وليد خاليلوزيتش !
نفس ما يعيشه وليد الركراكي خلال المباريات الأخيرة للفريق الوطني، كان قد عاشه قبله البوسني وحيد خاليلوزيتش قبل إقالته.
بينهما قواسم مشتركة كثيرة فيما يتعلق بالنتائج.. انتصارات متوالية و”أرقام قياسية” في عدم الهزيمة، والتأهل المبكر أيضا، لكن دون إقناع ووسط عاصفة من انتقادات الجمهور والمحللين والتقنيين.
وليد الركراكي كما كان قبله وحيد خاليلوزيتش، عندما تُطرح عليه علامات الإستفهام حول “آدا” الفريق الوطني الباهت الذي نشاهده في جل المباريات، وطريقة اللعب العقيمة، والإرتباك في المنظومة الدفاعية، والإختيارات البشرية الغريبة.. يجيب بكل بساطة أننا “كبرنا” حتى لم تعد تقنعنا الإنتصارات على منتخبات صعبة المراس، وأن الأهم هو نقاط الفوز والتأهل.
وليد ووحيد كلاهما وجدا في النتائج الإيجابية وسلسلة الإنتصارات وتحقيق نقاط الفوز على خصوم “على قد الحال”، ملاذا للهروب من الأسئلة الحارقة حول العجز عن صناعة طريقة لعب قارة وواضحة وفعالة ومتمرَّس عليها في إفريقيا، متهمين من ينتقدهما بالتحامل والإنتقاد المجاني.
الفوز بدون أداء جيد وبدون إقناع لا يقتصر فقط على المنتخب الأول، بل يتعداه إلى باقي المنتخبات الوطنية، ويمكن أن نضيف في هذا الباب إسمي عصام الشرعي الفائز بكأس أمم إفريقيا لأقل من 23 سنة، ومحمد وهبي الذي لعب نهاية كأس أمم إفريقيا للأمم لأقل من 20 سنة.. فهذين الإسمين أيضا تعرضا لكل الأشكال والأنواع من الإنتقاد والإتهام ونعت “السطاجير”، وأنهما لم يعرفا استغلال النجوم الصغيرة التي توفرا عليها، في بناء طريقة لعب ذات فعالية وأن ما قدمه منتخباهما كان بالإمكان تقديم عرض أقوى منه لو كانت للشرعي ووهبي الكفاءة التقنية اللازمة لذلك.
فإذا اسثتنينا منتخب طارق السكيتيوي الأولمبي في باريس، وما حققه من إنجاز بالنتيجة والعرض التقني المبهر، وإلى حد ما، منتخب نبيل باها لأقل من 17 سنة، فيمكن القول إن “الفوز دون أداء مقنع” هو ظاهرة عامة في منتخباتنا الوطنية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن نلقي فيها بكل اللوم على المدربين وحدهم، لأنهم ببساطة يدبرون وضعا لم يصنعوه بأيديهم.
عدم وجود أداء قوي ومستمر، وغياب الإنسجام في التشكيلة، والعشوائية في طريقة اللعب، مرتبط في اعتقادي بخلل بنيوي تعرفه كرة القدم المغربية على مستوى المنتخبات الوطنية، ففي ظل عدم وجود هوية كروية محلية، وغياب مناهج تكوين موحدة في الأندية (مشروع انطلق مؤخرا)، والإعتماد شبه الكلي على أبناء مغاربة أوروبا القادمين من بيئات وهويات كروية مختلفة، وتباين عقلياتهم وخصوصيات تنشئتهم الإجتماعية، فلا يمكن لبضعة أيام في معسكرات تقام مرة كل ثلاثة أشهر أن تجمع لاعبين من كل حدب وصوب، وتصنع بهم فريقا يهضم طريقة لعب محددة، ويتقن التعامل مع تفاصيلها وطوارئها ومتغيراتها، وتشكل بهم منتخبا منسجما ومتجانسا يعطي الإطمئنان عند مشاهدته على أرضية الملعب.
ما عاشه وحيد خاليلوزيتش من مشاكل مع اللاعبين والجمهور قبل إقالته، وما يعيشه حاليا وليد الركراكي من انتصارات بئيسة، وتذبذب محير ومخيف في المستوى العام للفريق الوطني، ومن تخبط في الإختيارات البشرية الخاطئة، ومن سلسلة تجريب فاشلة للأسماء ولميكانيزمات اللعب، هو تحصيل حاصل لمنظومة كروية غريبة وناذرة لا توفر للمنتخبات الوطنية لاعبين تلقوا نفس خصائص التكوين، ولا تضمن عملية تصعيد سليمة ومخطط لها لأجيال اللاعبين حتى المنتخب الأول وفق هوية لعب معروفة منذ الصغر..
الحديث عن استدعاء فلان مكان فلان، وفلان أكثر جاهزية من فلان، والطريقة الفلانية أفضل من الطريقة الأخرى، أراه مضيعة لبطاريات النقاش المفيد، لأن هدف التوفر على منتخب وطني قوي ويمتلك مفاتيح اللعب ويفوز بإقناع كبير، هو أمر مستبعد طالما أن السبب العميق لازال قائما.. والواضح أننا سنستمر في المراهنة فقط على الجودة الفردية للاعبينا العالميين في صناعة الفارق أمام خصومنا، وأيضا الحظ وبعض التفاصيل الصغيرة و”العوامل المساعدة” أثناء استقبال خصومنا على أرض المغرب، من أجل طرد نحس “الكان” والإبقاء على الكأس الإفريقية الثانية في بلادنا.
أما الهوية الكروية والإستمرارية والإقناع في الإنتصارات والإنسجام وطريقة اللعب الواضحة، وقوة شخصية الفريق.. فذلك طريق طويل لم نضع فيه أقدامنا بعد.