story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
آداب |

“يموت الحالم ولا يموت حلمه”.. إصدار جديد يحيي تراث محمد باهي

ص ص

طاف المنجز الفكري للكاتب والصحافي المغربي الراحل محمد باهي حرمة بظلاله الوارفة على فعاليات الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، حيث احتفى المشاركون بإرثه الغني في ندوة فكرية نظمت الأربعاء 23 أبريل 2025، تحت عنوان “الحاجة إلى استحضار المنجز الفكري لمحمد باهي”.

وخلال هذا اللقاء، الذي عرف حضور نخبة من الأكاديميين والباحثين والمثقفين المغاربة، تم تقديم الجزء التاسع من موسوعة باهي، الذي يحمل عنوان “يموت الحالم ولا يموت حلمه”، تأكيدًا على استمرار أثر هذا المفكر العصامي في الذاكرة الفكرية والثقافية العربية، وعلى الحلم الذي لم يخبُ وهجه رغم رحيله منذ نحو ثلاثة عقود.

وفي السياق قال الدكتور محمود الزاهي، إن المفكر والصحافي المغربي باهي يعدّ من كبار القامات الفكرية والصحافية في العالم العربي، مشيرًا إلى أن تقديم الجزء التاسع من موسوعة باهي تحت شعار “يموت الحالم ولا يموت حلمه” يمثل محطة جديدة في اكتشاف هذا الرجل الفذّ، الذي أسهم بعمق في توثيق وتحليل تحولات شعوب المنطقة العربية، إلى جانب إسهاماته في الفضاء الأوروبي، خاصة في باريس.

وأكد الزاهي في مداخلته على أن هذا الإصدار يميط اللثام عن جانب مهم من الثقافة المغربية المعاصرة، المليئة بالعطاء والإبداع، كما يُسهم في سبر أغوار الثقافة العربية وتحولاتها الكبرى.

وأشار إلى أن باهي كان رجلًا عصاميًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وأن أبحاثه اتسمت بالعمق والثراء، مبرزا أنه تطرّق إلى قضايا شتى، ووفّر مادة تحليلية غنية لكل باحث مهتم بفترة الحرب الباردة وتداعياتها، من الخمسينيات حتى سقوط جدار برلين.

وأضاف أن أسئلة باهي وخلاصاته لا تزال حاضرة بقوة، خصوصًا في ما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط، والصراع المستمر بين الشرق والغرب، لافتا إلى أن للرجل إسهامًا نوعيًا في ما يُعرف بالرأسمال الثقافي في المغرب، من حيث التوظيف، والمرتكزات، وصلة كل ذلك بمفاهيم التنمية.

وشدد الزاهي على أن ما كتبه باهي يتمتع براهنية كبرى، وأن الاهتمام المتزايد بتراثه الفكري، سواء في الإعلام أو في الأوساط الأكاديمية والجامعات، دليل على القيمة المستمرة لما أنجزه قلمه قبل عقود.

وعبّر الدكتور الزاهي عن أمله في أن يستمر هذا المشروع الثقافي الطموح، الذي بات يحظى باهتمام واسع من الباحثين والدارسين، متمنيًا أن يرى النور الجزء العشرون من موسوعة باهي في السنوات القليلة المقبلة، ليكون امتدادًا لحلم لم يمت.

من جانبه، قال الحقوقي والمناضل امبارك بودرقة إن مرور نحو 29 سنة على وفاة المفكر والصحافي المغربي محمد باهي لم يطمس حضوره، بل زاد من إشعاع إرثه الفكري الذي كاد أن يُنسى لولا جهود باحثين ومهتمين أعادوا إحياءه.

وأكد بودرقة، أن هذا التراث الغني بات اليوم مصدر حياة فكرية وثقافية حقيقية، يجذب إليه الأكاديميين المغاربة، ويشكل موضوعًا للعديد من أطروحات الدكتوراه، مشيرا إلى أن الذكرى الثلاثين لوفاة باهي، التي تحل السنة المقبلة، ستكون مناسبة لتكريم هذا المسار عبر إصدار كتاب جماعي يضم مساهمات عشرة باحثين اشتغل كل منهم على موضوع خاص من أعمال باهي، بهدف إبراز تنوع وغنى تراثه.

ويتناول الجزء التاسع من الموسوعة الفترة ما بين عامي 1959 و1965، حيث يخصص القسم الأول منه لقضايا التحرر الإفريقي، ويضم هذا الجزء ستة عشر مقالًا تضيء كفاح القارة السمراء ضد الاستعمار، خاصة ضد الهيمنة الفرنسية، كما تسلط الضوء على زيارة الجنرال شارل ديغول إلى إفريقيا سنة 1958 للترويج لدستور الجمهورية الخامسة، وتأسيس “الجامعة الفرنسية الإفريقية” كواجهة جديدة للاستعمار.

وتوقف باهي عند محطات مفصلية من التاريخ الإفريقي، من بينها الصراعات التي شهدتها غينيا وغانا، إضافة إلى المؤتمر التأسيسي للمنظمة الإفريقية المنعقد في أديس أبابا في 8 يناير 1961، بمشاركة قادة كبار مثل محمد الخامس، وجمال عبد الناصر، وأحمد سيكو توري، وكوامي نكروما، أحمد هونو، وحاتم عباس، ووزير خارجية ليبيا آنذاك، حيث صدر عن المؤتمر ميثاق هام.

وسلط باهي الضوء على المأساة الكونغولية، وتحديدًا اغتيال الزعيم باتريس لومومبا، الذي كان يمثل أملاً لتحرر إفريقيا، غير أن المؤامرة الاستعمارية، وتواطؤ بعض الأطراف الدولية، بما في ذلك قوات الأمم المتحدة، أجهضت ذلك المشروع، ولم يغفل أيضًا حادث إسقاط طائرة الأمين العام للأمم المتحدة، في إشارة إلى المناخ الدولي المشحون حينها.

وفي مقالات أخرى، تناول باهي الشأن السوداني، وكتب عام 1965 تحت عنوان “السودان في البحث عن الزمن الضائع”، حيث توقع، برؤية استشرافية، استمرار حالة الصراع بين الطبقة العسكرية، التي أطلق عليها مصطلح “العسكريطارية” والطبقات الشعبية، في توصيف لا يزال يلامس الواقع السوداني اليوم.

وختم بودرقة حديثه بالتأكيد على أن باهي لم يكن مجرد كاتب، بل ذاكرة حيّة، وحلم لا يزال ينبض في وجدان الأمة، وتراث يستحق أن يُقرأ من جديد.