story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

فرنسا: مع سيادة المغرب على صحرائه ومع حق إسرائيل

ص ص

“في الدفاع عن النفس”
عبد الحفيظ السريتي

من قلب البرلمان المغربي، أعلن الرئيس الفرنسي دعم بلاده لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب عام 2007 لإنهاء النزاع حول الصحراء مع جبهة بوليساريو التي تطالب باستقلال الإقليم وتدعمها الجزائر في واحد من أقدم النزاعات في المنطقة والذي قارب على إغلاق عقده الخامس.
النزاع هو واحد من مخلفات الحقبة الاستعمارية التي تركت جروحا وندوبا غائرة في الأجسام العليلة للدول التي رزحت لعقود تحت نير القوى الاستعمارية. وليس عبثا أن تستفيق الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة لتعلن اعترافها بسيادة المغرب على صحرائه.
ففي العاشر من ديسمبر 2020 وقع الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب والعائد إلى البيت الأبيض في الانتخابات الأخيرة بفارق كبير عن منافسته كامالا هاريس قرار الاعتراف بمغربية الصحراء، معتبرا أن المقترح الذي قدمه المغرب إلى الأمم المتحدة “اقتراح جاد وواقعي للحكم الذاتي وهو الأساس الوحيد لحل عادل ودائم لتحقيق السلام الدائم والازدهار”.
لكن الغرب عموما، لا يمنح هدايا لوجه الله ولا يعطي بيد إلا ليأخذ بالأخرى أضعاف ما قدمه من عطايا مسمومة وهو ما تم فعلا بعد توقيع المغرب على اتفاقية ثلاثية، تقضي بتطبيع العلاقات المغربية مع كيان الاحتلال، جمعت كلا من الولايات المتحدة والمغرب وإسرائيل.
الحال أن الإدارة الأمريكية التي تسيطر على منظمة الأمم المتحدة والتي شغل واحد من أبرز دبلوماسييها بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء جيمس بيكر، فشل أو أريد له بالأحرى أن يفشل بعد قضائه سنوات طويلة على رأس المهمة وبعد مشاريع وجولات مكوكية بين المغرب وتندوف والجزائر، استعصى معها إيجاد حل لنزاع، ساهم عاليا في تسميم علاقات البلدان المغاربية وأفشل مشروع وحدة المغرب العربي الذي ولد ميتا عام 1989 وظل أملا وحلما يراود شعوب المنطقة.
لم تكن السنوات الثلاث التي ودعناها على مستوى العلاقات المغربية الفرنسية بالجيدة. فقد مرت علاقات المغرب مع شريكه الأول في التجارة والاقتصاد والسياسة بهزة كبيرة ومرت من منعطف وأزمة ديبلوماسية، أرخت بظلالها الثقيلة على علاقات البلدين وخاصة بعد أن تداولت وسائل إعلام فرنسية خبر تجسس السلطات المغربية على باريس وهي الأخبار التي نفتها الرباط بشدة، دون أن يشفع ذلك في حلحلة الموضوع، وهو ما دفع بفرنسا إلى جر الحبل، بعد أن لجأت إلى تخفيض عدد تأشيرات المغاربة بنسبة فاقت النصف، وهو ما شكل قلقا كبيرا وخاصة أن فرنسا هي وجهة مفضلة لرجال الأعمال وللمستثمرين ولطلاب الجامعات والمعاهد العليا.
كما أن باريس احتفظت بمسافة من مقترح الحكم الذاتي الذي دعمته الولايات المتحدة وإسبانيا، الدولة التي كانت تحتل الأقاليم الصحراوية وانسحبت منها بعد توقيعها، اتفاقية مدريد في 14 نونبر 1975 مع كل من المغرب وموريتانيا.
لكن موقف فرنسا هذا، لم يحض برضا الرباط التي كانت تنتظر من باريس أن تكون سباقة لدعم مقترح الحكم الذاتي في الصحراء وهو ما دفع بالمغرب وبعد أن وضع في سلته الاعتراف الأمريكي، حسم أمره في شأن مستوى علاقاته مع شركائه التقليديين وأصبح الموقف من النزاع حول الصحراء محددا وهو ما أكده الملك محمد السادس في خطاب بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب في 20 من غشت/أغسطس 2022 “ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم والمعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”.
لم يكن هذا الموقف الصارم لتخطئه نباهة الفرنسيين الذين اعتبروا أن رسالة الرباط، موجهة إليهم وأن مستقبل ومصالح فرنسا باتت رهينة، الموقف من سيادة المغرب على صحرائه.
إن فرنسا، لها استثمارات ومصالح ضخمة في المغرب وتعتبر الشريك الاستراتيجي الأول للبلاد، فلن تستسيغ أن تفقد مجالا حيويا وبوابة رئيسية نحو إفريقيا وخاصة بعد أن تلقت ضربات موجعة في عدد من البلدان في القارة السمراء التي كانت مناطق نفوذ تاريخية لها، تستغل خيراتها ومواردها الطبيعية والمعدنية.
وهاهي إفريقيا اليوم، تنهض من جديد وتنهي حقبة مظلمة مع الاستعمار الفرنسي في كل من النيجر والغابون وبوركينافاسو ومالي وإفريقيا الوسطى، لتفقد بذلك باريس مجالا حيويا ظلت تتحكم فيه لعقود زمنية.
ولأن العلاقات الدولية تحكمها المصالح ويحسمها ميزان القوة فإن الرباط نجحت في استثمار الموقف الأمريكي وضغطت على جرح باريس لإخراجها من ترددها وضمها إلى جانب الدول الداعمة لحل دائم في الصحراء على قاعدة المقترح المغربي الخاص بالحكم الذاتي. لكن فرنسا التي حل رئيسها إمانويل ماكرون بالمغرب في قمة وصفت بالاستثنائية ودامت ثلاثة أيام من 29 إلى 31 أكتوبر/تشرين الأول 2024، جمعته بالعاهل المغربي وبعدد من المسؤولين المغاربة وتم خلالها التوقيع على 22 اتفاقية شراكة بقيمة تجاوزت ال 10 مليارات يورو، أعاد رئيسها التأكيد على مغربية الصحراء أمام البرلمان بغرفتيه (مجلس النواب ومجلس المستشارين) بعد أن عبرعن الموقف نفسه في رسالة سابقة إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس بتاريخ 30 يوليوز 2024 اعتبر فيها أن “حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربيةّ”وأن فرنسا “تعتزم التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي”.
هكذا تمكن المغرب من تعزيز موقفه بدولتين دائمتي العضوية في مجلس الأمن، الولايات المتحدة وفرنسا إلى جانب كل من إسبانيا وألمانيا وتجري محاولات حثيثة مع بريطانيا لضمها إلى هذه الجبهة المساندة والدعمة للحل المغربي.
لم يكن ممكننا أن تتحرك كل هذه المياه تحت الجسر، لو أن المغرب لم يذهب بعيدا في علاقاته مع كيان الاحتلال وتوقيعه الشهيرعلى التطبيع في العاشر من ديسمبر 2020 وخاصة أن مقترح الحكم الذاتي، قدمه المغرب قبل سبعة عشر عاما كبديل على الاستفتاء الذي استعصى على الأمم المتحدة تنظيمه نظرا لهوة الخلاف الكبير بين المغرب وجبهة بوليساريو حول إحصاء من يحق لهم التصويت والمشاركة فيه.
فرنسا، مثلها مثل الولايات المتحدة في انحيازها إلى إسرائيل التي قدمت لها كل أنواع الأسلحة الفتاكة التي هطلت على غزة وأودت بحياة قرابة 45000 شهيد، معظمهم أطفال ونساء.
ومن قلب البرلمان المغربي دافع الرئيس الفرنسي ماكرون عن حق إسرائيل في الدفاع عن النفس ضد ما وصفه بالبربرية الفلسطينية وهو الموقف الذي تصدت له العديد من الأحزاب السياسية والقوى المدنية التي أصدرت بيانات اعترضت فيها على الانحياز الأعمى للرئيس الفرنسي لإسرائيل التي ارتكبت جرائم الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني كما لم تجد البرلمانية نبيلة منيب عن الحزب الاشتراكي الموحد إلا كوفيتها لترفعها احتجاجا على وصف الرئيس الفرنسي للمقاومة المشروعة بقوة القانون الدولي ونعتها بأحط الأوصاف.
في الذكرى التاسعة والأربعين للمسيرة الخضراء التي أطلقها الملك الراحل الحسن الثاني بعد إصدار محكمة العدل الدولية، قرارها الاستشاري الذي أكد العلاقة القائمة بين القبائل الصحراوية وسلاطين المغرب عبر التاريخ، وهي المسيرة التي شارك فيها حوالي 350 ألف مغربي ومغربية، توجهوا نحو الصحراء، يحملون المصاحف ويدخلون فاتحين إلى أراضيهم الصحراوية الجنوبية بعد أن خرج منها الاستعمار الإسباني، إلا أن التطورات التي عرفتها جبهة بوليساريو التي تأسست في العاشر من مايو/أيار عام 1973 من طرف شبان صحراويين، كان أغلبهم يتابع دراسته الجامعية بالعاصمة المغربية الرباط ومن أبرزهم مصطفى الوالي السيد الذي قتل في هجوم على العاصمة الموريتانية نواكشوط في التاسع من يونيو/حزيران 1976.
لم تنزع جبهة بوليسايو نحو الانفصال والمطالبة باستقلال الصحراء إلا بعد أن تعرضت مظاهرات مناهضة للاحتلال الإسباني للقمع وهي الانتفاضة التي عرفت بحي الزملة بمدينة العيون وانطلقت في منتصف يونيو/حزيران 1970. كما أن قمع السلطات المغربية لمظاهرات مماثلة في مدينة طانطان سنة 1972، ساهم في كسر الجرة واستعداء شباب كان همه الأول والأخير تحرير الأقاليم الصحراوية من قبضة الاستعمار الإسباني.
بعد كل هذا هل يقترب المغرب من إغلاق قوس هذا النزاع؟ وهل اعتراف الولايات المتحدة وفرنسا ودول أوربية كثيرة بمخطط الحكم الذاتي، سيتجه نحو إنهاء الصراع لصالح المغرب؟
الأكيد أن المغرب الذي أقدم على تطبيع علاقاته مع كيان الاحتلال، دفع مسبقا ثمن هذه المواقف التي تأخرت كثيرا وخاصة أن مقترح الحكم الذاتي لم يولد اليوم وإنما بات يقترب من عقده الثاني.