story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
أمن وعدالة |

16 ماي.. جرح في الذاكرة وبداية تحول في الاستراتيجية الأمنية المغربية

ص ص

في 16 مايو 2003، شهد المغرب سلسلة من الهجمات الإرهابية التي استهدفت عدة مواقع حيوية في الدار البيضاء ومدن أخرى، حيث نفذ عدد من الانتحاريين تفجيرات استهدفت مقاهي وأسواقًا مكتظة، مما أسفر عن مقتل العديد من المدنين وإصابة المئات بجروح.

وفي السياق، أكد الخبير الأمني ورئيس المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية، محمد الطيار، أن “أحداث الضربة الإرهابية التي شهدها المغرب سنة 2003 شكلت رجة أمنية بالغة الخطورة، دفعت الدولة إلى إعادة النظر في استراتيجيتها الأمنية وتطوير آليات التنسيق بين مختلف الأجهزة المختصة”.

وأوضح الطيار، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، أن هذه الأحداث كانت “دافعًا لمراجعة شاملة للسياسة الوطنية في مواجهة ظواهر التطرف والتحديات الأمنية الأخرى”، مبرزا أنه “تم اعتماد استراتيجية وطنية شاملة لمحاربة التطرف ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية”.

وأشار الخبير إلى أن المحور الأول تمثل في إدخال تغييرات جوهرية على مستوى الإطار القانوني، من خلال إصدار قانون مكافحة الإرهاب رقم 03-03، إضافة إلى ملاءمة التشريعات المغربية مع المعايير والقوانين الدولية ذات الصلة بمكافحة الإرهاب.

وأضاف أن المحور الثاني تركز على إطلاق الدولة لمشاريع وبرامج تنموية كبرى تستهدف محاربة الفقر والهشاشة، ضمن مقاربة تنموية واجتماعية تهدف إلى معالجة الجذور الاقتصادية والاجتماعية للتطرف.

وبخصوص المحور الثالث، أبرز الطيار التركيز الكبير على “إصلاح الحقل الديني، عبر تنظيمه وهيكلته وفق منهج وسطي معتدل، إلى جانب إدخال إصلاحات جوهرية في المنظومة التربوية والتعليمية، فضلاً عن إصلاحات مؤسساتية وأمنية عميقة”.

وأكد الطيار أن “سنوات تطبيق هذه الاستراتيجية أسفرت عن نتائج إيجابية، إذ أصبحت المقاربة الأمنية التي يقودها الملك محمد السادس نموذجًا ناجحًا على المستويين الداخلي والدولي، حيث بات المغرب مركزًا محوريًا في الدبلوماسية الأمنية وقاعدة صلبة لمواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة”.

وأبرز “الدور المحوري الذي يضطلع به المغرب كفاعل أساسي في التصدي للمخاطر التي تهدد الأمن القومي، سواء القادمة من منطقة الساحل الإفريقي أو التهديدات التي قد تؤثر على استقرار الجوار الأوروبي والمناطق المحيطة”.

وشدد الخبير الأمني، على أن “التحديات الإرهابية لا تزال تشكل تهديدًا قويًا، نظرًا للارتباط الوثيق بين المغرب ومنطقة الساحل التي تشهد توسعًا مستمرًا في نشاط العمليات الإرهابية”.

وأوضح الطيار أن هذه العمليات تشمل تنظيم “نصرة الإسلام والمسلمين” التابع للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، بالإضافة إلى تنظيم داعش ولاية الساحل، المعروف أيضًا بتنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى.

وأشار إلى أن “نشاط هذه التنظيمات الإرهابية توسع بشكل كبير، متجهًا نحو السواحل المطلة على المحيط الأطلسي، ما يرفع من منسوب التهديدات التي تواجه الأمن القومي المغربي”.

وأبرز المتحدث أن “الخلايا الإرهابية التي تُضبط بين الفينة والأخرى غالبًا ما تكون على اتصال وتنسيق مع أطر قيادية لتنظيم داعش في منطقة الساحل الإفريقي، مما يعكس خطورة العلاقة التنظيمية بين الجماعات الإرهابية”.

وأضاف الطيار أن “هناك تاريخًا من التنسيق بين هذه الخلايا وتنظيم القاعدة، لا سيما قبل عام 2014، حيث كانت الخلايا المفككة مرتبطة بالتنظيم في مناطق الجزائر والمشرق وأوروبا”.

من جانبه، قال أحمد البوكيلي، رئيس شعبة الدراسات الإسلامية وباحث في الفكر الإسلامي وحوار الحضارات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن “ذكرى أحداث 16 ماي الإرهابية تُعيد إلى الذاكرة الوطنية جرحًا عميقًا في الجسد المغربي، جرحًا كشف عن وجود عقلية متطرفة دخيلة لا تمت بأي صلة إلى التربة المغربية ولا إلى روحها المتشبعة بقيم الاعتدال والتسامح”.

وأبرز أن هذه الذكرى، رغم ألمها، “تُعد محطة سنوية نستحضر من خلالها كيف تمكن المغرب، بفضل وعيه الجماعي ويقظة مؤسساته، من تحصين نفسه ضد هذا الوباء الفكري الذي يتنافى مع جوهر الإسلام ورسالة السلام التي يحملها”.

وأكد البوكيلي، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، أن المغرب استطاع، بعد مرور سنوات على تلك الفاجعة، أن يحقق إنجازات كبيرة في مجال الأمن الاستباقي وتفكيك الخلايا الإرهابية، حتى بات يُقدّم كنموذج دولي يُحتذى به.

وأضاف أن المملكة، بتوجيهات ملكية، “تبنّت مقاربة شمولية في مواجهة آفة الإرهاب، اعتمدت على إصلاح الحقل الديني وهيكلته، وعلى معالجة الأسباب الاجتماعية والثقافية التي تُغذّي التطرف”.

وأشار إلى أن “المغرب ظل، محصنًا بإمارة المؤمنين، وبأجهزته الأمنية، وبالإجماع الوطني، في مواجهة كل محاولات الاختراق التي تسعى إليها جهات معادية أو تنظيمات متطرفة تنشط في بعض بؤر التوتر داخل القارة الإفريقية”.