story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

18 نونبر.. عيد عرش محمد الخامس الذي أصبح عيدا لاستقلال المغرب

ص ص

يعتبر يوم 18 نونبر رسميا بمثابة عيد لاستقلال المغرب، تخليدا لذلك اليوم من سنة 1955، الذي ألقى فيه السلطان الراحل، محمد الخامس، خطابه الأول بعد عودته من المنفى، وبشّر فيه بقرب الحصول على الاستقلال.
وتلتقي جل الروايات التاريخية في حقيقة مفادها أن تاريخ عيد الاستقلال انتقل بعد وفاة محمد الخامس، من 2 مارس إلى 18 نونبر، وذلك بسبب التقارب بين 2 مارس وعيد العرش الخاص بالملك الجديد، أي الحسن الثاني، وهو 3 مارس.
ويصادف تاريخ 18 نونبر ذكرى عيد العرش في عهد محمد الخامس، وحدث أن صادفت ذكراه في سنة 1955، عودته من المنفى قبل يومين (عاد يوم 16 نونبر).
وتتحدث المراجع الرسمية في هذا السياق عن “الأعياد الثلاثة”، والتي تتمثل في كل من “يوم العودة”، أي عودة محمد الخامس من منفاه بعد توقف مؤقت في فرنسا، أي يوم 16 نونبر 1955، واليوم الموالي الذي يسمى “عيد الانبعاث”، ثم اليوم الثالث الذي يصادف عيد العرش حينها.
ويعني “عيد الانبعاث” الذي يصادف 17 نونبر، اليوم الذي أعقب عودة محمد الخامس، وتميّز باستقباله الوفود الممثلة للقبائل والجهات والأعيان في المشور السعيد بالقصر الملكي بالرباط، وهي المراسيم التي أشرت لاستعادة المغرب لسيادته ولذلك سمّي بعيد الانبعاث.
في خطابه الشهير الذي ألقاه يوم 18 نونبر 1955، قال السلطان الراحل محمد الخامس: “الآن وقد تجلت أهدافنا، يجب عليكم أن تتمسكوا بحبل الإخاء وتتجنبوا ما يؤدي إلى التفرقة والبغضاء، إذ لا نجاح يرجى إلا بصفاء القلوب، وتوحيد الصفوف، حتى نكون كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضا”.
كان هذا الخطاب كان متميزا واستثنائيا لأنه، حسب المؤرخين، لم يكتف بإعلان استعادة السيادة، بل كان مليئا بعبارات التأكيد على إقامة نظام فصل السلط والملكية الدستورية والديمقراطية، وهو ما ظلّ يميّز خطب محمد الخامس في السنوات الأولى للاستقلال.

أصل الفكرة
يعود تقليد الاحتفال بيوم جلوس الملك على العرش في حقيقة الأمر، إلى السنوات الأولى من الثلاثينيات، حين كانت خلايا المقاومة الوطنية الأولى تفكّر في إبداع طرق ووسائل ناعمة ورمزية لبعث الشعور الوطني في المغاربة، وخلق أسباب تكتّلهم وتوحّدهم في مواجهة المحتل.
ويعود أول احتفال للمغاربة بعيد العرش إلى العام 1933، حين صدرت الفكرة أول مرة عبر صحيفة اسمها “عمل الشعب”، وكان يصدرها محمد بن الحسن الوزاني، عبر نشرها مقالا غير مسبوق في أكتوبر من تلك السنة، مرفوقا بصورة السلطان محمد الخامس، يدعو إلى الاستعداد للاحتفال بيوم 18 نونبر، الذي يصادف الذكرى السادسة لجلوسه على العرش.
تشير المصادر التاريخية إلى وقوف شخص مغمور ينحدر من أصول جزائرية، وراء هذه الفكرة، و”اختبائه” وراء اسم “حصار” تفاديا لبطش سلطات الحماية.
وفي عمود رأي نشر في مجلة “المغرب”، وحمل توقيع شخصية سلاويية شهيرة هي محمد حصار، تمت مطالبة سلطات الحماية بعدم عرقلة هذه الفكرة والمساعدة على تنزيلها.
كتابات أعقبها صدور مقالات تتحدّث لأول مرة عن ذكرى اسمها “عيد العرش”، وعن ضرورة تشكيل لجان محلية للتحضير للاحتفال بهذه المناسبة، وكان أن خرجت المبادرة إلى الوجود، وأقيمت احتفالات صغيرة في كل من مدينتي سلا والرباط.
تحرّك راقبته سلطات الحماية الرنسية بريبة كبيرة، وامتنعت عن الاستجابة له بدعوى أن السلطان غير موجود في العاصمة، وبالتالي كان اول احتفال بعيد العرش في المغرب شعبيا خالصا.
يقول المستشار الملكي الراحب عبد الهادي بوطالب في كتاب مذكراته: “كان اليوم 18 نونبر من سنة 1933، وكان المكان الحديقة العمومية الكبرى المعروفة باسم جنان السبيل، على مقربة من باب أبي الجنود بفاس، لم يقِنا استظلالنا بأشجار الحديقة من الابتلال من رشاش المطر المتهاطل، ولم أكن أعي في سن صباي وأنا أحضر هذا الاجتماع أنه كان المهرجان الوطني الشعبي الأول الذي تعقده الحركة الوطنية المغربية بالمدينة، للاحتفال بالذكرى السادسة لعيد جلوس السلطان محمد بن يوسف على العرش”.
وأمام تمسّك أصحاب المبادرة بفكرتهم، وتحضيرهم جديا لتطبيقها مجددا، ارتأت سلطات الحماية في السنة الموالية الانحناء لعاصفتها ومحاولة احتوائها، فصدر قرار وزاري للصدر الأعظم محمد المقري، يوم 31 أكتوبر 1934م، وصادق عليه المقيم العام الفرنسي “هنري بونسوت”.
اعتبر القرار يوم 18 نونبر من كل سنة عيدا وطنيا، وجعله يوم عطلة تنظم فيه الحفلات الموسيقية٬ وتتزين فيه المدن، ويسمح خلاله بتوزيع الألبسة والأطعمة على المحتاجين. وكان الشرط الوحيد لسلطات الحماية في ذلك القرار، هو عدم إلقاء الخطب الملكية.
التفّ الوطنيون حول السلطان باعتباره رمزا وطنيا مشتركا، يعترف به عقد الحماية، حتى لا يدخلوا في اصطدام مباشر مع السلطات الفرنسية، عكس الدوافع الثقافية والدينية واللغوية التي كان يمكنها أن تثير غضب المحتلين.
وكانت مصر، قبلة الوطنيين العرب حينها، مصدرا لهذا الإلهام، من خلال شروع حزب الوفد في الاحتفال بعيد “الجلوس” قبل عشر سنوات من عيد العرش المغربي، وكلها أعياد لتحقيق هدف الاحتفاء بالوطن وتغذية الشعور بالانتماء إليه.

طقوس احتفالية
“كنت أسعى في مهمتي الصحفية والوطنية أن أحضر اجتماعين مهمين كل عيد العرش يوم 18 نونبر. الاجتماع الأول هو ساعة تقديم المقيم العام لتهاني الدولة الفرنسية وتهانيه وإدارته لجلالة السلطان بعيد العرش، والاجتماع الثاني هو التجمع المحدود الذي يحضره داخل إحدى قاعات القصر نحو مائتين من المدعوين، وقد كنت منهم”، يقول قيدوم الصحافة الاستقلالية، الراحل عبد الكريم غلاب، في كتاب مذكراته.
كان يحضصر هذا الاحتفال، حسب غلاب، بعض كبار الموظفين، مغاربة وفرنسيون، إلى جانب الصحفيين وبعض المهتمين. “كان السلطان يجلس على العرش ويأخذ بأبهة الملك، ويدخل المقيم في ملابس رسمية، ومعه كبار المسؤولين الفرنسيين في الإقامة ورؤساء الإدارات. يقدم المقيم العام تهانيه وتهاني الدولة في عبارات ودية مختارة، حتى لتشعر بأنه أمام سلطان دولة مستقلة، ويترجم “محمد المعمري” ويجيب السلطان باللغة العربية وبكلمات شكر لبقة مترفعة. ثم ينتقل الحديث بين السلطان والمقيم العام إلى القضايا العامة، دون تحديد ولا تدقيق. وقد يتناول مرة موضوع الموسم الفلاحي. وتبقى لباقة المجاملة مسيطرة على الحديث”.
حرص الراحل عبد الكريم غلاب في مذكراته، على الإشارة إلى بعض “المطالب” التي كان يعبّر عنها السلطان بمناسبة ذكرى جوسه على العرش، حيث كان “يعبّر بكلمات دقيقة عن تطوير المغرب ليعلو إلى درجة الدول الراقية. ويجيب المقيم العام بكلمات مبهمة، ولكنها واضحة، فإن الحماية تقوم بواجبها الذي تفرضه مسؤوليتها لترتفع بمكانة المغرب. كل من السلطان والمقيم العام يفهم الآخر، وكل منهما يقول ما يريد أن يقول وتبقى مجاملة الحديث تسيطر على الموقف كما تقتضيها المناسبة”.

2 مارس 1956.. الاستقلال الرسمي
بعد عودة محمد الخامس من المنفى يوم 16 نونبر 1955، وإلقائه الخطاب الأول يوم 18 نونبر، لن يتم التوقيع رسميا على إلغاء معاهدة الحماية إلا يوم 2 مارس 1956،
شهد يومها مقر وزارة الخارجية الفرنسية توقيع إعلان مشترك ينهي قانونيا مفعول معاهدة 30 مارس 1912، والتي فرضت بموجبها فرنسا حمايتها على المغرب.
فقرات مقتضبة يحفّها بروتوكول بسيط واهتمام إعلامي متوسط، ليتم الإعلان رسميا عن “استقلال” المغرب عن فرنسا.
لكن ذلك اليوم لم يعد يمثل عند المغاربة سوى اسم شارع في مدينة الدار البيضائ، يستعمل لإرشاد سائقي سيارات الأجرة نحو بعض الوجهات.
يومها جلس امبارك البكاي، رئيس أول حكومة سمحت فرنسا بتشكيلها في المغرب، ووزير الخارجية الفرنسية كريستيان بينو، ووقعا على وثيقة من بضع فقرات، ترسّم ما سبق الاتفاق عليه في مفاوضات “إكس ليبان” وإعلان “سان كلو”، وملحق يرتب بعض الخطوات التي ينبغي القيام بها.
توّجت تلك الجلسة نحو ثلاث سنوات من المخاض العسير الذي مر منه المغرب منذ نفي ملكه محمد الخامس، وما تلا ذلك من أحداث سياسية جعلت استعادة المغرب لملكه الشرعي رديفا لحصوله على الاستقلال، حيث كان البكاي، المقرب من القصر، يوقع تحت النظرة الفاحصة لرجل البلاط ومدير التشريفات السلطانية الفقيه السيد محمد المعمري الزواوي، فيما يجلس الوزراء المنحدرون من الحركة الوطنية في الصف الخلفي، في مشهد سيحكم السلطة في المغرب منذ ذلك الحين.

بنود الاتفاق
تستهلا الاتفاقية بالتأكيد على أن الأمر يتعلق بتفاهم بين حكومة فرنسا و”حكومة جلالة الملك”، يقضي بإعطاء مفعول قانوني لاتفاقية “سان كلو” التي تم توقيعها يوم 6 نونبر 1955.
وتضيف الوثيقة، كما لو كان الأمر يتعلّق بمجرد تحيين لمعاهدة 1912، بكون هذه الأخيرة لم تعد “مطابقة لمقتضيات الحياة العصرية، ولا يمكن أن تكون أساسا لأن تتحكم في العلاقات الفرنسية المغربية”.
في الفقرة الموالية، تعلن الحكومة الفرنسية اعترافها الرسمي باستقلال المغرب، “مع ما يقتضيه من وجود جيش وتمثيل خارجي” وعزمها على العمل على احترام وحدة الأراضي المغربية “المضمونة بالاتفاقات الدولية”. عبارات فضفاضة سيتبين في وقت لاحق أنها لم تضمن للمغرب حقوقه الترابية الكاملة.
ويتضمن البروتوكول الملحق بالوثيقة الأساسية، ما يشبه تمديد العمل بالوضع القائم حينها، حيث يحفظ لفرنسا استمرار وجودها العسكري في المغرب، وحقها في الاطلاع على الظهائر التي سيصدرها ملك المغرب، وإبداء الملاحظات عليها سبقا في حال مساسها بالمصالح الفرنسية، ويفرض الإشراف الفرنسي على تشكيل جيش مغربي، وعدم تسليم “ميادين التسيير” التي توجد بيد الفرنسيين إلا بعد التوصل الى اتفاقات، واستمرار عمل المغرب بعملة الفرنك، وجعل ممثل فرنسا لدى المغرب يحمل صفة “مندوب فرنسا السامي”، عوض لقب السفير المعمول به بين جميع دول العالم.