2024.. سنة التضامن مع القضايا المصيرية والاحتجاج ضد السياسات الحكومية
تميزت سنة 2024، التي بدأت تَعُد ساعاتها الأخيرة، بأحداث اجتماعية هامة، أخرجت آلاف المغاربة إلى شوارع مدن المملكة، احتجاجا على سياسات عمومية وتضامنا مع قضايا إنسانية، ودفاعا عن أخرى مصيرية، كان أبرزها القضية الفلسطينية وما يعانيه الشعب الفلسطيني من ويلات جراء الحرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أزيد من 15 شهرا، مرورا بالحرب الإسرائيلية على لبنان، إضافة إلى احتجاجات فئوية من قبيل ملف طلبة كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة، واحتجاجات مهنيي قطاع الصحة، وملفات المحامين، والمتصرفين، وغيرها.
فلسطين.. قضية مصيرية
عرفت القضية الفلسطينية وما يعانيه الفلسطينيون من جرائم على يد الاحتلال الإسرائيلي، خلال السنة الجارية تضامنا كبيرا من طرف الشعب المغربي، جسدته المسيرات والوقفات التضامنية التي جابت مختلف شوارع ومدن المملكة بشكل شبه يومي منذ بداية الحرب في أكتوبر 2023.
وبحّت حناجر فئات واسعة من الشعب المغربي بشعارات منددة باستمرار حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، وأخرى مستنكرة الصمت الدولي والخذلان العربي والإسلامي الذي يقف متفرجا على أكبر جريمة إنسانية يعرفها التاريخ الحديث.
وظل المغاربة منذ أزيد من سنة يرددون شعارات مساندة للمقاومة الفلسطينية الباسلة، ومنددة بالاغتيالات التي طالت عددا من قادة الصف الأول لأسرة المقاومة، وفي مقدمتهم الشهداء يحيى السنوار، وإسماعيل هنية، وحسن نصر الله، وغيرهم.
كما طالب المتضامنون طيلة هذه المسيرات والوقفات التضامنية بإنهاء علاقات التطبيع الديبلوماسية بين المغرب وإسرائيل وإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط.
تضامن المغاربة لم يقتصر فقط على الفلسطينيين، بل امتد إلى مساندة اللبنانيين الذين لم يسلموا هم أيضا من جرائم الاحتلال، الذي شن حربا مدمرة على مناطق واسعة من لبنان ردا على دعم وإسناد حزب الله للمقاومة الفلسطينية في غزة.
طلبة الطب.. سنة من الاحتقان
لم تكن سنة 2024 سنة عادية بالنسبة لطلبة كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة، الذين خاضوا أطول مسلسل احتجاجي طلابي في السنين الأخيرة، بعدما استبدلوا فصول الدراسة بالنزول إلى الشارع ومقاطعة الدروس والامتحانات لمدة فاقت 10 أشهر، احتجاجا على عدد من القرارات التي جاء بها وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار السابق عبد اللطيف ميراوي، كان أبرزها تقليص سنوات التكوين من سبع إلى ست سنوات.
إصرار ميراوي على تنزيل جملة من القرارات ورفض الطلبة لذلك، أوقف الدراسة بكليات الطب لموسم جامعي كامل، بدت معه الحكومة الحالية عاجزة تماما عن إيجاد حل لأزمة طلابية تكاد تكون غير مسبوقة في تاريخ المغرب.
فشل عبد اللطيف ميراوي في نزع فتيل الأزمة بين الطلبة والوزارة، أدى ثمنه غاليا بعدما عصف به أول تعديل حكومي عرفته الحكومة الحالية، قبل أن يعوضه عزالدين ميداوي الذي نجح في إنهاء هذا الاحتقان، أياما قليلة بعد تعيينه وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، باتفاق وقع بين ممثلي الطلبة والوزارة عبر وساطة قادها وسيط المملكة محمد بنعليلو شهر نونبر الماضي.
مهنيو الصحة.. ملف لم يجد طريقه إلى الحل
خاض مهنيو قطاع الصحة خلال سنة 2024، مسلسل احتجاجات وإضرابات متواصلة طلبا للاستجابة إلى ملف مطلبي رفعوه إلى وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، في عهد الوزير السابق خالد آيت الطالب.
وبفعل تواصل الاحتجاجات والإضرابات في القطاع، توصل مهنيو الصحة إلى اتفاق شهر دجنبر 2023، مع خالد آيت الطالب، غير أن عدم تنزيل هذا الاتفاق الذي ظل ينتظر توقيع رئيس الحكومة عزيز أخنوش، أخرج من جديد شغيلة القطاع إلى الاحتجاج والتظاهر ضد ما أسمته بـ “تنصل الحكومة وعدم الالتزام بتنزيل الاتفاق”.
وبعد أشهر من الاحتقان، استطاع الطرفان (التنسيق النقابي لقطاع الصحة والوزارة الوصية) التوصل إلى توقيع اتفاق آخر شهر يوليوز 2024، قبل أن يعصف التعديل الحكومي الذي أجري شهر أكتوبر الماضي بخالد آيت الطالب من على رأس الوزارة وتعويضه بأمين التهراوي.
ولم يغير مجيء التهراوي شيئا في الاحتقان الذي يعرفه هذا القطاع الحيوي، إذ سرعان ما عادت شغيلة القطاع إلى الإضرابات والاحتجاجات من جديد بسبب اتهامها مرة أخرى للحكومة “بعدم الوفاء بالتزاماتها” في الاتفاق الموقع في 23 يوليوز 2024.
ولا زال التنسيق النقابي للقطاع يطالب إلى حدود اللحظة بضرورة الحفاظ على صفة موظف عمومي كامل الحقوق، كما وردت في الاتفاق، ومناصب مالية مركزية والأجور من الميزانية العامة، ضمن فصل نفقات الموظفين.
المحامون “يرافعون” ضد وهبي
عاش قطاع العدالة هذه السنة، هو الآخر، مسلسلا لشد الحبل بين المحامين ووزير العدل عبد اللطيف وهبي، بسبب المقتضيات التي تضمنها كل من مشروع قانون المسطرة المدنية، ومشروع قانون المسطرة الجنائية، والتي اعتبرها المحامون “ردة تشريعية وخرقا للمقتضيات الدستورية”، إضافة إلى مضامين القانون المنظم للمهنة.
وعلى إثر ذلك، قررت جمعية هيئات المحامين بالمغرب في أكتوبر الماضي، إعلان المقاطعة الشاملة للجلسات المدنية والجنائية والتجارية والإدارية والإجراءات بجميع أنواعها والصناديق، ابتداء من 1 نونبر 2024 بشكل مفتوح إلى غاية تحقيق المطالب.
وقبل ذلك، قاطع أصحاب “البذلة السوداء”، جلسات الجنايات وصناديق المحاكم، احتجاجاً على ما وصفوه بالردة الحقوقية والدستورية و”الوضع غير الطبيعي” لمهنة المحاماة في المغرب، معبرين عن عزمهم التصعيد في حال عدم تجاوب وزارة العدل مع مطالبهم.
وبعد أيام من المقاطعة فتح وزير العدل عبد اللطيف وهبي قنوات الحوار مع جمعية هيئات المحامين توجت باتفاق على عدة نقاط، أعادت المحامين إلى مباشرة مرافعاتهم من داخل جلسات المحاكم، بعدما ربحوا رهان “المرافعة ضد وهبي”.
المتصرفون.. سنة من الاحتجاج
لم يكن المتصرفون استثناء خلال السنة التي سنودعها، إذ خاضوا إضرابات ونظموا وقفات ومسيرات احتجاجية طيلة سنة 2024، احتجاجا على “عدم مراجعة النظام الأساسي الخاص بهيئة المتصرفين المشتركة بين الوزرات من خلال إعمال المساواة في الأجور على غرار فئات أخرى”، فضلا عن “الزيادة في قيمة التعويضات ثم مراجعة نظام الترقي وإحداث درجتين جديدتين”.
وخاضت هذه الفئة من الموظفين، مسلسلا نضاليا طويلا ردا على ما تعتبره “صمتا مستمرا” من الحكومة تجاه مطالبها.
واعتبر المتصرفون في عدد من البيانات أن “سياسة الإقصاء والحكرة التي تنهجها الحكومة تجاه هيئة المتصرفين بناء على طبيعة بنيتها الأفقية المشتتة بين الوزارات، بحيث لا يمكنها توقيف مرفق بعينه، تمييع لمشهد الإدارة العمومية ودفع بخيرة أطر البلاد إلى البحث عن حلول خارج أرض الوطن”.
وبالرغم من ذلك، لا يزال الملف المطلبي لهذه الفئة لم ينل حظه من التجاوب الحكومي، وهو ما يترك باب الاحتجاج مفتوحا على المزيد من الاحتقان.
وفضلا عن ذلك، عرفت العديد من القطاعات الاجتماعية الأخرى خلال سنة 2024، موجة احتجاجات منددة بغلاء الأسعار وانهيار القدرة الشرائية للمواطنين وما يشهده الواقع الاجتماعي من تردي “نتيجة للسياسات الاجتماعية والتنموية الخاطئة التي تنهجها الحكومة الحالية”.
وظل المحتجون طيلة هذه السنة يطالبون الحكومة ومؤسسات الدولة الوطنية والدستورية وجميع القوى الحية في البلاد باتخاذ إجراءات استباقية بالنظر لما آلت إليه الأوضاع ببلادنا “من تزايد منسوب الاحتقان الاجتماعي وانعدام الثقة في المؤسسات وفي قدرتها على الوفاء بعهودها والتزاماتها وتراجع الاهتمام بالشؤون السياسية في البلاد”.