واقعة “جود” تحيي الدعوات لتشديد الرقابة على ممتلكات الدولة وحماية المال العام

أثارت الأحداث التي تسببت فيها مؤسسة “جود للتنمية”، التابعة لحزب رئيس الحكومة عزيز أخنوش، بكل من مدينة سيدي إفني ومدينة ميدلت، موجة استنكار واسعة، بسبب ما اعتبره عدد من السياسيين والحقوقيين استغلالا لممتلكات الجماعات الترابية في توزيع مساعدات غذائية على عدد من الأسر الفقيرة، من أجل أغراض سياسية وانتخابية.
هذه الواقعة دفعت عامل إقليم سيدي إفني، الحسن صدقي، إلى توجيه رسالة لرؤساء الجماعات الترابية بالإقليم، محذرًا إياهم من استعمال سيارات وآليات الجماعة في أغراض حزبية أو انتخابية، باعتبارها مخالفة صريحة للقوانين المنظمة للعمل الجماعي.
استغلال فاضح
وتعليقا على الموضوع، أعرب المحامي بهيئة الدار البيضاء، نجيب البقالي، عن أسفه لاستغلال بعض رؤساء الجماعات في مناطق سيدي إفني وميدلت لممتلكات الجماعة في عملية توزيع قفف رمضان، التي أشرفت عليها مؤسسة “جود” التابعة لحزب التجمع الوطني للأحرار، معتبرا أن “هذا الاستغلال الفاضح للموارد الجماعية يشكل خرقًا صريحًا لنصوص القانون التنظيمي للجماعات 113-14”.
وأوضح البقالي، في حديثه لصحيفة “صوت المغرب”، أن الفصل 94 من هذا القانون ينص على أن رئيس الجماعة يتولى تدبير ممتلكاتها والمحافظة عليها، ويمنع استغلالها لغير المصلحة العامة، في حين يمنع الفصل 65 أي عضو جماعي من استخدام ممتلكات الجماعة لأغراض شخصية أو لتحقيق مصالح خاصة مرتبطة بمشاريعها.
وأضاف أن المشرّع منح لعامل العمالة أو الإقليم صلاحية توجيه استفسار لرئيس الجماعة أو نائبه أو أي عضو بالمجلس في حالة وقوع مثل هذه المخالفات، مع منحه مهلة عشرة أيام للرد، قبل إحالة الملف إلى المحكمة الإدارية للنظر في إمكانية عزله، وهي الآلية القانونية المعروفة بـ”مسطرة العزل”.
وأكد المتحدث أن عدداً من العمال في مختلف الأقاليم سبق أن اتخذوا إجراءات صارمة في حالات أقل خطورة من هذه المخالفة، التي وصفها بـ”الجسيمة”، مشيرًا إلى أنها تمس نزاهة العمل السياسي، “وتستغل حاجة الفئات الفقيرة لأغراض سياسية”.
وأوضح أن دور الجماعات لا ينبغي أن ينحصر في توزيع المساعدات بشكل انتقائي، وإنما يتجلى في وضع برامج اجتماعية واضحة ومؤسساتية لضمان العيش الكريم للمواطنين.
وشدد البقالي على أن رؤساء الجماعات المتورطين في هذه المخالفات ارتكبوا خرقًا صارخًا للقانون وضربوا بعرض الحائط قواعد العمل السياسي النزيه، مطالبًا وزارة الداخلية، بصفتها الجهة الوصية، بممارسة دورها الرقابي واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، بما في ذلك تفعيل مسطرة العزل في حق هؤلاء الرؤساء.
وتساءل عن مدى التزام حزب التجمع الوطني للأحرار بقواعد العمل السياسي النزيه، ومدى تأثير مثل هذه الممارسات على نزاهة الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، داعيًا إلى تدخل عاجل لحماية المسار الديمقراطي من أي استغلال سياسي غير مشروع.
مشهد مألوف
ومن جانبها قالت خديجة عيناني، نائبة رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إن استغلال أسطول السيارات في الجماعات الترابية بالمغرب يعكس حجم الفساد الذي طال مختلف القطاعات، بما في ذلك الجماعات الترابية.
وأوضحت عيناني أن بعض المنتخبين، خاصة رؤساء بعض الجماعات، يستغلون سيارات الدولة لأغراض شخصية أو حزبية، بعيدًا عن مهامهم الإدارية، مشيرة إلى أن هذه الظاهرة أصبحت مشهدًا مألوفًا، حيث يمكن رصد سيارات الجماعات مركونة أمام الأسواق والحمامات، أو مستعملة خلال العطل ونهايات الأسبوع، مما يعكس استغلالًا غير مبرر للموارد العمومية.
ورأت أن هذا الاستغلال المفرط يستنزف ميزانية الجماعات الترابية بشكل كبير، سواء من حيث اقتناء السيارات أو تكاليف صيانتها، إضافة إلى الإنفاق الضخم على المحروقات، الذي يتحمله المال العام دون أن يخضع لأي محاسبة حقيقية.
وأبرزت المتحدثة ذاتها، أن هذا الواقع يؤثر بشكل سلبي على أداء الإدارة العمومية، إذ يتم توجيه ميزانيات ضخمة نحو اقتناء السيارات والمحروقات، بينما تعاني الجماعات الترابية من نقص حاد في الموارد الضرورية لتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين، مثل تجهيز المرافق العمومية وضمان وسائل عمل مناسبة للإدارات.
وشددت عيناني على أن هذه الأموال كان من الأولى توظيفها لخدمة المصلحة العامة بدل إنفاقها في أمور غير مبررة، مؤكدة ضرورة فرض رقابة صارمة للحد من هذا الاستغلال، وحماية المال العام من الهدر غير المشروع.
شكل من أشكال الريع
ومن جهته، اعتبر عزيز أحلوى، الأستاذ الباحث في علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن استغلال أملاك الدولة لأغراض شخصية يعدّ شكلًا من أشكال الريع، إذ يستفيد منه البعض دون وجه حق ودون أي مقابل من الجهد أو العمل.
وأوضح أحلوى في حديثه لصحيفة “صوت المغرب” أن الريع، في جوهره، يرتكز على استغلال الصلاحيات والصفة الرسمية لتحقيق مكاسب شخصية، وهو ما يظهر في عدة مظاهر داخل الإدارات والمؤسسات العمومية.
وأشار المتحدث إلى أن من بين أشكال هذا الاستغلال، استخدام سيارات الدولة من طرف بعض المسؤولين والمنتخبين لأغراض شخصية، مثل نقل أفراد عائلاتهم أو قضاء حوائج خاصة، على الرغم من أن هذه السيارات مخصصة لخدمة المرفق العام، وتُموّل مصاريفها من أموال دافعي الضرائب.
وأضاف أنه إلى جانب ذلك، هناك بعض المسؤولين يستغلون مناصبهم للحصول على امتيازات غير مشروعة، مثل تجاوز الطوابير أو الحصول على خدمات خاصة لا يُسمح بها قانونيًا، مشيرا في الوقت ذاته، إلى التلاعب في فواتير البنزين، “إذ يتم بيعها لجهات خاصة رغم أنها مخصصة لمصالح الدولة”.
وفي مقارنة بالممارسات في الدول الديمقراطية، شدد أحلوى على أن التعامل مع استغلال المال العام في الدول الأوروبية مثلا يختلف بشكل جذري عما يجري في المغرب وعموم الدول النامية، مشيرًا إلى أن مجرد استخدام مسؤول عمومي لأموال الدولة في مصاريف شخصية قد يؤدي إلى فتح تحقيق قد ينتهي باستقالته أو إقالته.
وتجدر الإشارة إلى أن الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس وفي تعليقه على واقعة سيدي إفني، خلال الندوة الصحافية التي أعقبت المجلس الحكومي الخميس 13 مارس 2025، اكتفى بالقول: “القضايا ذات الطابع السياسي سنجد الفضاء الأمثل للتفاعل معها”.