وقف الهجرة غير النظامية يُحمِّل المغرب كلفة باهظة
لم تنقطع خلال الأيام الأخيرة من السنة التي ودعتنا (2023) أخبار اعتراض وإبعاد السلطات المغربية للمهاجرين غير النظاميين، سواء الذين تكون وجهتهم جزر الكناري أو المهاجرين الذين يرغبون في المرور عبر السواحل الشمالية إلى مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين.
وكانت صفحة “فار ماروك” على موقع فايسبوك، قد أفادت أن القوات المسلحة الملكية، نفذت ليلة الأحد الماضي بمدن الناظور والمضيق والفنيدق، عدة عمليات اعتراض وإبعاد لمرشحين للهجرة غير النظامية، وذلك بتعاون مع السلطات المحلية وقوات الأمن.
عملية وحدات مراقبة الحدود أسفرت عن اعتراض ما مجموعه 935 مرشحا للهجرة غير النظامية، كانوا يستعدون للمغادرة نحو إسبانيا، من بينهم 175 شخصا على مستوى مدينة الناظور.
وأعاد تداول هذه الأخبار المتعلقة بدور المغرب في محاربة الهجرة غير النظامية، سواء في شمال المملكة أو في السواحل الجنوبية، النقاش حول كلفة لعب المغرب لدور “دركي الحدود مع الدول الأوروبية” على عدة مستويات خاصة المستوى الحقوقي والأمني.
مسؤولية ثقيلة
وفي هذا الصدد قال رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان، محمد بن عيسى، إن “المغرب لا يجب أن يتحمل لوحده كلفة محاربة الهجرة غير النظامية لكون هذه الظاهرة عابرة للحدود” مشيرا إلى أن “الدول الأوروبية فضلت توقيع اتفاقية تدبير الحدود من أجل عدم تعرضها للانتقاد على المستوى الحقوقي وأن تبقى التدخلات الأمنية في حق المهاجرين غير النظاميين متعلقة بدول الجنوب فقط”.
وأضاف الفاعل الحقوقي أنه “رغم لعب المغرب لدور الدركي واعتراض عمليات كثيرة للهجرة غير النظامية، إلا أن الدول الأوروبية مطالبة بإيجاد حلول جدرية لهذه الظاهرة من خلال معالجة مشاكل دول جنوب الصحراء سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو الأمنية، مبرزا أن “هذه الظاهرة لا يتوقف حلها على المغرب فقط”.
كلفة باهضة
وعن كلفة التزام المغرب بمسؤولية تدبير الحدود مع الجارة الأوروبية، أوضح بن عيسى أنه “منذ سنة 2014 اعتمد المغرب سياسة إيجابية في تعامله مع المهاجرين غير النظاميين مبنية على الجانب الحقوقي والإنساني” مستدركا أن “كلفة هذا التعامل الإيجابي تكون كبيرة ولا يستطيع المغرب تحمل وقعها خاصة على المستوى الأمني والاقتصادي والاجتماعي”.
وأشار المتحدث ذاته أن “الدعم الذي يتلقاه المغرب من دول أوروبا بخصوص موضوع تدبير الحدود يظل غير كافي مقارنة مع التكلفة الإنسانية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي تتطلبها مسؤولية تدبير الحدود مع القارة الأوروبية”.
وعن دواعي اعتماد الدول الأوروبية على المغرب في الحد من تدفق المهاجرين غير النظاميين نحو أوربا، أبرز الحقوقي ذاته أن “هذه الدول تخشى على صورتها وسمعتها الحقوقية مع المؤسسات الدولية والمنظمات والجمعيات الحقوقية” لافتا أن “الدولة التي تقبل التوقيع على مثل هذه الاتفاقيات المرتبطة بتدبير الحدود، تلقى في الغالب انتقادات كبيرة على مستوى سمعتها الحقوقية”.
فشل المقاربة الأمنية
واعتبر محمد بن عيسى أن “المقاربة الأمنية لوحدها فاشلة وعاجزة عن حل مشكل وقف الهجرة غير النظامية” داعيا إلى “ضرورة معالجة جدور المشكلة في دول المنبع أو الدول المصدرة للمهاجرين عوض الاعتماد على المغرب في وقف الهجرة غير النظامية وحماية وحراسة الحدود”.
وعن أوجه قصور المقاربة الأمنية، أكد رئيس المرصد المهتم بالشأن الحقوقي أن “المغرب مهما ما يقوم به من أدوار وجهود ومهما جَنَّد من إمكانيات ومهما تلقى من دعم وتمويلات، فسيظل دوره قاصرا في الحد من ظاهرة ذات بعد دولي” مسجلا أنه “كلما تطورت وسائل الحراسة والمراقبة، كلما طور المهاجر من إمكانياته وطرق تجاوزه لهذه القيود”.
الرضوخ للأمر الواقع
واعتبر بن عيسى في تحليله لأبعاد التزام المغرب باتفاقية تدبير الحدود أن “القوة عند الاتحاد الأوروبي، لذلك فهو الذي يفرض شروطه على المغرب” مشددا على أنه “رغم كون ظاهرة الهجرة غير النظامية لا ترتبط بالمغرب فقط بل ترتبط بقارة بأكملها، إلا أنه يظهر أن المغرب هو الذي يتحمل تبعاتها بشكل أكبر بما فيها سمعته على المستوى الحقوقي”.
وتابع المتحدث ذاته أن “المغرب منخرط منذ سنوات في سياسة تسمى سياسة تدبير الحدود والتي تجعله يكون بمثابة دركي لأوروبا مقابل العديد من الامتيازات في إطار ما يسمى بالوضع المتقدم” لافتا أن “مجموعة من دول شمال إفريقيا رفضت التوقيع على هذه الاتفاقية”.
وخلص رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان إلى أن “هناك امتيازات، لأن أي اتفاقية شراكة متعلقة بالجانب الاقتصادي أو الدعم المالي أو بالقروض أو حتى في المجال السياسي فهي مرتبطة أيضا بمدى قدرة الدولة المغربية وانخراطها في التعاون من أجل محاربة الهجرة غير النظامية”.