story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

11 يناير.. قصة وثيقة المطالبة بالاستقلال والديمقراطية

ص ص

يحتفل المغاربة اليوم بذكرى مرور 80 عاما على تقديم وثيقة إلى سلطات الحماية الفرنسية، للمطالبة لأول مرة بما يتجاوز سقف الإصلاحات، أي إنهاء العمل بمعاهدة الحماية التي وقعت بين السلطان مولي عبد الحفيظ وفرنسا سنة 1912.

النص الذي حمل توقيع 67 شخصا من بينهم امرأة واحدة (مليكة الفاسي)، لم يكن موجها للسلطات الفرنسية وحدها، بل إن وفد الوطنيين قدم نسخة من الوثيقة إلى السلطان محمد بن يوسف. فقد طالبوا فرنسا بالاستقلال، ودعوا السلطان إلى إقرار نظام “شوري”، أي ديمقراطي.

ونقرآ في نص الوثيقة أن “حزب الاستقلال يلتمس من جلالته أن يشمل برعايته حركة الإصلاح التي توقف عليها المغرب في داخله، ويكلُ لنظره السديد إحداث نظام سياسي شوري شبيه بنظام الحكم في البلاد العربية الإسلامية بالشرق، تحفظ فيه حقوق سائر عناصر الشعب وسائر طبقاته، وتحدد فيه واجبات الجميع”.

أول تطلع رسمي إلى الاستقلال

تعرف هذه الذكرى وفقا للأدبيات الرسمية باسم “ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال”، باعتبار الوثيقة التي تم تقديمها في مثل هذا اليوم من سنة 1944، كانت أول تعبير رسمي من جانب المغاربة عن الراغبة في القطع مع معاهدة الحماية، بعدما ظلت المطالب السابقة للوطنيين المغاربة تكتفي بالإصلاحات.

طالبت الوثيقة صراحة بإلغاء معاهدة الحماية ومنح المغرب عضوية عصبة الأمم، المنظمة التي ستصبح منظمة الأمم المتحدة. وما منح هذه المبادرة حساسية بالغة، رغم تواتر المطالب الإصلاحية ودعوات الوطنيين إلى إشراكهم في تدبير البلاد وفق توافق جديد يتجاوز معاهدة الحماية، أنها جاءت عاما واحدا بعد اجتماع أنفا الذي التقى خلاله محمد بن يوسف كلا من الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، ورئيس الحكومة البريطانية وينستون تشرشل.

السلطان محمد بن يوسف الآخذ حينها في الدخول تدريجيا على خط الوطنيين المغاربة، لم يفوت فرصة هذا الاجتماع التاريخي، وانتزع وعدا أمريكيا-بريطانيا، بإعادة النظر في الوضع السياسي للمملكة الشريفة، اعترافا بمساهمتها الى جانب الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.

أما فرنسا الخارجة لتوها من ورطة الاحتلال الألماني، فلم تكن لتنظر إلى هذه الخطوات بعين الرضا، وبفعل علاقاتها الوطيدة بالحلفاء الغربيين، لم يكن ل”وعد أنفا” أي تأثير في علاقات باريس بالرباط، في اتجاه الاستجابة لمطالب الوطنيين. لذلك كان لخطوة إخراج وثيقة المطالبة بالاستقلال بعدا استراتيجيا، لما تعنيه من إصرار ووضع أمام الأمر الواقع.

13 يناير.. الوثيقة المنسية

يقود البحث التاريخي في حقيقة وملابسات هذه الوثيقة يقود إلى لائحة من “وثائق المطالبة بالاستقلال” منها ما يعود الى 1931، لكن ما ارتأت الإرادة الرسمية الاحتفاظ به هو وثيقة 1944.

لكن، ولسوء حظ النسخة الرسمية من تاريخ هذه المرحلة، فإن وثيقة أخرى للمطالبة باستقلال المغرب وجدت شهودا يؤكدون وجودها، وهي وثيقة 13 يناير 1944.

ينطوي الأمر على مخلفات صراع حزبي جعل الوثيقة وثيقتين على الأقل. وتفاصيل هذا الصراع رواها الراحل عبد الهادي بوطالب، الذي كان حينها أستاذا بالمعهد المولوي حيث يدرس مولاي الحسن.

يعتبر بوطالب، الذي سيصبح مستشارا للحسن الثاني، أن حزب الاستقلال أراد الانفراد بهذه المبادرة. لذلك كانت زيارة الاستقلاليين له بالمعهد المولوي داخل القصر الملكي مقتضبة، حيث تم إطلاعه على فحوى الوثيقة، و”رغبتهم” في الحصول على توقيع ممثلي “الحركة القومية”، والتي ستصبح لاحقا “حزب الشورى والاستقلال”.

عندما ذهب بوطالب ليوقع على الوثيقة، حسب روايته دئما، قيل له إن الوثيقة غير جاهزة. وبعد عودته مرة أخرى، أخبره الاستقلاليون أن محمد بن الحسن الوزاني، رئيس الحركة القومية الذي كان حينها منفيا كما هو حال علال الفاسي، رفض الصيغة المقترحة واعتبر المطالبة بالاستقلال في تلك المرحلة بالضبط، أشبه بالطعنة في ظهر فرنسا الخارجة لتوها من الحرب، وطالب بمراجعة بعض العبارات.

سارع الاستقلاليون إلى اعتماد الوثيقة دون أي توقيع من خارج الحزب. لكن الروايات تتضارب مرة أخرى، حيث ينقل بعضها أن مفاوضات عسيرة جرت بين الحزبين، وفشلت بسبب خلافات حول الصيغة النهائية، وترتيب الموقعين عليها.

فرنسا ترد بالاعتقالات

لم يكن رد السلطات الفرنسية على رفع سقف المطالب ليلامس التطلع الى الاستقلال وديا، بل سارعت إلى اعتقال كل من الهاشمي الفيلالي وأحمد مكوار وعبدالعزيز بن إدريس العمراوي، الثلاثة الذين سهروا على الإعداد لوجيستيكيا لحدث تقديم الوثيقة، بما يفرضه ذلك من تعبئة للخلايا وحشد للطلبة والحرفيين.

ويروي المهدي بنحدو في كتابه “المعذبون الثلاثة” بعض ما جرى داخل كوميسارية دار الدبيبغ بالمدينة الجديدة لفاس، قبل أن يلتحقوا بسجن العلو بالرباط، حيث وجدوا الأمين العام لحزب الاستقلال، أحمد بلافريج رهن الاعتقال، حيث “تعرضوا لكافة أنواع التعذيب والتنكيل والإهانة من ضرب وإصابة بالكهرباء، وغطس في الماء وتعليق من الأرجل وإنهاك عصبي وترهيب نفسي بقصد إرغامهم على البوح بأسرار وتنظيمات حزب الاستقلال، ومصادر تمويله، وعلاقاته الداخلية والخارجية”.

طالت حملة القمع والاعتقال والاستنطاق الزعماء الموقعين على الوثيقة، ثم سرعان ما أثارت غضب القواعد الشعبية، لتندلع المظاهرات والاحتجاجات. أعنفها كانت في العاصمة الرباط، بعد شيوع خبر اعتقال الزعماء الوطنيين بسجن العلو. لتجتاح المظاهرات شوار المدينة مطالبة بإطلاق سراح المعتقلين ورافعة شعار الاستقلال.

أمير في المظاهرة

من بين هؤلاء المتظاهرين كان الأمير مولاي الحسن الذي كان وقتها تلميذا بالمعهد المولوي. لم يتمالك الأمير نفسه، فقفز فوق سور المعهد ليلتحق بالمظاهرات، وهو الحدث الذي رواه الملك الراحل في كتاب “ذاكرة ملك” بكثير من الحنين، رغم أنه جلب عليه توبيخ والده السلطان محمد بن يوسف، لما سببه هذا الأمر من حرج كبير مع الفرنسيين.

تطور الأمر إلى محاصرة القوات الفرنسية للمدينة، وإطلاقها النار على المتظاهرين بذريعة مقتل أحد المواطنين الأوربيين. فتحول الأمر مواجهة دامية خلفت العديد من القتلى، واتسعت رقعتها لتشمل مدنا مغربية أخرى مثل مراكش ومكناس وفاس…