابعة للحكومة اليمنية في عام 2021، بعنوان “تقرير عن نتائج أعمال لجنة تقييم وتصويب عمل المنافذ البرية والبحرية”. يفيد التقرير بأن السلطات المحلية تُوجه الدوائر الجمركية في المنافذ للإفراج عن واردات لا يجب الإفراج عنها، أو منع الإفراج عن واردات من دون سبب.
ويضيف التقرير أنه لوحظ -أثناء التفتيش على المنافذ المختلفة- دخول محظورات عبر سيارات مستوردة من الولايات المتحدة.تقرير لجنة تقييم المنافذ الحدودية
وأشارت لجنة تقييم المنافذ الحدودية إلى “عدم وجود محاضر ضبط للممنوعات، وعدم استكمال إجراءات الضبطية بالإحالة الى النيابة المختصة، ناهيك عن الإفراج عن بعضها بتوجيهات من السلطات المحلية”.
*أكرم عبد الرحمن وخالد سامي (اسمان مستعاران)
أُنجز هذا التقرير بدعم من أريج