15 عاما على أحداث “اكديم إزيك”.. هل تغلق التسوية الأممية جرح الصحراء المفتوح؟
في ظل الانتصار الكبير الذي حققه المغرب في ملف الوحدة الترابية، بعد القرار الأممي الأخير الذي دعّم مبادرة الحكم الذاتي بالصحراء تحت السيادة المغربية، تبرز من جديد، بحسب مراقبين، الحاجة إلى استحضار البعد الإنساني والحقوقي للنزاع، بما فيه الملفات التي أُدرجت في خانة “المسكوت عنه”..
ومن بين هذه الملفات يبرز ملف معتقلي “أكديم إزيك”، أحد أكثر القضايا تعقيدًا وحساسية في تاريخ هذا النزاع، والتي تمر يوم السبت 8 نونبر 2025، 15 عاماً على اندلاع أحداثها المأساوية.
في ضوء المستجدات السياسية الأخيرة، نعيد استحضار شهداء الواجب الوطني الذين قضوا في هذا الحدث الأليم، وتسليط الضوء على مصير معتقليه، الذين تجمع روايات حقوقية على “غياب أدلة قاطعة” تثبت تورطهم بعضهم، في جرائم القتل والتنكيل خلال تلك الأحداث، واستطلاع مدى إمكانية أن يشكّل السياق الجديد الذي تعرفه القضية الوطنية، مدخلا لحلحلة هذا الملف، سعيا نحو تسوية شاملة، خاصة بعد الخطاب الملكي الذي أعقب القرار الأممي يوم الجمعة 31 أكتوبر 2025.
أفق تسوية
في هذا الصدد، يرى الأستاذ الجامعي والحقوقي خالد البكاري أن ملف “أكديم إزيك” سيكون من الملفات التي لا شك في حضورها عند استئناف المفاوضات بين المغرب وجبهة “البوليساريو” الانفصالية، ضمن إجراءات بناء الثقة.
ويقول في حديث مع صحيفة “صوت المغرب” إن هذا الأمر “يتطلب تدبيراً إنسانياً وحقوقياً وسياسياً لهذا الملف، بحيث يكون عامل تيسير في إطار أفق التسوية الإيجابية لكل ما يمكن أن يعرقل سير المفاوضات ويعيدها إلى نقطة الصفر”.
ويضيف البكاري أن محاكمة المجموعة، جرت في سياق متوتر، “انعدمت فيه شروط الملاحظة المحايدة، ودخلت فيه عوامل البروباغندا وتهييج العواطف الوطنية”، وهو ما عقد إمكانيات الحل سابقاً، بحسب تعبيره.
فبينما “نجحت الرواية الرسمية في إقناع أغلب المواطنين المغاربة بتورط المجموعة في قتل عناصر من القوات العمومية”، يوضح أن “الخطاب المقابل في المتخيل الجمعي للصحراويين، بمن فيهم جزء من الوحدويين، يرى في هؤلاء المعتقلين ضحايا لانتهاك حقوقي، بل وأبطالاً يحوزون شرعية نضالية”.
ويتابع البكاري موضحًا أن الرواية الرسمية، رغم تحولها إلى حقيقة قضائية بعد صدور الأحكام بالإدانة، “لم تُقنع أغلب الصحراويين بصحتها، ولا جزءًا مهمًا من الرأي العام الحقوقي الدولي”، بما في ذلك جهات صديقة للمغرب، مثل تقارير الخارجية الأمريكية ولجنة برلمانية فرنسية دافعت عن بعض أفراد المجموعة، وعلى رأسهم النعمة أصفاري.
وكانت محكمة الاستئناف في سلا قد أصدرت عام 2017 أحكاماً تراوحت بين السجن المؤبد وعقوبات تجاوزت العشرين سنة في حق نحو 23 شخصاً، في أعقاب أحداث “اكديم إزيك” سنة 2010، بعد اتهامهم بقتل 11 عنصراً من قوات الأمن. وأكدت محكمة النقض في الرباط هذه الأحكام عام 2020.
وحُوكم المعتقلون ابتدائيًا أمام المحكمة العسكرية بالرباط سنة 2013، قبل أن تُحال القضية في مرحلة الاستئناف على القضاء المدني، بعد انتقادات من منظمات حقوقية وأقرباء المتهمين، وبعد دخول إصلاح قانون القضاء العسكري المغربي حيز التنفيذ.
الحاجة لمبادرة استباقية
وفي تقييمه للحل الممكن بعد أكثر من عقد على الأحداث، يرى البكاري أن الوقت قد حان لطي هذا الملف بعفو ملكي، معتبراً أن “ذلك سيكون إشارة إيجابية من الدولة المغربية، ليس تجاه جبهة البوليساريو فقط، بل تجاه الصحراويين جميعًا، أياً كانت مواقفهم”.
وقال البكاري إن العفو عن معتقلي “اكديم إزيك” سيكون “بادرة حقوقية مهمة بأفق سياسي وإنساني كذلك”، مضيفًا أن السوابق موجودة، بحيث أن العفو الملكي شمل في مراحل سابقة حتى مدانين في قضايا الإرهاب، كما تمت في حالات مشابهة عبر العالم معالجة ملفات عالقة في إطار مبادرات لبناء الثقة ومسارات تسوية سياسية، منها ما كان مرتبطاً بالسيادة أيضًا.
ودعا البكاري إلى مبادرة مغربية استباقية، قائلاً: “من الأفضل حل هذا الملف في أقرب وقت، حتى يكتسب الإفراج دلالاته في إطار حقوقي وإنساني مغربي خالص، بدل أن يتم في سياق ضغوط مرتبطة بالمفاوضات”.
كما دعا إلى توسيع أي خطوة في هذا الاتجاه لتشمل ملفات أخرى مثل معتقلي حراك الريف، وشباب “جيل Z”، والنقيب محمد زيان، والمدونة سعيدة العلمي، وكل معتقلي الرأي والاحتجاجات، مؤكداً أن “السياق الوطني بات ناضجًا لمصالحة حقوقية شاملة تُجسد مبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات”.
“أكديم إزيك”.. بداية القصة
وتعود وقائع القضية إلى أكتوبر 2010 حين اعتصم حوالي 15 ألف صحراوي للاحتجاج على أوضاع معيشتهم في مخيم “اكديم إيزيك” قرب مدينة العيون.
ونصب هؤلاء المحتجون، يوم 9 أكتوبر 2010، خياماً خارج المدار الحضري للمطالبة بتحسين الخدمات الاجتماعية الأساسية، مثل التشغيل والسكن، قبل أن تُرفع سقف المطالب لتشمل بناء طريق سيار يربط العيون بأكادير، وإنشاء جامعة، وتوظيف جميع الشباب بدون استثناء.
وقد أقيم المخيم الاحتجاجي على بعد 15 كيلومتراً في اتجاه طريق السمارة، وسرعان ما توسع بشكل كبير، إذ انتقل من 30 خيمة يوم 10 أكتوبر إلى 300 خيمة في أقل من 24 ساعة، بحسب تقرير لجنة تقصي الحقائق البرلمانية.
وبين محاولات فك المخيم ومساعي الحوار مع هيئات المجتمع المدني الممثلة داخله، ارتفع عدد الخيام بعد يومين فقط إلى 800 خيمة، ليتجاوز في 8 نونبر 2010 أكثر من 6 آلاف خيمة، استوعبت نحو 20 ألف شخص.
في تلك المرحلة، كان التصور العام أن الحدث احتجاج اجتماعي على الأوضاع المعيشية في الأقاليم الجنوبية. وقد أكدت تنسيقية المخيم، المكونة من تسعة أشخاص، تشبثها بانتمائها إلى المغرب، مشددة على أن مطالبها ذات طابع اجتماعي محض لا علاقة لها بالانفصال.
وأوضح أعضاء التنسيقية خلال لقائهم، يوم 21 أكتوبر 2010، لجنة تضم ثلاثة ولاة مركزيين أوفدتهم وزارة الداخلية إلى العيون لتقييم الوضع وتقديم الحلول، أنهم يحملون مؤاخذات على أداء المجالس المنتخبة.
وفي اليوم نفسه، تم الاتفاق على توزيع بطائق الإنعاش، وتوفير بعض مناصب الشغل، ومعالجة إشكالية السكن عبر إحصاء دقيق، على أن تنجز التنسيقية عملية الإحصاء خلال 48 ساعة.
غير أن التنسيقية عبرت لاحقًا عن تضايقها من قرار السلطات بالشروع في توزيع المنافع دون اتفاق نهائي، ورفعت سقف مطالبها لتشمل جامعة وطريقًا سيارًا وتوظيف جميع الشباب. حينها رأت لجنة الإدارة الترابية “عدم جدوى استمرار التفاوض”، معتبرة أن “مجموعة من الانفصاليين باتت تسيطر على المخيم”.
وفي 8 نونبر 2010، وبعد أسابيع من المفاوضات الفاشلة، تدخلت قوات الأمن لتفكيك المخيم، ما أعقبه أحداث شغب وعنف امتدت إلى وسط مدينة العيون، وأسفرت عن مقتل 11 عنصرًا من قوات الأمن ومدني واحد، إضافة إلى مئات الجرحى وتخريب ممتلكات عمومية وخاصة.
وشهدت الأحداث حملة اعتقالات واسعة، أصدرت على إثرها المحكمة العسكرية بالرباط أحكامًا تراوحت بين السجن المؤبد وعقوبات تجاوزت العشرين سنة في حق حوالي 23 متهمًا، في محاكمة انطلقت في فاتح فبراير 2013، بعد أن قضى المتهمون أكثر من عامين رهن الاعتقال الاحتياطي.
وأثناء محاكمتهم سنة 2017، قالت النيابة العامة إن المتهمين في قضية “اكديم ايزيك” كانوا على تواصل مباشر مع قياديي جبهة “البوليساريو” الانفصالية، “وكانوا يستمدون تعليماتهم منهم، وقد ثبت سفرهم إلى الجزائر قبيل إنشاء المخيم، وتم حجز مبالغ مالية من العملة الصعبة بحوزتهم”.
وقال ممثل النيابة العامة، خلال مرافعته بملحقة محكمة الاستئناف بسلا، يوم 12 يونيو 2017، إن “المتهمين ارتكبوا جناية تكوين عصابة إجرامية، إضافة إلى العنف في حق رجال القوة العمومية أثناء ممارسة مهامهم المفضي إلى الموت بنية إحداثه مع التمثيل بالجثث”.
وأضاف أن الأمر مرتبط بمشروع إجرامي مدروس، كان الهدف منه خلق الفتنة والرعب وزعزعة الاستقرار والهدوء، مع الإخلال بالنظام العام بمدينة العيون ونواحيها.
وشدد ممثل النيابة العامة حينها، على أن المتهمين تم تزويدهم بمختلف الأسلحة والوسائل اللوجستيكية، من قبيل سيارات رباعية الدفع وأجهزة للتخاطب، إضافة إلى الاتفاق على احتجاز مواطنين، مشيرا إلى أن رئيس المخيم، أصفاري النعمة، “سبق أن حاول مرتين إقامة مخيمات بمناطق مختلفة قبل التمكن من إنشاء مخيم اكديم ايزيك في العاشر من أكتوبر 2010”.
هل تطوي التسوية القضية؟
في هذا الإطار، يعتبر الرئيس السابق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أحمد الهايج، أن هذه المحاكمة “لم تتوفر فيها شروط المحاكمة العادلة”، مشيرًا إلى أن المتهمين “حُوكموا بسبب آرائهم ومواقفهم السياسية أكثر مما حوكموا على أفعال منسوبة إليهم قضائيًا”.
ويشدد الهايج، في حديث مع صجيفة “صوت المغرب”، على أنهم “معتقلون سياسيون”، مبرزاً أنه “لم يثبت بشكل قاطع تورطهم في قتل أفراد من القوات العمومية”.
وقال: “بناء على ذلك، كنا ولا نزال نطالب بإطلاق سراحهم، ما دامت محاكمتهم لم تكن عادلة، وما دامت الشكوك قائمة حول الأدلة التي أُدينوا بناءً عليها”.
وعن سياق قرار مجلس الأمن الدولي في 31 أكتوبر الماضي، يعتبر أحمد الهايج أن أي مبادرة تذهب في اتجاه حل عادل ومنصف لنزاع الصحراء ستكون لها انعكاسات إيجابية على جميع الملفات، ومن بينها ملف معتقلي “اكديم إزيك”.
وأكد أن أي تطور يذهب في اتجاه خلق وضع جديد سيشكل متنفسًا للمغاربة وللمنطقة بشكل عام، سواء على المستوى الديمقراطي أو في ما يتعلق باحترام الإرادة الشعبية وتصفية الأجواء والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي.