هل يحفّز محور الجزائر-تونس انضمام المغرب للناتو؟

كتبت قبل سنتين مقالا نشر على صفحات موقع “صوت المغرب”، قلت فيه إن على المغرب أن يسعى للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وإن هذا استنتاج موضوعي يتعارض مع قناعاتي الشخصية المتعلقة بضرورة انفتاح المغرب على الشرق، وتعزيز علاقاته معه على مختلف المستويات وخصوصا الاقتصادية والثقافية والسياسية منها، بينما يبقى الجانب الدفاعي والأمني مرهونا بتاريخ وإرث وتقاليد طويلة من التنسيق مع القوى الغربية. وبالتالي لن يكون من الحكمة إجراء تغيير جذري في هذا المعطى خصوصا في هذه المرحلة المضطربة من تاريخ العالم.
واليوم، يبدو لي أن هذا المطلب صار ملحا أكثر من أي وقت مضى، وأن الخطوات الدفاعية التي اتخذها المغرب سواء منها تلك المتعلقة بتعزيز علاقاته مع الولايات المتحدة، وتوسيع مشترياته من الأسلحة والتجهيزات من طائرات F-35 وأنظمة الدفاع الجوي باتريوت وغيرها، أو تلك المتعلقة بنقل التكنولوجيا الدفاعية المتعلقة بالطائرات المسيّرة، مع تركيا أو الهند أو إسرائيل، صار لها (تلك الخطوات) ما يبررها وبقوة، في ظل التحالف العدواني الذي يتشكل تدريجيا بين قوى الشر المجاورة سواء في الجزائر أو تونس .
لقد وقّع النظامان العدوانيان المجاوران للمغرب قبل أربعة أيام، على اتفاق شامل للدفاع المشترك، يبدو واضحا من خلال ما تسرب من بنوده أنه موجه ضد المغرب كدولة وضد المغرب كقوة إقليمية في شمال إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط، وكقوة قارية من خلال الصعود الذي نجح المغرب في تحقيقه إفريقيا. كما أن التحالف التونسي-الجزائري الجديد يحاول قطع الطريق على أي تنسيق مغربي ليبي، ومغربي مصري، بعد الجهود المهمة التي ما فتئ المغرب يقوم بها لتعزيز العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف مع تلك الدول.
وإذا كانت العداوة الجزائرية التاريخية اتجاه المغرب تجعل موقف الجزائر متوقعا، فإن من الواضح أن تونس التي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة، وأزمة سياسية نتجت عن عودة الاستبداد وسنوات الرصاص بقيادة قيس سعيد، تحتاج معها وبسرعة لدعم الجزائر للخروج من أزمتها الاقتصادية والأمنية ذات الأسباب الداخلية المحضة، بعدما صارت القيادة التونسية منبوذة دوليا على المستويات السياسية والاقتصادية والحقوقية.
إن قيس سعيد بانخراطه شخصيا، وجره تونس لهذا المستنقع، يبدد الرأسمال المادي والمعنوي لتونس في مقامرة سيصبح من الصعب عليها الخروج منها. وقد كان على قيس سعيد أن يأخذ الدرس مما جناه جيران الجزائر الجنوبيين والغربيين من تعاملهم مع الدولة الجزائرية الخاضعة للعسكر .
وماذا الآن؟ كيف يفترض أن يتعامل المغرب مع هذه المستجدات التي تنبئ بتطورات مستقبلية غير حميدة؟
في تصوري يحتاج المغرب أولا لاتخاذ كل الخطوات لتوحيد الجبهة الداخلية ورص الصفوف ونزع الفتائل التي من شأنها زرع الفتنة وعدم الاستقرار. ويتطلب الوضع من الدولة ومن الحكومة اتخاذ قرارات عاجلة وجريئة ذات طابع سياسي واجتماعي واقتصادي، ومراجعة مجموعة من الخطوات التي تعاكس هذا المسعى .
أما خارجيا فيحتاج المغرب لتحيين وتعزيز ومراجعة علاقاته الدبلوماسية والدفاعية والسياسية والاقتصادية، شمالاً وجنوبا وغربا، ولكن أيضا وخصوصا شرقا.
شمالا، ومن خلال تعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي بشكل عام، ومجموعة 5+5، وخصوصا دول مثل إسبانيا وفرنسا والبرتغال وإيطاليا، وإذا كانت الدول الثلاث الأولى قريبة من المغرب أكثر من التحالف الجزائري التونسى المشبوه، فإن إيطاليا ولأسباب اقتصادية مرتبطة بالحاجة إلى الغاز الجزائري، واجتماعية مرتبطة بملف الهجرة التي تنطلق من شواطئ تونس، تجد نفسها مضطرة للاقتراب منهما والحد من تطور علاقاتها مع المغرب، وكلنا نتذكر تصريحات الرئيس الإيطالي المستفزة اتجاه المغرب خلال زيارته الجزائر قبل بضع سنوات. وعليه لا بد للمغرب من إيجاد استراتيجية وأرضية مشتركة مع هذا البلد، بشكل مباشر أو غير مباشر عبر أطراف أخرى مثل الولايات المتحدة وإسرائيل.
وجنوبا، يتمتع المغرب بعلاقات ممتازة مع دول غرب إفريقيا، باستثناء موريتانيا التي لا تزال تراوح مكانها بين مصالحها الاقتصادية والتجارية المرتبطة بالمغرب ومخاوفها الأمنية المتعلقة بالاختراق الجزائري وخطر زعزعة استقرار البلاد أو دعم انقلاب عسكري يعيد رسم اصطفافات نواكشوط الإقليمية، بينما تعتبر العلاقات مع باقي الدول جيدة وتشتمل على قواسم مشتركة للتنسيق والتعاون على مختلف الأصعدة، وفي مقدمتها التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري والأمني.
وتعتبر المبادرة الأطلسية وأنبوب الغاز نيجيريا المغرب، والاستثمارات المغربية الخالصة، والمغربية -الفرنسية المشتركة، أهم الرافعات التي ستساعد المغرب على إقبار الطموح الاستراتيجي العدواني الجزائري-التونسى فى المنطقة .
أما شرقا فإن الجهود التي يبذلها المغرب لتعزيز علاقاته مع كل من ليبيا ومصر وتركيا تحتاج (هذه الجهود) إلى المزيد من التزكية وتوفير الإمكانيات المادية والبشرية وبلورة برامج حقيقية مبنية على المصالح المشتركة للمغرب مع هذه البلدان .
بقي أن نتكلم عن الدور العربي بشكل عام والخليجي بشكل خاص في هذا الصدد. ويشكل التحالف الجزائري التونسي بشكل واضح تهديدا للاستثمارات الخليجية وخصوصا السعودية والإماراتية منها في المنطقة، ولذلك وجب التداول مع هذين البلدين الشقيقين حول وسائل مواجهة هذه المستجدات .
أما فيما يتعلق بالتعاون السياسي والعسكري والاستخباراتي مع إسرائيل، فدعونا نقول إنه رهين بما ستعرفه الساحة الفلسطينية من مستجدات، وفي حال توصل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي لاتفاق لإنهاء الحرب وتثبيت السلام، فإنه سيكون على المغرب تقدير بنود التعاون مع تل أبيب وفق ما تمليه المصلحة الوطنية العليا .
وفي النهاية لا بد من التعريج على دور إيراني محتمل في الاتفاق العسكري الجزائري التونسي، على اعتبار أن الجزائر متورطة أصلا في علاقات مشبوهة مع إيران في السعي نحو زعزعة استقرار منطقة شمال إفريقيا، وبالتالي لن يكون مستغربا أن يحظى الاتفاق المذكور بدعم سياسي ولوجستي من طرف طهران .
لست أدري ما إذا كان الانضمام للحلف الأطلسي سيحل جميع مشاكل المغرب الأمنية؟ لكنه على كل حال كفيل بهذا الذي بين أيدينا… مجرد سؤال.