story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

الحرب على لبنان.. عودة مشروع إسرائيل الكبرى؟

ص ص

انعطافة استراتيجية تلك بدأت بهجوم إسرائيلي جوي واسع على الأراضي اللبنانية يومي 17 و18 شتنبر 2024.

الغارات التي استهدفت أحياء سكنية ومواقع عسكرية أدت إلى قتل وجرح المئات من اللبنانيين، ودفعت الآلاف من الجرحى إلى النزوح من الجنوب إلى شمال لبنان. وما حدث شكل انعطافة بالمقارنة مع المرحلة السابقة، التي اقتصرت على مواجهات عسكرية محدودة، تجنبت استهداف المدنيين على الجانبين، لكن منذ تفجير إسرائيل لوسائل اتصال(البيجر)، في 17 شتنبر الجاري، تغيرت قواعد الاشتباك، وباتت المواجهات مفتوحة بين حزب الله وإسرائيل، ما يهدد بحرب شاملة على لبنان، قد تتطور بدورها إلى حرب واسعة تشمل الجولات السوري ومناطق أخرى.

حرب شاملة

انطلق الهجوم الإسرائيلي الواسع على لبنان بثلاث ضربات متتالية، شكلت نقطة تحول في المواجهات المحدودة بين إسرائيل وحزب الله بدأت منذ التاسع من أكتوبر 2023.

الضربة الأولي تمثلت في تفجير آلاف من أجهزة الاتصال الآلي (البيجر) عن بعد، أسفرت عن اغتيال 37 لبنانيا وجرح 3000 آخرين. فيما أعلن حزب الله عن مقتل 25 شخصا من عناصره ضمن هذه الحصيلة.

وفي اليوم التالي، جرت الضربة الثانية التي استهدفت تفجير أجهزة الاتصال اللاسلكي (وولكي تولكي). ثم بعد يومين نفذت إسرائيل ضربة ثالثة على مبنى سكني في الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت، والتي تعد المعقل الرئيسي للحزب، أسفرت عن اغتيال 31 لبنانيا وجرح 68 آخرين، نعى حزب الله منهم 16 شخصا كان من بينهم قادة في الحزب أبرزهم إبراهيم عقيل، أحد الأعضاء المؤسسين للحزب ورئيس فرقة “قوة الرضوان” التي تمثل نخبة الحزب العسكرية.

وفيما توعد حزب الله بالرد في خطاب أمينه العام حسن نصر الله ليوم 19 شتنبر، واصلت إسرائيل تنفيذ ضربات على مناطق واسعة من لبنان في البقاع والجنوب، ما أدى إلى سقوط نحو 300 قتيل بينهم أطفال ونساء.

رد حزب الله على الهجمات الإسرائيلية بتوسيع المدى الجغرافي لهجماته، التي استهدفت القواعد العسكرية والمطارات والمستوطنات الإسرائيلية كذلك، بمئات الصواريخ، متوسطة المدى، استهدفت أساسا قاعدة رامات ديفيد الجوية، وهي القاعدة الجوية الشمالية الرئيسية، بالإضافة إلى مجمع الصناعات العسكرية رفائيل الواقع شمال حيفا. وكلاهما من بنك الأهداف العسكرية التي رصدتها مقاطع “الهدهد” المصورة، والتي سبق أن بثها حزب الله على سبيل التهديد بالردع في شهر يونيو الماضي.

ويلاحظ أن حزب الله قد استخدم خلال الأيام الماضية مزيجا من الصواريخ والمسيّرات، ولكن الأبرز بينهم كان إطلاق العشرات من صواريخ فادي 1 و2، وهو الاستخدام الأول له منذ بداية الحرب على غزة، ويُصنف باعتباره صاروخا متوسط المدى، يصل مداه إلى 120 كلمتر، موجه بدقة، ولكنه ليس من الصواريخ الذكية التي تعتمد خاصية الملاحة الذاتية، بما يعني أن الحزب قد صعّد ضرباته، ولكنه لا يزال يدخر الصواريخ الذكية لمرحلة لاحقة.

كما أنها المرة الأولى منذ حرب عام 2006 التي تدوي فيها صافرات الإنذار في شمال إسرائيل بعمق يقترب من حيفا غربا، والناصرة شرقا، مروراً بشواطئ بحيرة طبرية، بما يعني أن الحزب قد قام بتوسيع دائرة عملياته في الشمال شرقا وغربا وعمقا، بما يشمل منطقة أوسع من ذي قبل تماشيا مع قرار إسرائيل توسيع المجال الجغرافي لهجماتها الجوية.

ويلاحظ كذلك منذ التصعيد الأخير، استعمال حزب الله، لأول مرة في تاريخ المواجهات مع إسرائيل، بصاروخ باليستي استهدف بواسطته مقر قيادة الموساد الإسرائيلي ضواحي تل أبيب. وهو ما يعني توسيع مجال المواجهة إلى العمق الإسرائيلي إلى نحو 120 كلمتر.

ويذكر ما حدث منذ الانعطافة الجديدة في الحرب على لبنان، بالضربة التي وجهها حزب الله منذ شهر تقريبا لمجمع “جاليلوت” شمال تل أبيب، حيث قام بإلهاء الدفاعات الجوية الإسرائيلية شمالا وضرب قاعدة “عين شيمر” على مشارف تل أبيب، حيث تتمركز وحدة المخابرات العسكرية 8200، وهي وحدة استراتيجية في جيش الاحتلال الإسرائيلي.

من المرجح، أن يكون الهدف من وراء الردود العسكرية لحزب الله على الهجوم الواسع لإسرائيل يومي 17 و18 شتنبر هو إعادة توازن الرعب الذي أخلّت به ضربات إسرائيل، والتأكيد على استعادة زمام المبادرة في المواجهات القائمة، وخصوصا بعد الضربات العنيفة والمزلزلة التي تلقاها واستهدفت قيادات رئيسية في الحزب، ما دفع نائب الآمين العام للحزب عن عملية عسكرية أطلق عليها اسم “الحساب المفتوح”.

لكن إسرائيل لم تدع حزب الله يلتقط أنفاسه، إذ واصلت توجيه ضربات قوية ودقيقة يبدو أنها أربكت الحزب وقياداته. إذ قامت بسلسلة هجمات جوية كثيفة في عمق الجنوب والبقاع شملت أكثر من 800 نقطة تابعة لحزب الله بحسب بيانات الجيش الإسرائيلي، ما أدى إلى موجة نزوج كبيرة لسكان هذه المناطق باتجاه العاصمة بيروت.

وقد برّر الجيش الإسرائيلي ذلك على لسان الناطق الرسمي باسمه بالقول: “كل منزل لبناني تم قصفه فهو يحوي أسلحة لحزب الله”، في حين برّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الهجوم على المنازل بالقول إن الهدف هو “تغيير موازين القوة في الشمال”، وهو موقف يشير إلى تطورات محتملة منها دخول إسرائيل مرة أخرى إلى جنوب لبنان حتى نهر الليطاني، لتشكيل حزام فاصل في عمق الأراضي اللبنانية، وهو الهدف الذي فشلت في تحقيقه عسكريا سنة 2006، وإن كانت قد حققته سياسيا عبر نشر قوات أممية (اليونيفيل)، التي شكلت حاجزا بين الطرفين.

حرب إسرائيلية شاملة

التركيز على لبنان، يأتي بينما جرى تدمير وإبادة غزة، التي لا تزال مشتعلة بالرغم من كل ذلك، ودون أن تنجح إسرائيل في هزيمة حماس، أو الحيلولة دون ارتفاع وتيرة التصعيد في الضفة الغربية.

تخوض إسرائيل حربا مباشرة ضد ثلاث جبهات: غزة والضفة ولبنان، وحربا غير مباشرة ضد اليمن وإيران وربما في ساحات أخرى. ومنذ إعلان الحرب في أكتوبر 2023، إثر عملية طوفان الأقصى، أعلن نتنياهو أن تغيير الشرق الأوسط قد بدأ، لكن لا أحد الآن يستطيع أن يرسم ملامح هذا التغيير، سوى استمرار إسرائيل في القتل المنهجي في فلسطين كما في لبنان، مسنودة بالولايات المتحدة الأمريكية والغرب، وعجز العرب وغيرهم، بما في ذلك فاعلين كبار مثل الأمم المتحدة والصين، عن وقف العدوان الإسرائيلي.

طالما عبّرت قوى إقليمية ودولية عن تخوفها من اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط، والواقع أن المعطيات الميدانية منذ بداية الحرب على غزة، تشير أن الحرب الشاملة قد بدأت فعلا، وربما قطعت مراحل، لأن ما ينقصها حاليا أن تتجاوز الأطراف المعنية بها بشكل مباشر، أي إيران وحلفائها، نحو جرّ دول أخرى من المنطقة مثل الأردن، لتصبح شاملة.

بالرجوع إلى الوراء قليلا، يمكن أن نلاحظ بوضوح ثلاثة تطورات على الأقل في مسار هذه الحرب؛ الأول انطلق مع إعلان إسرائيل قرار الحرب على غزة، تحت ذريعة الدفاع عن الوجود وكرد فعل على عملية طوفان الأقصى التي نظمتها حركة حماس ضد قواعد جيش الاحتلال الإسرائيلي في 7 أكتوبر 2023.

وقد حددت إسرائيل الهدف في تدمير حماس، لكن ما حصل عمليا كان جرائم حرب مروعة، ومنها ممارسة الإبادة الجماعية ضد مقومات الشعب الفلسطيني في غزة، وهو ما أكدته قرارات محكمة العدل الدولية وقرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية؛ التطور الثاني بدأ بانخراط قوى غير فلسطينية في المعركة، مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، تحت مظلة الإسناد والدعم لفصائل المقاومة الفلسطينية.

وفي لبنان تحديدا، جرت مواجهات شبه يومية، لكن محدودة بحيث لم تستهدف المدنيين أو الأهداف المدنية من الجانبين، علما أن إسرائيل تجاوزت هذه القاعدة أكثر من مرة حين استهداف الشيخ صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في مكتبه بالعاصمة اللبنانية بيروت، كما تجاوزتها حين أقدمت على اغتيال قائد حركة حماس ورئيس مكتبها السياسي، إسماعيل هنية، في قلب العاصمة الإيرانية طهران.

التطور الثالث بدأ يوم 17 شتنبر باستهداف إسرائيل وسائل الاتصال الآلي”البيجر” لدى حزب الله ما أفضى إلى سقوط مئات الجرحى من المدنيين والعسكريين، أعقبها تفجير أجهزة اتصال أخرى “وولكي تولكي” ثم استهداف منازل المدنيين، وهي خطوات تدفع بالحرب إلى مرحلة جديدة بدون شك.

عادة ما يقصد بالحرب الإقليمية تلك التي تندلع في منطقة جغرافية متصلة، وبين أطراف متعددة. وفق المعطيات القائمة على الأرض، فإن الحرب الجارية في المنطقة تمتد من غزة على الحدود الفلسطينية المصرية حتى بيروت في عمق لبنان، وفي الجولان السوري المحتل كذلك، عمليا تدور الحرب في مساحات واسعة تجعل من أربع دول متصلة جغرافيا معنية بها بشكل يومي، هي لبنان وسوريا والأردن ومصر.

بخصوص أطراف الحرب، فهي تدور بين “دولة” إسرائيل وحركات مقاومة غير دولتية، ما يجعلها تختلف مثلا عن الحروب العربية الإسرائيلية لسنة 1967 و1973، حيث دارت الحرب بين دول. اليوم تبدو حلقات الحرب الدائرة في تطور مستمر، وفي حالة لم تتوقف بمبادرة من أطرافها أو بضغط دولي وإقليمي، فإن التطورات الميدانية قد تجر أطرافا أخرى للمشاركة فيها.

احتمالات متشابكة..

تشير الوقائع إلى احتمالات متناقضة؛ فالرئيس الأمريكي بايدن ووزيره في الخارجية أنتوني بلينكن تحدثا عن مبادرة دبلوماسية جديدة لوقف القتال في لبنان واستئناف مفاوضات غزة، وأن نتنياهو كلف وزيره للشؤون الاستراتيجية من أجل مفاوضات جديدة مع لبنان وحماس، لكن في الوقت نفسه تحدث قائد الأركان الإسرائيلي عن الاستعداد لهجوم بري على لبنان لدفع قوات حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني. كلا الموقفين يشير إلى أن المنطقة تقف على مفترق طرق لأن الاحتمالات متشابكة ومعقدة، ويصعب ترجيح أي منها.

يشير الاحتمال الأول إلى أن إسرائيل مصرّة على شن عدوان جوي شامل على حزب الله ولبنان، بعدما خرّبت ودمّرت غزة عن آخرها. وتشير تصريحات القادة الإسرائيليين إلى الرغبة في مزيد من التصعيد، وربما القيام بغزو بري إلى الجنوب اللبناني، لتحقيق هدفين جرى الإعلان عنهما: الأول، إعادة النازحين من شمال إسرائيل إلى مواقعهم؛ ودفع قوات حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني في جنوب لبنان.

ترى إسرائيل أن الوقت قد حان لتصفية الحساب مع حزب الله، ويبدو أن القيادة العسكرية والسياسية في الكيان الصهيوني متحمسة لهذا السيناريو، رغم التردد الأمريكي المعلن عنه، والذي يقف في النهاية إلى جانب إسرائيل في كل خياراتها.

الاحتمال الثاني يرجح أن تنجح أمريكا وقوى دولية أخرى مثل فرنسا في الضغط على إسرائيل من أجل وقف لإطلاق النار ولو مؤقتا، وهي مبادرة جرى الحوار حولها بين مسؤولين أمريكيين ورئيس وزراء لبنان، وتقضي بوقف الحرب لمدة ثلاثة أسابيع، ويبدو أن حزب الله لمح إلى إمكانية التفاوض حول هذا السيناريو، أي وقف العدوان على لبنان، لكن لم يعلن عن أي موقف صريح بذلك، خصوصا وأن قادة إسرائيل مصرون على إنشاء منطقة عازلة في جنوب لبنان حتى 7 كلم، أو اتفاق طويل المدى يقضي بالاعتراف بإسرائيل وهما شرطان تعجيزيان للقيادة اللبنانية، لأن الاقتراح يعني، من الناحية العملية، فصل الجبهتين اللبنانية والفلسطينية.

يتمثل الاحتمال الثالث في أن تنجح الدول التي عبّرت عن رفضها لحرب شاملة في المنطقة، في الضغط على إسرائيل وحزب الله من أجل مفاوضات لوقف مؤقت لإطلاق النار في لبنان، وفي الوقت نفسه وقف إطلاق النار في غزة، بمعنى ربط المفاوضات حول الوضع في لبنان بالوضع في غزة، لارتباط الجبهتين معا في الهندسة الإسرائيلية، وهو مسعى قد تضغط من أجله الولايات المتحدة الأمريكية لكن مقابل انخراط بعض الدول العربية والسلطة الفلسطينية في إدارة غزة بدل حركة حماس، وكذا استئناف مسار التطبيع مجددا بين العرب وإسرائيل، وهو سيناريو محتمل كذلك.

كانت الولايات المتحدة الأمريكية تحذر، مند بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، من حرب إقليمية شاملة. ما حدث عمليا طيلة الشهور الماضية أن إسرائيل انفردت بغزة، تقتيلا وتدميرا وإبادة، حيث سقطت أعداد مهولة من القتلى المدنيين، منهم أطفال ونساء وشيوخ، وفي الوقت نفسه لجأت إلى خنق الضفة الغربية، والفتك بسكانها، اعتقالا وقتلا وترحيلا.

وفي الأسبوع الماضي، أطلقت حملة عسكرية واسعة ضد لبنان، حيث قتلت أزيد من 500 شخص في يوم واحد، وهجّرت الآلاف من سكان جنوب لبنان، الذين فروا نحو شماله. هكذا يمضي العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة ولبنان، جبهة بعد أخرى، ما يعني أن الحرب الشاملة قائمة فعلا، ولا ينقصها سوى انخراط دول أخرى، وهو أمر رهين بتطورات الحرب في الميدان، وليس بتصريحات السياسيين التي لم تغيّر شيئا حتى الآن.

التداعيات على المنطقة

العدوان على لبنان، سواء في إطار مواجهة محسوبة أو حرب شاملة، قد تكون له تداعيات كارثية، سواء على لبنان أو فلسطين أو على منطقة الشرق الأوسط ككل. وزراء الخارجية العرب حذروا في اجتماع تشاوري لهم، انعقد في واشنطن على هامش الدورة 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة، من تداعيات شن عدوان واسع على لبنان في ضوء التطورات الأخيرة، بما قد يدفع الى اشتعال حرب إقليمية شاملة، ويهدد أمن المنطقة بأسرها واستقرارها.

وقد انخرط مجلس التعاون الخليجي في التنديد بما وصفه “الانتهاكات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في لبنان” والتي تمثل “تهديدا خطيرا قد يؤدي إلى تفجر الأوضاع في المنطقة”، مطالبا المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لوقف هذه الأعمال الاستفزازية. وأكد أن “هذه التصرفات تشكل انتهاكا واضحا للقوانين والأعراف والمواثيق الدولية، وتُعرض الأمن والسلم الإقليميين للخطر”.

لكن التحذير العربي والخليجي لم يغيّر شيئا في الموقف الأمريكي، فهذا الأخير ظل يتأرجح بين دعم إسرائيل في عدوانها الجديد على لبنان، والقول بأن الحل السياسي لا زال ممكنا.

وقد عبّر سلوك الرئيس الأمريكي بايدن عن هذا التأرجح، إذ في الوقت الذي أعلن البيت الأبيض بأن الحل السياسي لا يزال ممكنا، وأبدت دعمها لأجل مبادرة لوقف الحرب مؤقتا، وقع بايدن في اليوم نفسه على حزمة جديدة من المساعدات العسكرية بقيمة 8,7 مليار دولار، بسبب احتمال أن تتطور الحرب على لبنان نحو حرب شاملة في المنطقة.

وهي مساعدات تشير إلى الموقف الحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية، فهي تتصرف على أساس ما هو مرجح لديها، أي اندلاع حرب شاملة في لبنان.

من دون شك فإن التداعيات ستكون كارثية، ليس على لبنان، دولة ومجتمعا، بل على المنطقة ككل، إذ من شأن العدوان الإسرائيلي أن يخرب ما تبقى من اقتصاد لبنان الهش، وأن يدفع بالملايين من اللبنانيين نحو الهجرة واللجوء، ويدفع بالميليشيات الشيعية في سوريا والعراق واليمن ودول الخليج، وربما من بلدان أخرى مثل إيران وأفغانستان وباكستان، إلى القدوم نحو لبنان لإسناد القوات المقاتلة لحزب الله في حربه مع إسرائيل، وتتحدث التقارير عن 40 ألف مقاتل في سوريا، من بلدان عربية وإسلامية، تنتظر، بالقرب من الجولان السوري، الإشارة من قيادة حزب الله للدخول إلى ساحة المعركة، ما يعني أن الحرب على لبنان قد تمتد عمليا وميدانيا على امتداد ثلاث دول على الأقل وهي لبنان وسوريا والعراق.

في حالة لم تنجح القوى الدولية والإقليمية مثل الصين وفرنسا وتركيا وإيران في الإقناع بالخيار الدبلوماسي بل فرضه، وهو احتمال ممكن إن اصطفت أوربا إلى جانب فرنسا في دعم هذا الخيار المرغوب، فإن سيناريو الحرب الشاملة ستكون لها تداعيات كارثية على منطقة الشرق الأوسط، ليس على الفاعلين في محور المقاومة فقط مثل حركة حماس وحزب الله أو إيران، بل قد تتطور نحو زعزعة الاستقرار في دول أخرى مثل الأردن، وهو احتمال مرجح كذلك، وقد يفضي كل ذلك إلى تغيير فعلي في خريطة الشرق الأوسط، كما توعد بذلك نتنياهو في بداية العدوان على غزة قبل حوالي عام تقريبا، أي تحقيق حلم إسرائيل الكبرى.