يمينيون متطرفون يعتدون على مهاجرين مغاربة بجنوب إسبانيا.. ما القصة؟

عاش أبناء الجالية المغربية في إسبانيا حالة من الرعب، على وقع اعتداءات عنيفة شنتها مجموعات من اليمين المتطرف، يومي السبت والأحد، في بلدة إسبانية بإقليم موريسيا جنوب البلاد.
بدأت هذه الاعتداءات، التي أعقبتها اشتباكات بين المجموعات المتطرفة وسكان محليين ومهاجرين في بلدة “توري باتشيكو”، مساء السبت 12 يوليوز 2025، حيث ردّ الشباب المغاربة على من يُعرفون بـ”النازيين الجدد” باستخدام تكتيكات حرب الشوارع، وفقاً لما نقلته صحيفة “إل إسبانيول” (El Español).
وأفاد الصحافي المقيم في إسبانيا، محمد حاجي، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، بأن الاعتداءات لا تزال مستمرة، منذ مساء الجمعة الماضي، إذ تشهد البلدة كل ليلة هجوماً من المجموعات المتطرفة، التي وصل بعضها من خارج البلدة، وجابت حي “سان أنطونيو”، مهاجمة منازل ومحال تجارية.
ومن أجل وقفها تم نشر 50 عنصراً من الحرس المدني والشرطة المحلية، مساء يوم الأحد 13 يوليوز 2025، لمنع المزيد من الاعتداءات، التي يتوقع أن تتجدد يوم الثلاثاء 15 يوليوز 2025، وتستمر لمدة 3 أيام، بحسب ما أعلنت عنه الجماعات المتطرفة.
وتعود الأحداث إلى يوم الأربعاء 9 يوليوز 2025، عندما تعرّض مواطن إسباني ستيني، يُدعى دومينغو، لاعتداء عنيف من قِبل شاب أثناء ممارسته المعتادة لرياضة المشي فجراً، قبل أن يتقدم بالتبليغ عنه، دون أن تُعرف حتى الآن هوية الذي يقال إنه مهاجر مغربي، وهو ما استُغل من طرف حزب “فوكس” اليميني المتطرف، وفقاً لوسائل إعلام إسبانية، “لتأجيج الكراهية والتحريض ضد المهاجرين”.
وتفاقم الوضع بعد انتشار صورة للضحية عبر تطبيق واتساب، يظهر فيها مضرجاً بالدماء في وجهه، مع كدمات وجروح ونزيف في عينه اليمنى، مرفقة بمقطع فيديو يُظهر رجلاً ستينياً يشبه الضحية، وهو يتعرّض للضرب من قِبل شاب مغربي، بينما يقوم آخر بتصويره.
وقد تبيّن لاحقاً أن هذا المقطع يعود إلى حادث قديم، بحسب الصحافي المغربي محمد حاجي، وأن الشخص الذي ظهر في الفيديو لا علاقة له بالمتقاعد الستيني من توري باتشيكو، الذي تعرّض للاعتداء يوم الأربعاء، والذي كان الحادث المتعلق به هو الشرارة التي أشعلت فتيل التوتر داخل البلدة.
وقال دومينغو: “أوضحت للشرطة أن ذلك الرجل في الفيديو ليس أنا”، وعبر عن انزعاجه من استخدام صورته وهويته في ترويج الكراهية. في حين أشارت المعطيات إلى أن شخصاً منتم إلى اليمين المتطرف استغل الحادثة لنشر الكراهية والعنصرية بين سكان البلدة البالغ عددهم 42 ألف نسمة، والذين يشكل المهاجرون حوالي 30% منهم.
وكان تأثير الإشاعة المنتشرة عبر واتساب أقوى من الحقائق، مما جعل منها ذريعة لتبرير تدفّق المتطرفين إلى “توري باتشيكو” لبث خطاب الكراهية والاعتداء على المهاجرين.
وقال الصحافي محمد حاجي إنه في أعقاب الحادثة وانتشار الإشاعات، تم تنظيم مظاهرة للتنديد بالاعتداء على المسن، “لكنها تحولت إلى ‘حملة لمطاردة المهاجرين’، بدعم مباشر من قوى اليمين المتطرف، بما فيهم أعضاء من حزب “فوكس” (Vox)”، مشيراً إلى أنهم ظهروا في البلدة ذلك اليوم مرددين عبارات ضد المهاجرين من قبيل “دافعوا عن أنفسكم”.
واستمرت أعمال الشغب إلى أن تحولت إلى اشتباكات بين المتطرفين والمهاجرين، ثم بينهم وبين قوات الأمن والحرس المدني التي استخدمت ذخيرة مطاطية لتفريق حشود المتطرفين بالذين كانوا يهاجمون سيّارات المارة ومنازل السكان المغاربة.
وكان بعض مثيري الشغب يرتدون سترات لإخفاء أوشام نازية، كما قدموا إلى “توري باتشيكو” من ألمرية، وفالنسيا، وأليكانتي ومدريد، بهدف تنفيذ “مطاردات” تحت ذريعة الانتقام لما تعرّض له المواطن المتقاعد.
هذا الوضع دفع عدداً من الشباب المغاربة المقيمين في تلك البلدة الزراعية بإقليم موريسيا إلى التعبئة ضد المهاجمين النازيين الجدد، والرد عليهم بأساليب وصفتها صحيفة إل إسبانيول بـ”حرب العصابات الحضرية”.
وتعمل الشرطة القضائية على تحليل مقاطع الفيديو التي انتشرت عبر الإنترنت وتوثق هذه الأحداث، لتحديد هوية المتورطين واعتقالهم، وتشمل التحقيقات أيضاً نشر الأخبار المضللة والإشاعات التي تُسهم في تأجيج غضب السكان.
ويصير أصبع الاتهام، في هذا الصدد، إلى جماعة إسبانيا 2000، وهي حركة سياسية تصف نفسها بأنها “وطنية اجتماعية” و”معادية للهجرة”، وجماعة النواة الوطنية (Núcleo Nacional)، المرتبطة بأحداث الشغب في شارع فيراث خلال ما سُمي بـ”نونبر الوطني”، والذي أسفر عن 84 معتقلاً و367 مخالفة.
يرى الصحافي محمد حاجي أن ما تعيشه بلدة “توري باتشيكو” من اعتداءات المجموعات المتطرفة من الإسبان على المهاجرين، “هو تطور حتمي لمسلسل بدأ منذ عدة أسابيع في مناطق متفرقة من إسبانيا بعدما انتشرت بكثافة فيديوهات، وأخبار على وسائل التواصل الإجتماعي تصور سلوكات إجرامية تتعلق بالسرقة والتخريب والشجار المسلح أبطالها قاصرون وشبان من أصل مغربي”.
وأوضح أن انتشار هذه الفيديوهات والأخبار رافقتها حملة تجييش كبيرة من طرف حزب فوكس اليميني المتطرف في جل المدن الإسبانية تتهم المهاجرين المغاربيين وأفارقة جنوب الصحراء “بالتسبب في انعدام الأمن وإحداث الفوضى ومظاهر التطرف الديني”، فضلاً عن “احتكار المساعدات الحكومية وتهديد قيم المجتمع الإسباني على حد تعبيرهم”.
وأشار إلى أن كل هذه الحملة الإعلامية تجري وفق مخطط لحزب “فوكس”، مبيناً أن ما أكد ذلك هو تصريحات النائبة البرلمانية عن الحزب اليميني المتطرف، روتيو دي مير، التي دعت إلى طرد 8 ملايين مهاجر وأبنائهم إلى بلدانهم الأصلية بسبب “عدم اندماجهم”.
وذكر حاجي أن هذا الحزب عادة ما يبني برنامجه الإنتخابي على قضية الهجرة، واستغلال سلوكات فئات من المهاجرين من أجل كسب أصوات الإسبان وزيادة قاعدته من المؤيدين.
ويعتبر حاجي أن أوضاع المهاجرين المغاربة في إسبانيا قد تشهد الكثير من التأزم خلال السنوات المقبلة بسبب ارتفاع منسوب الكراهية، وحملة التحريض التي يشنها حزب فوكس، وأيضاً بسبب الوافدين الجدد من القاصرين والشبان المغاربة عن طريق الهجرة السرية، “الذين يجدون أنفسهم عرضة للتشرد في بلاد تئن أصلاً بمشاكل اجتماعية عميقة وارتفاع نسب الفقر والبطالة فيها”، وهو ما يدفعهم إلى “ارتكاب سلوكات إجرامية مثل السرقة والعنف والعمل في شبكات ترويج المخدرات”.
وفي ما يتعلق بتدخل السلطات الإسبانية، على خلفية الأحداث الأخيرة، صادرت الشرطة المحلية والحرس المدني قنابل مولوتوف مصنوعة من زجاجات بيرة “هاينيكن”، ومفرقعات نارية، وعبوات بنزين من سعة 5 و10 لترات، استعملها المتطرفون للهجوم على المغاربة.
وقالت المستشارة المسؤولة عن الأمن في “توري باتشيكو” إنه “تم التعرف خلال نقاط التفتيش على عدد كبير من الأشخاص الموقوفين بسبب الشغب، معظمهم لم يكونوا من سكان البلدة”.
وذكرت المسؤولة الإسبانية أنه استعصى اعتقال المتطرفين بسبب لجوئهم لإخفاء هوياتهم باستخدام الأقنعة والسترات التي تغطي وشومهم، مشددة على ضرورة الإبقاء على التعزيزات الأمنية في شوارع البلدة، باعتبار أن الأحداث الجارية تتشابه مع ما حصل قبل 25 عاماً في إل إيخيدو.
وشهدت هذه البلدة في جنوب إسباني، في فبراير 2000، اندلاع احتجاجات عنيفة مناهضة للهجرة بعد مقتل فتاة ومزارعين على يد مهاجرين مغاربة تسببت في اندلاع موجة غير مسبوقة من العنف العنصري.