هل سافرت الحكومة؟
لا يمكن لأي شخص في المغرب أن يفتح وسائل التواصل الاجتماعي دون أن يواجه أصداء غلاء أسعار معظم المواد التي يستخدمها المواطن العادي.
ارتفاع في أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء والأسماك والخضر والفواكه ومواد أخرى متعددة. حيث وصلت أسعار الدجاج وسمك السردين في عدة مناطق مغربية إلى سقف الثلاثين درهما للكيلوغرام الواحد، في حين كان هذان المنتوجان المصدر الرئيسي للبروتينات بالنسبة للكثير من المغاربة محدودي الدخل.
كما ارتفعت أسعار جل الخضر في الأسواق المغربية، مما دفع الكثير من المواطنين إلى اقتناء حبة واحدة من الخضر لتأثيث أطباقهم، واكتفاء آخرين بالسؤال عن ثمنها والمضي إلى حال سبيلهم.
فيما هناك أصداء عن ترقب موسم سيء في مجال الزيتون وزيته، مما سيضر بحياة آلاف المزارعين الذين يعيشون من محصولهم من الزيتون.
لكن المثير هو توقف الحكومة عن الخروج لتبرير الارتفاع الصاروخي للأسعار. نفس الحكومة التي أسرفت في التواصل مع المغاربة خلال الحملة الانتخابية وقبلها. بل جعلت من التواصل مع المواطنين إحدى أهم النقاط في برامجها.
يشعر العديد من المواطنين أن الحكومة قد تخلت عن أحد أدوارها الأساسية: التفكير الخلاق في حلول لجعل حياة المغاربة أفضل، والانطلاق في تنفيذ هذه الحلول؛ والتفاعل مع متغيرات السوق وتفسير هذه المتغيرات للمواطن واقتراح سبل لمواجهتها.
لكن ما نراه هو تركيز الحكومة على تنزيل مشاريع قوانين لا تساهم في جعل حياة المواطن أيسر لا من قريب ولا من بعيد. كما نراها تركز على تنزيل المشاريع الملكية الاستراتيجية التي لم تساهم في تصورها ولا أجرأة أهدافها.
بنفس النفس الذي رأينا به الدولة تتحرك خلال فترة جائحة كورونا لمراقبة الناس والأسواق، أليس حريا بها أن تقوم بنفس الشيء خلال هذه الفترة لمواجهة جائحة غلاء الأسعار؟ هل تعتبر الحكومة أن عليها الإبقاء على حياة المواطن وحمايتها من الأوبئة، لكن لا تعتبر من مسؤولياتها حمايته من تقلبات الأسواق؟ ولمن يقول إن الحكومة لم تعد تتحكم في الأسواق، فالجواب هو أن حتى في أشد الدول رأسمالية، نجد قوانين صارمة ضد الاحتكار، والرفع من الأسعار بشكل كبير، وحماية القدرة الشرائية لمواطنيها.
مستوى آخر من تخلي الحكومة عن مسؤولياتها تجاه المواطن تكمن في الأزمة المركبة للماء في المغرب، والتي دفعت إلى تخصيص جزء مهم من خطاب العرش لسنة 2024 لأزمة الماء، والتي نبهنا إليها في وقت كانت تتغنى الحكومة بقليل من الأمطار التي تساقطت في ربيع هذه السنة.
مدن كبيرة متعددة تعاني من انقطاع المياه لأيام متتالية، وأخرى تعاني من قطع المياه لساعات متواصلة من كل يوم. مثلا، في مدينة الدار البيضاء، قلما يجد المواطنون مياها في صنابيرهم بعد الثانية عشر ليلا، خصوصا من هم في طوابق مرتفعة من العمارات.
ألم تستطع كفاءات الحكومة أن تجد حلولا عملية لإعادة إحياء الفرشة المائية في مناطق المغرب، خصوصا مع غزارة التجارب العالمية في هذا المجال؟ ألا تستطيع الحكومة جعل هذا المجال ورشا لتعبئة الشباب المغربي من أجل الانخراط في مشروع يعود بالنفع على الوطن، والدفع بثقافة التطوع إلى الأمام، كما كان الشأن قبل أزيد من 60 سنة في مشروع طريق الوحدة؟ هل على المواطن مجابهة الجفاف الحاد بوسائله الذاتية، إلى حين الانتهاء من المشاريع الاستراتيجية التي انخرط فيها المغرب كدولة؟
هذا الصمت الرهيب الذي يأتي من حكومة سوقت لنفسها أنها حكومة الكفاءات يدفع الكثيرين إلى التساؤل عما إذا كان أعضاؤها قد سافروا في عطلة وتركوا حياة المواطنين معلقة إلى حين عودتهم. غير أن السير الطبيعي للبلد لا يقبل الانتظار ويفرض على المسؤولين التجاوب اليومي مع متطلباتهم، وإلا فلا يمكن للمسؤولين الاستمرار في الادعاء بأنهم يشتغلون لصالح المواطنين، وأن يقروا بأنهم فشلوا في كل ما وعدوا به الناخبين عندما أرادوا استجداء أصواتهم الانتخابية.