وليد الركراكي.. بين المطرقة والسندان!

عند خروج إشاعة أو خبر غير موثوق، غالبا ما تخرج الجهة المستهدفة لتكذيبه عن طريق بلاغ أو خرجة إعلامية لأحد ممثليها، كما يمكنها تجاهل الأمر وترك الباب مفتوحا أمام الإعلام والمتتبعين من أجل تناول الموضوع بكل حيادية وإبراز مختلف الأطروحات ونقيضها، وهذا فقط كفيل بدحض الإشاعة وإقبارها.
فإذا كان خبر تفكير الجامعة المغربية لكرة القدم في الاستغناء عن وليد الركراكي كناخب وطني، سواء كان صحيحا أم ملفقا، أخذ حيزا كبيرا بعد مبارتي النيجر وتنزانيا رغم السكوت الذي طال محيط المنتخب الوطني قبل أن تخرج بعد الأصوات الإعلامية لتقول أنها “كذبة أبريل”، فهذا يؤكد مقولة “لا دخان بدون نار” وأن الموضوع أصبح واقعيا يمكن الجدال فيه.
فبعدما هدأت النفوس وجفت أقلام المنتقدين والمؤيدين، مع انطلاق كأس إفريقيا لأقل من 17 سنة التي تقام ببلادنا، فلنحاول أن نتناول هذا الخبر بشيء من الموضوعية دون أن نستغني عن نظرتنا الخاصة التي يمكن أن تصيب أو تخطئ.
فقبل أن نخوض فيما هو تكتيكي وتقني بشكل محض، كانت هناك العديد من المؤاخدات على طريقة تواصل وليد الركراكي، التي كانت إحدى نقاط قوته خلال كأس قطر. أعتقد أنه ولأول مرة منذ توليه قيادة المنتخب الوطني، يقوم وليد بانتقاد لاعبيه وإلصاق التهمة بهم، الشيء الذي لم نعتد عليه من قبل، متناسيا أن مثل هذه الملاحظات يجب أن تكون داخل مستودع الملابس وفعليا على الملعب باختيار الأجدر.
ومن جهة أخرى، رأينا نسخة من وليد المتوتر، الذي يعاتب نفس الجمهور، الذي أشاد به في مباراة النيجر، بعدما لم يعجبه أداء فريقه في مباراة تنزانيا، مطالبا أن نفرح لأننا قريبين من التأهل، بعدما كنا نتأهل بصعوبة من قبل، متجاهلا أن النظام قد تغير وأصبحت 10 منتخبات تقريبا يمكنها التأهل لكأس العالم، وأننا لعبنا جميع مقابلاتنا بالمغرب أمام منتخبات ضعيفة.
الآن وبعد أن أزحنا كل ما هو خارج رقعة الميدان، حان الوقت لنتحدث عن ما بداخلها، عن اختيارات وليد، عن قناعاته وعن طريقة لعبه، التي يرى البعض إن لم نقل العديد من المتتبعين أنها لم تستطع أن تتأقلم مع طريقة لعب المنتخبات الإفريقية. فإذا استثنينا شيئا ما تجمعي شهري أكتوبر ونونبر الماضيين، اللذين رأينا خلالهما تطورا طفيفا في طريقة لعب منتخبنا وتجانسا في النصف الثاني من الميدان (لكي لا نبخس وليد حقه)، فباقي المباريات كانت عصيبة على المتتبع، كانت تغلب عليها العشوائية في بناء الهجوم، الكثير من الكرات الضائعة وتموضع غير مثالي للاعبين.
فبعدما كان وليد يصرح أن مشاكلنا قبل وخلال كأس العالم كانت هي دكة الاحتياط، التي لم تكن بنفس مستوى اللاعبين الأساسيين، واعترف الآن أن الحال تغير وأصبح لدينا العديد من الاختيارات حتى أصبح صعبا الاختيار بينها، إلا أنه لم يستغن عن بعض من قناعاته واعتماده على لاعبين غير جاهزين كأوناحي، أو يصعب عليهم التأقلم مع طريقة اللعب الجديدة كأمرابط الذي لم يوفر له وليد جميع الشروط التي تجعله في دوره كمحور ثابت يعتمد على قوته البدنية في استخلاص الكرة ووضع إلى جانبه محورا متحركا أو ما يسمى ب”Regista” لإخراج الكرة من الخلف إلى الأمام.
ومن اختيارات وليد التي أثارت العديد من التساؤلات، إشراك يوسف بلعمري، الذي تم استدعاؤه بعد مباراة النيجر لتعويض غياب حكيمي، أساسيا رغم تواجد أزنو في اللائحة الأولية. بما أن وليد يثق في بلعمري، الذي كان في الموعد على غرار التجمع السابق، لماذا لم يكن في اللائحة الرئيسية؟ كما أننا نعرف أن مزراوي، الذي لا يمكن أن يكون على دكة الاحتياط لأنه يلعب في مانشستر وقبلها بالبايرن حسب قول الركراكي، سيعود للرواق الأيسر عند رجوع أشرف، فلماذا لم يجرب الهلالي كظهير أيمن، بل أكثر من ذلك جعله يشاهد المباراة الأولى من المدرجات؟
فبعدما أضاع الركراكي ما يقارب سنة كاملة بعد كأس العالم ولم يشتغل على إيجاد حل للعب أمام منتخبات تنتظر الخصم في نصف ملعبها (تركن الباص في الخلف) وإصراره على خطة 4-1-4-1، جعلنا نعيش صدمة كأس إفريقيا والخروج من ثمن النهائي على يد جنوب إفريقيا ومدربها الذي أعطى درسا لوليد داخل رقعة الميدان وخارجها خلال الندوة الصحفية التي تعقب المباراة بعدما صرح بما مفاده “أنه لا يمكنك أن تلعب بخطة واحدة…”.
وعاد وليد بعد كأس إفريقيا وأضاع أكثر من سنة أخرى، كان من الممكن خلالها أن يجد خطة تتماشى مع خاصيات بروفايلات اللاعبين الذين نتوفر عليهم الآن، بروفايلات هجومية تعتمد على فنيات عالية على غرار كل من دياز، بنصغير، الزلزولي، الصيباري وغيرهم… وأخرى بدنية تستطيع أن تجعلك تستحوذ على وسط الميدان مثل الخنوس، بلحيان، ريتشاردسون، وترغالين…
فبعدما كان همنا الوحيد هو خط الدفاع، الذي لم يستطع الناخب الوطني إيجاد بديل فيه يستطيع اللعب إلى جانب أكرد بعد إصابة شادي رياض وإصراره في كل مرة المناداة على عبقار الذي أظهر قصوره عندما نلعب بدفاع متقدم وكذا تغاضيه المناداة على صلاح الدين مصدق حديث الصحافة المصرية بعد عروضه القوية، أصبحنا الآن نجد مشاكل في صناعة اللعب وإيجاد أوتوماتيزمات تناسب جودة اللاعبين الذين يزخر بهم منتخبنا.
هذا كله يجعلنا الآن نطرح أسئلة جعلت في هذه الإشاعة شيئا من الحقيقة، هل يستطيع وليد أن يقدم الإضافة المرجوة للمنتخب الوطني ونحن على بعد 7 أشهر من كأس إفريقيا، التي ستقام على أرضنا وأمام جمهورنا؟ هل مازال عند وليد ما يقدمه خصوصا وأنه أضاع أكثر من سنتين في إيجاد حلول تكتيكية أمام منتخبات إفريقيا؟ وبصريح العبارة هل يجب تغيير وليد أم يجب أن ننتظر إلى ما بعد الكان؟
أعتقد شخصيا أن آخر مباراتين للمنتخب الوطني أعطتنا جزءا من الجواب. فلقد رأينا منتخبا يفتقد لاعبوه إلى التجانس المطلوب مقارنة مع الإمكانيات البشرية التي يتوفر عليها، رأينا لاعبين لم يقدموا المرجو منهم لعدة أسباب منها تلك المرتبطة بهم وبجاهزيتهم وأخرى بمكانتهم في تشكيلة وليد التي لم تعد تناقش فلم يعملوا على تطوير أدائهم خوفا من فقدان مكانهم الأساسي وأصبحوا “كيجرو فرجليهم”.
وما زاد الطين بلة هو رجوع الركراكي، الذي حاول في تجمعات سبقت تغيير خطته إلى 4-2-3-1 أو 4-4-2، إلى خطة 4-1-4-1 في آخر مباراة بعدما دخله الشك عقب المباراة الأولى أمام النيجر، فترك أمرابط وحيدا بين خطي الدفاع والوسط فكان يجد صعوبة في إخراج الكرة.كما وضع النصيري، الذي لم تصله عرضيات الأجنحة إلا في مرة واحدة، كرأس حربة في خطة تعتمد على دفاع متقدم فلم يجد المساحات أمامه التي يجدها مع فريقه التركي.
فهذا كله يدل على أن وليد “رجع لداكشي لي كيعرف”، وبطريقة أخرى ابتعد عن ما لا يستطيع أن يقدمه ألا وهو الضغط العالي، الدفاع المتقدم والاحتفاظ الإيجابي بالكرة. فما الذي يجعلنا نتشبث بوليد على رأس المنتخب الوطني! فإلى يومنا هذا لم يستطع في خلق كرة هجومية تفك شفرة طبيعة كرة القدم الإفريقية الدفاعية، التي تعتمد كثيرا على الاحتكاك البدني، وأكثر من ذلك لم يستطع إبراز إمكانيات لاعبين يقال أنهم أفضل جيل مر على منتخبنا.
هل الاستغناء عن وليد الركراكي في هذا الوقت، قبل 7 أو 6 أشهر فقط، يعد انتحارا؟ فبالإضافة إلى كل ما تقدمنا به سابقا، أعتقد أن الماضي القريب كفيل بالإجابة عن هذا السؤال، ألم يعوض وليد نفسه وحيد خاليلوزيتش، الذي فاز أيضا بجميع مبارياته، قبل ثلاثة أشهر من نهائيات كأس العالم؟ أم أنه أصبح صعبا البحث عن بديل الآن؟ لا أظن، خصوصا وأننا نتوفر على مدرب برهن أنه يستطيع أن يلعب كرة هجومية، ولعب تحت قيادته ستة لاعبين من المنتخب الحالي خلال الألعاب الأولمبية الأخيرة وقدموا معه مستويات رائعة.
هل يستطيع طارق السكتيوي خلافة وليد في هذه الظرفية وفي هذا الوقت؟ كان الأمر سيكون صعبا لو أن طارقا لم يكن في دائرة المنتخبات الوطنية ولم يكن يعرف اللاعبين الحاليين في المنتخب، كما أنه كان مدربا في الفئات السنية لأكاديمية محمد السادس ويعرف جيدا اللاعبين الذين مروا منها سواء شخصيا أو من خلال التكوين الذي تلقوه، قبل أن يكون على رأس أندية وطنية وخاض معها تجارب محلية وقارية.
إذا كان الخبر مقدس فالتعليق حر. سواء كان خبر الاستغناء عن وليد الركراكي حقيقة أم إشاعة، فلم يعد الوقت كفيلا بكشف مدى صحته أو كذبه. فإما تصحيح الوضع الحالي وإيجاد حلول من داخل المجموعة تخرج المنتخب من حالة عدم الرضى والخوف التي تنتاب المتتبعين أو تغيير الربان ومحاولة استغلال ما تبقى من الوقت لتحضير النخبة الوطنية لكأس إفريقية طال انتظارها.