story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

كومندو ترامب

ص ص

ما يجري في الولايات المتحدة الأمريكية، منذ قرن تقريبا، وفي هذه الأيام تحديدا، لا يهمّ الشعب الأمريكي وحده، بل ترتبط به مصائر العالم وربما حتى جزء من الفضاء المعني بالسباق الدائر بين القوى العظمى.
كتبت هنا قبيل موعد الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم 5 نونبر 2024، إن الأمريكيين يختارون للعالم. وبعدما حسموا خيارهم لصالح الرئيس القديم الجديد دونالد ترامب، فإن هذا الأخير لم يدخل أمس إلى البيت الأبيض للقاء الرئيس المنتهية ولايته جوزيف بايدن، إلا بعدما كشف عن قسم مهم من تشكيلة إدارته المقبلة.
لهذا تأتي تعيينات دونالد ترامب في ضفوف إدارته المقبلة، كرسالة قوية تكشف عن ملامح سياسته المستقبلية، والتي تجمع بين التوجه الصارم تجاه الخصوم الاستراتيجيين، وتعزيز التحالفات التقليدية، مع إعطاء مساحة للقطاع الخاص لإدارة ملفات حساسة.
ضمن أولى الأسماء التي كشف عنها ترامب، هناك مايك والتز، المرشح لمنصب مستشار الأمن القومي. يمتلك هذا الرجل خلفية عسكرية قوية بصفته عضوا سابقا في القوات الخاصة للجيش الأمريكي، ونائبا في الكونغرس، وهو معروف بآرائه الحازمة تجاه الصين وإيران.
تعيين شخصيات معروفة بمواقفها الصارمة تجاه إيران، مثل مايك والتز، يعزز احتمال تبني الإدارة الأمريكية المقبلة لنهج أكثر تشددا تجاه طهران. توجه قد يعني دعما أكبر لحلفاء أمريكا في الخليج، وزيادة الضغوط الاقتصادية والعسكرية على إيران، مما قد يؤثر على توازن القوى في المنطقة ويزيد من حدة التوترات.
كما يكشف هذا الاختيار بوادر استراتيجية متشددة في مواجهة المنافسين الاستراتيجيين للولايات المتحدة، خاصة الصين. ووفقا لبعض المحللين، فإن هذه الخطوة قد تؤدي إلى سياسات تجارية وعسكرية أكثر عدوانية، مع التركيز على تقوية الحلفاء الآسيويين كاليابان وكوريا الجنوبية.
ثم هناك ماركو روبيو، المرشح لمنصب وزير الخارجية، وهو عضو بارز في مجلس الشيوخ وصاحب آراء مؤيدة للحلفاء التقليديين لأمريكا.
يعبر روبيو عن توجه الإدارة المقبلة نحو إعادة توطيد العلاقات مع دول مثل المملكة المتحدة وإسرائيل ودول حلف الناتو، في وقت يشهد فيه العالم تغيرات جيوسياسية كبيرة.
يدعم روبيو تعزيز التحالفات الغربية لمواجهة النفوذ الروسي والصيني، وقد يدفع بسياسات تعزز التواجد الأمريكي في أوروبا الشرقية وتعميق التعاون الأمني مع الحلفاء التقليديين، ما يعكس موقفا أكثر قوة تجاه إيران.
ويعبّر اختيار ماركو روبيو لمنصب وزير الخارجية عن رغبة الإدارة المقبلة في إعادة بناء الثقة مع دول مثل السعودية والإمارات ومصر. وهذا قد يؤدي، نظريا، إلى دعم أكبر لهذه الدول في مواجهة التهديدات الأمنية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والتجارة.
من بين مميزات الاختيارات التي كشف عنها ترامب، يوجد إشراك شخصيات من القطاع الخاص في المناصب الحكومية، مثل ستيفن ويتكوف، المستثمر في مجال العقارات وصاحب العلاقات التجارية الواسعة.
يعكس اختيار ويتكوف كمبعوث للشرق الأوسط، توجها نحو سياسات تعتمد على الحلول الاقتصادية لتعزيز الاستقرار الإقليمي. وبتوظيف شخصيات من القطاع الخاص، تسعى الإدارة المقبلة للاستفادة من خبرات تتعلق بإنشاء استثمارات في المنطقة، والتي قد تساهم في تقوية الاقتصاد كوسيلة لتحقيق الاستقرار السياسي، خاصة في مناطق الصراع مثل العراق وسوريا.
في الخانة نفسها، نجد اسم الشهير إيلون ماسك المرشح لمنصب استشاري موجه لإجراء تدقيق للإدارة الفيدرالية، ما يمثل نهجا جديدا يرمي لتقليل البيروقراطية والحد من الهدر المالي في المؤسسات الحكومية.
ويشير المحللون إلى أن ماسك قد يساهم في تطبيق استراتيجيات حديثة تعتمد على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي لتطوير كفاءة العمل الحكومي. كما قد تدفع هذه الخطوة لتقليص عدد الوكالات وتبسيط اللوائح، مما سيثير جدلا واسعا بشأن التخفيضات المحتملة في الوظائف الحكومية.
بتعيين شخصيات من القطاع الخاص، تشير إدارة ترامب المقبلة إلى رغبتها في اعتماد النهج الاقتصادي كأداة لتحقيق الاستقرار والنمو. وقد تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز الاستثمارات الأمريكية في الدول التي تعاني من أزمات اقتصادية، مما يعني أن المساعدات قد ترتكز على الشروط التجارية والتنموية أكثر من الدعم المالي التقليدي.
لي زيلدين، عضو الكونغرس السابق، والمعروف بمواقفه المتحفظة فيما يتعلق بالسياسات البيئية التنظيمية، قد يُحدث تغييرات جذرية في وكالة حماية البيئة (EPA).
يشير هذا الترشيح إلى احتمال تقليل القوانين الصارمة على الصناعات الأمريكية، ما قد يزيد الإنتاج الصناعي ويخفض التكاليف التشغيلية للشركات، لكن هذا التوجه قد يثير القلق بين النشطاء البيئيين بشأن تأثيراته السلبية على البيئة وتغير المناخ.
وإذا تولى لي زيلدين إدارة وكالة حماية البيئة، فقد يؤدي ذلك إلى تخفيف الضغط على الدول العربية المنتجة للنفط والغاز فيما يتعلق بالالتزامات البيئية، مما قد يساعد هذه الدول على مواصلة أنشطتها في مجال الطاقة التقليدية دون قيود دولية صارمة.
بشكل عام، تعكس هذه التعيينات سياسة أمريكية جديدة قد تعزز من حضور الولايات المتحدة في المنطقة العربية، مستفيدة من الروابط الاقتصادية والتجارية، مع دعم استراتيجيات الأمن والتحالفات التقليدية، فيما تسعى لتحقيق أهدافها بشكل عملي وتجاري يتناسب مع أولويات الإدارة المقبلة.
وفي انتظار اتضاح الخيوط الناظمة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، فإن من المحتمل أن تدفع الإدارة المقبلة الدول العربية نحو متابعة مسار التطبيع مع إسرائيل ضمن رؤية أوسع لتعزيز التحالفات في مواجهة التحديات المشتركة في المنطقة، لكنه توجّه يعاكس اختيارات وتطلعات شعوب المنطقة، ما يعني بالضرورة تمكينا أكثر للأنظمة الاستبدادية، وتأجيلا جديدا لحلم الديمقراطية.