11 يونيو.. ذكرى هدم إسرائيل حارة المغاربة في القدس المحتلة

“أسكنت هناك من يثبتون في البر ويبطشون في البحر، وخير من يؤتمنون على المسجد الأقصى وعلى هذه المدينة”. كانت شهادة من القائد صلاح الدين الأيوبي عند تحرير المسجد الأقصى، في حق المغاربة الذين شكلوا ما بين 20% إلى 25% في الجيش الذي دحر الصليبيين عام 1187.
بعد هذا النصر الذي رسخ علاقة المغاربة بالقدس، أوقف الملك نور الدين بن صلاح الدين الأيوبي عام 1193 عليهم حارة المغاربة، أحد الأحياء الأثرية في القدس القديمة والذي يقع إلى الغرب من المسجد الأقصى ملاصقاً لحائط البراق.
تحل هذه الأيام، 11 و23 و13 يونيو ذكرى هدم حارة المغاربة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد اجتياحه القدس عام 1967، وذلك بعدما صادر الحارة وفرض فيها حظر التجول في العاشر من الشهر ذاته، لتبدأ عملية طرد السكان، الذين بلغوا بإخلاء منازلهم في غضون ساعات، كما أُجبر الذين رفضوا الأوامر على إخلاء مساكنهم بالقوة عندما تحركت الجرافات لتدمير المنطقة.
وفي عملية استمرت 3 أيام هدمت جرافات الاحتلال الإسرائيلي الحارة وسوتها بالأرض، وارتٌكبت مجزرة أثرية ومعمارية وإنسانية، وحولت 8 قرون من تاريخ القدس إلى مجرد ركام.
في هذا الصدد، قالت حسناء القطني الأكاديمية في جامعة عبد المالك السعدي بطنجة، إن هذه الأيام من يونيو 1967 “ستظل شاهدة على أحد أبشع الانتهاكات التي مارسها الكيان الصهيوني في سجله المخزي، وهو هدم ‘حارة المغاربة’، أحد الأحياء التاريخية في مدينة القدس القديمة، والذي يقع بجوار حائط البراق”.
وأوضحت القطني، وهي باحثة في الشأن الفسطيني وعضو الأمانة العامة لائتلاف المرأة العالمي لنصرة القدس وفلسطين، أن تسمية حارة المغاربة ترجع إلى أواخر القرن السادس الهجري الموافق للثاني عشر الميلادي، إذ “وفد إلى بلاد الشام في هذه الفترة جنود من المغاربة من بحارة الأسطول، كان قد بعث بهم السلطان يعقوب المنصور لدعم صلاح الدين الأيوبي في تحرير الأقصى”.
ولما أبلوا البلاء الحسن في معركة حطين التي فُتح على إثرها بيت المقدس، تضيف المتحدثة “أسكنهم بها مكافأة على صنيعهم، حينها قال في حقهم مقولته الشهيرة”، وبعد صلاح الدين أوقف نجله الملك الأفضل نور الدين علي الحارة و الأراضي والمساكن المحيطة بموضع البراق على المغاربة المجاهدين الذين شاركوا في الفتح، فبقيت وقفاً عليهم، وعلى من أتى بعدهم.
ومنذ ذلك الوقت توسعت هجرة المغاربة إلى القدس في عصر المماليك، وبعدهم العثمانيين، حيث ظل شيخ المغاربة ممثلاً لأهل المغرب أمام السلطات العثمانية والقضائية، كما كان ناظراً ومسؤولاً عن أوقافهم التي المتنوعة داخل القدس وفي القرى المجاورة لها، مثل قرية عين كارم.
وأشارت حسناء القطني، أستاذة القانون في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمرتيل، إلى أن كل ما يتعلق بتاريخ هذه الحارة وأحقية المغاربة فيها، “نجده موثقاً في سجلات المحكمة الشرعية في القدس، ووثائق الأرشيف العثماني في إسطنبول”، مشيرة إلى أنها “ظلت محفوظة على هذا الحال حتى بعد الاحتلال البريطاني، إلى أن تمكن منها العدوان الصهيوني الغاشم أياماً بعد النكسة”.
وتم على إثر ذلك طرد وتهجير سكان الحارة البالغ عددهم آنذاك 635 نسمة، فيما تم هدم 138 بناية من ضمنها جامع البراق وزاويته، وجامع الأفضلية، ومكتب إدارة الأوقاف ومخازنها، بحسبة الأستاذة الجامعية.
وترى القطني أن “القراءة الفاحصة لتداعيات هذه الواقعة المرعبة في ذاكرة كل فلسطيني ومغاربي، تبين أن هدم حارة المغاربة ليس مجرد حدث تاريخي”، معتبرة إياه “واقعاً مأساوياً مستمراً على اعتبار أن آثار التهجير، والتدمير ومحو الذاكرة التاريخية لأصحاب الأرض مازالت قائمة، في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي وسياساته العنصرية”.
وتذكر القطني أنه قد يتفق الجميع حول أن تخليد ذكرى هدم الحارة “له دلالاته العميقة”، خاصة في ظل ما يعيشه الشعب الفلسطيني اليوم على وقع حرب إبادة جماعية “لم يشهد التاريخ الحديث مثيلاً لها، في ظل تواطؤ دولي مكشوف، وصمت عربي مخز وغير مبرر”.
وقالت إن هذا الحدث بالذات (هدم الحارة)، مثلما يؤرخ لمسلسل الانتهاكات التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في حق الشعب الفلسطيني، فإنه يعد انتهاكاً كذلك لحقوق الشعوب المغاربية في “حارتهم” التاريخية.
وأشادت الأكاديمية والناشطة في مجال دعم القضية الفلسطينية بتمسك الشعب الفلسطيني بأرضه ومقدساته. وقالت: “لا أدل على ذلك مثل الصمود الأسطوري الذي أبان عنه خلال أكثر من سنة ونصف على اندلاع هذه حرب الإبادة الجماعية في غزة”، مشيرة إلى أنه “لا يتنازل عن نهج المقاومة سبيلاً للتحرير واسترجاع كل حقوقه المسلوبة”.
وأضافت أن المقاومة التي ينهجها الشعب الفلسطيني “تكشف أن أطماع الصهاينة التوسعية لم ولن تتوقف عند هذا الحد”، منبهة إلى أنه يتوجب على الشعوب المغاربية كشعوب أن “تحذر مما يحاك لمنطقتها بالذات من مؤامرات”. قالت إنها “أضحت غير خفية على كل لبيب”، بما فيها ما سمته “أخطبوط التطبيع”.
ودعت إلى حمل الأمانة التي أوصى بها صلاح الدين الأيوبي، في إشارة إلى المسجد الأقصى والقدس، معتبرة إياها “مسؤولية الجميع”، داعية إلى استرجاع حقوق الشعب الفلسطيني ومعهم المغاربة في القدس، الشرعية والقانونية “التي تكفلها كل الشرائع والاتفاقيات والمعاهدات الدولية”.