الجباري: استقلال القضاء حق من حقوق الإنسان والنيابة العامة أكثر المؤسسات خضوعا للرقابة
يرى رئيس جمعية نادي قضاة المغرب عبد الرزاق الجباري أن استقلال القضاء هو حق من حقوق الإنسان، معتبراً أنه لا يجدر وضع قضاة النيابة العامة تحت إشراف الحكومة في الوقت الذي يعدّهم فيه الدستور المغربي قضاة وينص على أن السلطة القضائية مستقلة.
وأشار الجباري في حديثه أثناء حلولها ضيفا برنامج “ضفاف الفنجان” الذي تبثه صحيفة “صوت المغرب”، إلى أن المغرب يشهد إنجازات على مستوى استقلالية القضاء إلا أن هذه الأخيرة مازالت في طور التأسيس.
تأثير خطاب مارس 2011
وقال عبد الرزاق الجباري، في معرض حديثه عن بدايته المهنية، إن الخطاب الملكي السامي الذي توج دينامية حراك شباب 20 فبراير الذي عرفه المغرب في سياق ثورات الربيع العربي سنة 2011، كان له تأثير عليه بحمولته الإصلاحية والحقوقية خاصة “من زاوية تحديد الوجهة والمسار بالتوجيه الملكي، الذي تبعه التوثيق الدستوري في 30 يوليوز إضافة إلى النقاشات التي صاحبت ذلك”، عاداً إياه “محطة تاريخية لا تنسى”.
وأوضح أنه خلال مرحلة تكوينه في المعهد العالي للقضاة “كان دائما تواقا للتغيير والإصلاح على جميع المستويات”، مشيرا إلى أنهم كملحقين قضائيين آنذاك قبل التخرج في يونيو 2011، كان على عاتقهم نفس الواجبات والالتزامات الملقاة على القضاة، وهو ما جعلهم يتابعون ما يجري في تلك الفترة من بعيد مثل أي مواطن مهتم بالشأن العام.
الدفاع عن فكرة كونية
وعن مرحلة تأسيس جمعية نادي القضاة بالمغرب، يذكر عبد الرزاق الجباري رئيس الجمعية منذ 2022، يوم الجمع العام التأسيسي الذي قابلته السلطات بقرار المنع في 20 غشت 2011، لينعقد بالنهاية في الشارع العام، لافتاً إلى أن هذا المنع عُدَّ حافزاً للاستمرار في المطالبة بإصلاح القضاء مستحضراً في هذا الصدد عدة محطات انخرط فيها من أجل هذا الهدف.
وقال معرفاً بدور جمعية نادي قضاة المغرب، إنه “عندما ندافع عن استقلالية القضاء والضمانات الممنوحة للقضاة تكون بذلك تدافع عن جميع القضاة وعن استقلال القضاء كمؤسسة”، موضحاً أن التدخل في مسألة تتعلق بهذا الأخير لا يعني انتصارا لفرد من أفراد الجمعية “بل هو دفاع عن فكرة كونية”، حسب تعبيره.
وأشار إلى أن الجمعية تستمد دورها من الإعلانات الدولية “التي تخلص كلها إلى نتيجة كون الجمعية المهنية للقضاة من أدوارها الدفاع عن استقلال القضاء، وعن حقوق القضاة ومصالحهم المشروعة إضافة إلى المساهمة في تطوير وسائل العدالة من قبيل القوانين سواء المنظمة للشأن القضائي أو المرتبطة بالعدالة”، منبهاً إلى أن ذلك “في حدود معينة لأن المشاركة في الشأن العام بالنسبة إلى القاضي لا تشبه مشاركة غيره من الفاعلين أو المواطنين”.
مرجعية القاضي
وفي جوابه على فئات تنظر إلى القضاء في المغرب كونه متسماً بطابع ديني محافظ، أشار عبد الرزاق الجباري إلى أن القضاء في أصله كان مرتبطاً بالعلماء والفقهاء “واستمر كذلك في تراثنا المغربي إلى أن وصل إلى أن يكون وظيفة من وظائف إمارة المومنين”.
وتابع قائلا إن “الملك اليوم هو القاضي الأول ورئيس الجلس الأعلى للسلطة القضائية”، بحيث أن القضاة يقدمون الأحكام باسمه، كما أنه يضيف المتحدث “يوجد تأسيس يتجاوز ما هو تراثي إلى ما هو دستوري”، مستحضراً الفصل 42 من الدستور الذي يحدد اختصاصات رئيس الدولة “والتي أورد ضمنها صيانة الحقوق والحريات،” وكذلك الفصل 117 من الدستور الذي يحدد مهام القاضي ودوره بالقول إنه “الذي يتولى حماية حقوق الأفراد والجماعات وتطبيق قانون أمنهم القضائي”.
وبيّن كيف أن “وظيفة من وظائف إمارة المؤمنين تم إعطاؤها للقاضي بالنيابة”، مشيرا إلى أن الفرق هو “استعمال الفصل الأخير مصطلح الحماية بينما استعمل الفصل الأول مصطلح الصيانة التي تشمل حتى الحماية وغيرها”.
ورغم هذا الارتباط الديني، يعتقد الجباري أن القضاة عموما لا يعملون وفق مرجعية دينية، داعياً إلى ضرورة التمييز بين المحافظة والتحفظ، موضحاً في نفس الوقت أن “التزام القاضي بالتحفظ لمدة سنوات قد يورثه المحافظة وهذه مسألة طبيعية”.
وأوضح في ذات السياق، أن هذا لا يعني استبعاده أن يكون هناك قضاة محافظين يعتمدون فتاوى واجتهادات أئمة ومذاهب.
وفي المقابل، ذكر أن المغرب اليوم “يعيش طفرة على مستوى اعتماد القضاة في أحكامهم تلقائيا على اتفاقيات دولية مصادق عليها من طرف المغرب دون أن يلتمس ذلك من المحكمة أي طرف من الأطراف”، مضيفا أن لجوء القاضي للاتفاقيات الدولية يجعل الحكم يتمتع بنفحة قانونية ودستورية وحقوقية، هذا بالإضافة على اعتماده على اجتهادات محاكم النقض في دول أوروبية مثل فرنسا وبلجيكا.
استقلالية القضاء
أما على مستوى استقلالية القضاء، أفاد المتحدث أنه توجد إنجازات ومجهودات بينها العمل الذي قامت به وزارة العدل إبان الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة في عهد وزير العدل والحريات السابق مصطفى الرميد، مشيرا إلى أنه حتى وإن لم تشارك فيه جمعية نادي قضاة المغرب “لا بد من الموضوعية”.
وذكر أن الحوار أسفر عن توصيات تم تنزيل بعضها وبقي نحو 26 توصية، لافتا إلى أنه نتيجة لتنزيل التوصيات أبعِدت وزارة العدل من تشكيلة المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
وأورد أن “عمر استقلال السلطة القضائية مازال جنينيا ومازال في طور التأسيس كما أنه توجد هياكل بالمجلس الأعلى لم تشكل إلى يومنا هذا”، موضحة أن “ضمان عمل بنيوي مهيكل تنظيمي يليق بالمؤسسة يلزمه الوقت والإمكانيات وأهم هذه الإمكانيات هو النص التشريعي”.
وردا على الذين يعارضون فصل النيابة العامة عن وزارة العدل، تساءل الجباري “لم لا تتم مناقشة أصل المسألة التي هي الدستور الذي أخذ على غرار تجارب مقارنة بوحدة القضاء؟”، مؤكدا على أنه يجب أن تكون هناك جرأة لتقييم هذه التجربة وبالتالي تقييم لاستقلالية القضاء، متسائلا بشأن عدم مناقشة أي من الفاعلين للدستور “، الذي يعتبر في نهاية المطاف قابلا للتعديل”، مشيرا إلى أن هذا الأخير هو الذي نص على استقلالية السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية والتشريعية”، موضحا في نفس الوقت “أنه في فصول أخرى يحدد ما يعنيه بالسلطة القضائية التي هي قضاة الحكم وقضاة النيابة العامة”.
ويرى رئيس جمعية نادي قضاة المغرب من “المراقبة التي كانت تتم في ظل إشراف وزارة العدل عن طريق البرلمان صورة من صور المراقبة”، في حين أن عمل النيابة العامة الذي يعد قضائيا بامتياز يخضع للمراقبة في أدق إجراءاته من طرف قضاء الحكم، مشيرا إلى أنه قد تكون هناك ملاحظات على بعض الأحكام من قبل الفاعل الحقوقي أو الصحافي لكن “مؤسسة النيابة العامة تعد أكثر المؤسسات خضوعا للرقابة من طرف قضاء الحكم”.
لمشاهدة الحوار كاملا، يرجى الضغط على هذا الرابط