اللي جا.. يقضي الغرض !
هذه الوفرة غير المسبوقة في نجوم كرة القدم الذين أنجبتهم أصلاب الجالية المغربية في أوربا، والمكانة التي بفضلهم أصبح يحتلها المغرب كرويا على صعيد تصنيفات الفيفا، يجب أن تدفعنا شيئا فشيئا إلى تغيير نظرتنا وطريقة تعاملنا مع الكثير من الأمور التي نتفاعل بها مع منتخباتنا الوطنية.
في السابق، وخلال فترات متقطعة، كان الفريق الوطني تتشكل أغلبية لاعبيه من الأندية الوطنية، وكان يكفي أي لاعب مغربي في أوربا “فيه الضو” وأن يكون منتميا لأحد أندية كرة القدم في القسم الأول وحتى الثاني في فرنسا أو بلجيكا مثلا، حتى تجده ضامنا لمكانته في المنتخب، فقط لأن له صفة المحترف ويلعب “برا”، حتى أن هذه الصفة فسحت المجال في كثير من المراحل للاعبين دون المستوى تم تفضيلهم على آخرين محليين كانوا أحسن منهم على جميع المستويات.
وكان معروفا في السابق أيضا أن الكثير من اللاعبين من أصل مغربي في أوربا، كانوا يمارسون في أنديتهم وطموحهم في البداية اللعب مع منتخب البلاد التي نشؤوا فيها، ولما يعييهم الإنتظار أو لا يستطيعون إثبات أحقيتهم لحمل قميصه، يتذكرون منتخب بلاد أصولهم فيجدون الطريق إليه محاطا ب “الدقايقية” ويلتحقون به بعدما لا يبقى لهم أي خيار، ومنهم من كان يدعي أنه محط أنظار منتخب بلاد المنشأ لكي يثير انتباه “الرباط” ويسارع مسؤولو جامعتنا في “إقناعه” بحمل القميص الوطني المغربي!!
كانت الفوارق شاسعة بين منتخبات أوربية تلعب في ملاعب أنيقة وأجواء مناخية معتدلة وخصوم يلعبون كرة راقية، ولها حظوظ دائمة للمشاركة في المونديال وكأس أوربا.. وبين منتخبات إفريقية تلعب في “حقول البطاطس” وسط الحرارة المفرطة والرطوبة العالية، وخصوم يقاتلون بشتى الوسائل لتفادي الهزيمة، وكان التأهل لكأس العالم لديها حلما صعب المنال.. لذلك كان تفكير أي لاعب في أوربا مهما بلغت درجة عاطفته نحو بلاد الأصول، أن يلعب مع المنتخب الذي لديه تقاليد عريقة في التأهل للمونديال والحضور في أدواره المتقدمة شيئا طبيعيا.
اليوم تغيرت كل هذه المعطيات رأسا على عقب، وصرنا نشاهد لاعبين موهوبين من أصل مغربي يرفضون بكل شجاعة وثقة استدعاءات منتخبات عريقة في أوربا بمبرر أنهم سيلعبون للمغرب، بل “عشنا وشفنا” أن منتخبات لها صيت تاريخي محترم، أصبحت تحاول استقطاب لاعبين مغاربة لم يجدوا لهم مكانا في تشكيلة وليد الرݣراݣي بسبب وجود نجوم عالميين يتنافسون على المركز الذي يلعبون فيه (الواحدي مع بلجيكا).
لقد أصبح لدينا “الخير والخمير” من النجوم التي تلعب في أعرق الأندية العالمية، وكبر إسم المنتخب الوطني حتى أصبح أمنية اللعب فيه تراود الجميع، ولم يعد هناك مجال ل”الفشوش” ولا ادعاء الإصابة أو التصرف كأن المكان داخل التشكيلة محجوز، وصرنا نشبه صفوة منتخبات أمريكا اللاتينية في التوفر على قاعدة هائلة لاختيار الأجود من اللاعبين، يحتار الناخب الوطني كل معسكر في تحديد لائحة لاعبيه.
مستقبلا سيصبح لدينا عقب كل لائحة جدل حول هذا وذاك، وسيصبح سؤال لماذا فضل الناخب الوطني فلان على علان، أمرا مألوفا وسيجتهد التقنيون والمحللون والجمهور في المطالبة بأسماء معينة عوض أخرى، وطبعا وسط كل ذلك لابد وأن تُخَلّف كل لائحة ضحايا ومظلومين كانوا يستحقون بدورهم حمل القميص الوطني، لأن المنافسة على المراكز داخل الفريق الوطني أصبحت عالية ولا أحد يضمن نفسه “من هنا لغذا”، والمطلوب خلال المعسكرات القادمة للفريق الوطني عدم إضاعة بطارية النقاش والجدل في أسماء اللاعبين وأهليتهم لحمل القميص الوطني لأن مستواهم الجيد “اللي جا غادي يقضي الغرض” والتركيز على طريقة اللعب والإنسجام وروح المجموعة التي من شأنها تحقيق الإنجازات والألقاب.