وسيط المملكة.. إليك مظلمتي!

في تقريره السنوي المطروح أمام أنظار جلالة الملك، قال حسن طارق أن مؤسسة الوسيط قامت بقراءة تحليلية لما شاب العلاقة بين الادارة والمرتفقين، وذلك سعيا منها للإصلاح.
وأقر التقرير ذاته، أن تحليل الشكايات والتظلمات المودعة برسم السنة، يعري على جملة من الاختلالات البنيوية والوظيفية التي تعيق تحقيق الفعالية المرفقية.
الشكايات والتظلمات منها ما خصت قطاع الصحة طبعا. الفعالية المرفقية.. هذا هو المبتغى!
قرأت التقرير، قبل أسبوعين، بعد أن أتممت 72 ساعة مناوبة، بالمركز الوطني المحروقين، لم أحقق فيها لا فعالية ولا نجاعة.
بمنطق الأرقام، كنا 3 أطباء بالمناوبة، 11 عشر ممرضا، و28 سريرا، ثلثاها شاغر.
حتى الآن تبدو الأرقام جيدة، ولا تحيل على ما يبرر انعدام الفعالية، سوى قلة كفاءة الكوادر، وسوء نواياهم، وكونهم جزارين، أنجاس، من ملة الكلب.
لكن في الواقع، كنا 3 أطباء، نداوم بمصلحة المحروقين بابن رشد، وبمركز المستعجلات للمستشفى عينه (وهي مصلحة أخرى)، نتنقل لمستشفى الأطفال وهو مستشفى ثان، من أجل المحروقين الصغار، ونتنقل لفحص المرضى بأي مصلحة أخرى في حال تم استدعاؤنا لذلك بالمستشفيات الجامعية الثلاث بالدار البيضاء.
أي أننا كنا نستنسخ تقريبا، حتى نوفر الرعاية اللازمة، أو نحبو لها. أما الأسرّة، فليست فارغة لندرة ضحايا الحروق، بل لأنها معفنة كلها. فكلما استلقى فوقها مريض دون جلد، التقط ما لم يعد بوسع مضاد حيوي واحد القضاء عليه.
وحتى تتضح لكم الصورة أكثر، دعوني أصف لكم غرفة إنعاش مثلا: غرفة بأربعة جدران، لا حمام فيها، يتوسطها سرير تنبعث منه رائحة النثانة إن دنوت نحوه، مبلل الملمس.
بجانبي الفراش، أجهزة ضبط المؤشرات الحيوية، معطلة منذ مدة طويلة. أي أنني قد أتلقى مريضا أكل الحريق جلده بأكمله، مضمدا من رأسه لأخمص قدميه، ولا يكون لي ولو جهاز واحد يدلني إن كان ضغط هذا المريض معتدلا، أو إن كان لا يزال له ضغط أصلا.
ضع جردانا محروقة فوق هذا السرير، وبهذه الغرف، وتأمل السرعة التي ستموت بها، هي التي اعتادت العيش بمجاري الصرف الصحي.
لما إذا نطالب بوضع مواطنين فوق هذه الأسرة؟
إلى متى سنرغم على حرمان شاب من أخته، وصبيان من أمهم، وأسرة من معيلها؟
أ السرير أغلى من أرواح رعايا الوطن؟
راسل المركز الإدارة المعنية مرات عديدة. مطالبات بتغيير الأسرة، بتوفير المعدّات، بتعويض الأجهزة المتلفة، أو صيانتها على الأقل… لكن لا مجيب.
نحن لا نريد نجوم السماء، فقط أسرة جديدة وأجهزة مراقبة واااااا العداااااو… نريد أسرّة جديدة نظيفة وأجهزة مراقبة تعمل.
قد يرى حسن طارق وطاقمه ممن ينظرون في المظالم، -في ملامحي- أنني عشرينية، اعتمدت في طلبها، على نمط حجاج توسلي وعاطفي، وغلبت على كتابتها نبرة وجدانية، تخلو من صيغ القانون والإحالات المؤسساتية.
بل قد تعتبر أنني أرى في الإدارة أو المرفق خصما.
وفي الواقع، لا يمكنني أن أعتبرها لا خصما ولاغريما. لأنني أنتمي إليها وطرف فيها. ولا أبحث من خلال سطوري هذه عن اعتراف، أو إثبات للمواطنة.
بل أطالب فقط بحل عاجل لهذه الأزمة، التي لا شك في كونها مرآة تعكس اختلالات السياسة العمومية.
أريد تدخلا … أريد حلا… أريد أن أمضي مناوبة واحدة دون أن يطحنني الشعور بالذنب، والأسوأ منه إحساس البارانويا، أتراني أسعف المرضى، أم أسرع في القضاء عليهم؟
ياعالم.. هذه مظلمتي، فهل من مجيب؟