story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

هل تُكتب نهاية النظام العالمي في مضيق تايوان؟

ص ص

ثمة لحظات في التاريخ لا تُعلن عن نفسها بضجيج المدافع، بل بعبارة واحدة تُقال في توقيت بالغ الحساسية. عبارة قد تبدو، في ظاهرها، توصيفا أمنيا عابرا، لكنها حين تُقرأ في سياق الذاكرة التاريخية، والجغرافيا الاستراتيجية، وتوازنات القوة، تتحول إلى شرارة كامنة لإعادة ترتيب المشهد.

  1. كسر المحرّم الياباني وإعادة التموضع الجيوسياسي

لا يندرج تصريح رئيسة الوزراء اليابانية، “ساناي تاكايتشي”، بأن أي هجوم على تايوان يُعد «تهديدا وجوديا لليابان»، ضمن قاموس القلق الظرفي، بل ينتمي إلى لغة إعادة التموضع الجيوسياسي؛ لغة تُغلق فصلا كاملا من الغموض الاستراتيجي وتفتح آخر لا تزال ملامحه مضطربة ومفتوحة على كل الاحتمالات. والخطأ هنا لا يكمن في الإجابة عن سؤال افتراضي بقدر ما يكمن في الإصرار على تثبيت الموقف وعدم التراجع عنه، وهو ما يمنح التصريح طابعا مقصودا لا عفويا، ويشير إلى كونه جزءا من توجه معد سلفا لا زلة لسان. فتاكايتشي ليست بعيدة عن التيارات اليابانية الأكثر تشددا في ملف الأمن الإقليمي، ولا عن الدوائر الداعمة لاستقلال تايوان، ما يجعل التصريح أقرب إلى “إعلان نوايا مبكر” يعكس تحولا بنيويا في تموضع اليابان داخل معادلة الصراع في شرق آسيا، أكثر منه مجرد تقدير آني لمخاطر محتملة.

أتقنت اليابان منذ هزيمتها عام 1945، فن «الصمت الاستراتيجي» بوصفه خيارا واعيا لا تعبيرا عن ضعف، إذ أدركت مبكرا أن قوتها الحقيقية تكمن في الغموض المحسوب، وفي ترك الآخرين يتجادلون بالنيابة عنها بينما تراكم هي عناصر القوة بهدوء. وحتى في ذروة التوترات المرتبطة بتايوان أو ببحر الصين الشرقي، حافظت طوكيو على خطاب منخفض السقف، تمسك العصا من المنتصف، وتتجنب عمدا الربط العلني بين أمنها القومي ومستقبل تايوان، وعيا بحساسية الجغرافيا التاريخية وثقل الذاكرة الصينية. ومن هذا المنظور، لا يبدو التصريح الأخير مجرد انزلاق لغوي أو خروج عابر عن المألوف، بل كسرا مقصودا لأحد المحرمات غير المكتوبة في السلوك الاستراتيجي الياباني، وهو محرم عجز عن تجاوزه رؤساء الوزراء المتعاقبون طوال عقود ما بعد الحرب العالمية الثانية. وحتى “شينزو آبي”، رغم نزوعه القومي الواضح وسعيه الدؤوب لإعادة تأهيل الدور العسكري لليابان، ظل وهو في موقع المسؤولية حذرا من الذهاب إلى هذا الحد. ففي أزمة جزر سينكاكو عام 2010، عندما اصطدمت سفينة صيد صينية بسفن خفر السواحل الياباني وبلغ التوتر مستوى غير مسبوق، اكتفت طوكيو بتأكيد سيادتها والدعوة إلى ضبط النفس، وتكرر النهج ذاته في أزمة 2012 عقب قرار “تأميم” بعض الجزر المتنازع عليها وما رافقه من احتجاجات واسعة في الصين وقطيعة سياسية مؤقتة؛ ورغم حدة تلك اللحظات، حافظ الخطاب الرسمي الياباني على سقف محسوب، وتجنب الخوض في سيناريوهات التدخل العسكري أو توصيف التهديد بلغة وجودية، ما يجعل التحول الحالي أكثر دلالة من مجرد تصريح عابر، وأقرب إلى إعلان نهاية مرحلة كاملة من الصمت المدروس.

2. تايوان في الذاكرة الصينية: حين يعود التاريخ من بوابة الأمن

    ويزداد المشهد التباسا حين تُستقبل هذه التصريحات في بكين لا بوصفها لغة أمنية حديثة، بل كصوت قادم من القبو الجيوستراتيجي للتاريخ. فمصطلحات من قبيل «التهديد الوجودي» و«الدفاع الاستباقي» لا تمر في الوعي الصيني كتعابير تقنية محايدة، بل تُستحضر بوصفها إشارات إنذار ارتبطت بلحظة اختلال عميق في ميزان القوى بشرق آسيا أواخر القرن التاسع عشر، حين نجحت اليابان الصاعدة، عبر الحرب اليابانية–الصينية الأولى (1894–1895)، في كسر النظام الإقليمي التقليدي القائم على مركزية الصين، وانتزاع تايوان، وإعادة رسم خرائط النفوذ البحري في بحر الصين الشرقي وغرب المحيط الهادئ. تلك الهزيمة لم تكن عسكرية فحسب، بل شكّلت سقوطا جيواستراتيجيا مدويا فجّر إدراكا صينيا مؤلما بأن المجال الحيوي التاريخي بات مكشوفا لقوة صناعية حديثة تتحرك بمنطق إمبراطوري صاعد، وتعيد تعريف قواعد القوة والسيادة في الإقليم على حساب الصين.

    ضمن هذا المسار، لم يكن غزو تايوان حدثا عارضا في مشروع اليابان الإمبراطوري، بل لبنته التأسيسية بعد إصلاحات “ميجي”، إذ تحولت الجزيرة بين 1895 و1945 إلى ركيزة مركزية في التوسع الياباني. وعلى امتداد عقدين من التمردات والمقاومات، نجحت طوكيو في فرض سياسة دمج عميقة جعلت النخب التايوانية المتعلمة تتداول باللغة اليابانية وتندمج في الفضاء الإداري والثقافي للإمبراطورية. ومن تايوان، التي أدركت اليابان مبكرا قيمتها كقاعدة بحرية متقدمة، أُديرت لاحقا عمليات التمدد نحو كوريا، ثم نحو الفلبين وهونغ كونغ والهند الصينية، بعدما تحولت الجزيرة إلى عقدة لوجستية وعسكرية لإزاحة النفوذ الصيني وخنق سواحله، وإلى ما يشبه «حاملة طائرات غير قابلة للغرق» قبل أن تُصك هذه التسمية لاحقا في القاموس العسكري الأميركي. لذلك، حين عاد الجرس ليقرع بعنف أشد في ثلاثينيات القرن العشرين، مع غزو منشوريا ثم حرب 1937، لم يُقرأ التوسع الياباني في المخيال الصيني كحرب تقليدية، بل كمشروع لإخضاع الصين وكسر إرادتها الاستراتيجية وتحويلها إلى فضاء تابع داخل نظام آسيوي تقوده طوكيو، لتغدو “نانجينغ” رمزا لا لسقوط مدينة فحسب، بل لجرح سيادي مفتوح في صراع طويل على الكرامة والمجال الحيوي، جرح لم تندمل آثاره حتى اليوم.

    3. الماضي غير المحسوم: إرث الإمبراطورية اليابانية وحدود المصالحة المؤجلة

    لا تُفهم زيارات المسؤولين اليابانيين لضريح “ياسوكوني” في الوعي الآسيوي بوصفها طقوسا دينية أو شأنا داخليا محضا، بل تُقرأ كإشارة سياسية كثيفة الدلالة على غياب اعتراف صريح بجرائم الماضي وغياب الاعتذار عنها. فبعكس النموذج الألماني، الذي واجه هزيمته في الحرب العالمية الثانية باعتراف كامل ومسار طويل من المحاسبة الأخلاقية والسياسية، ظل تعامل اليابان مع إرثها الإمبراطوري انتقائيا وملتبسا. هذا المسار لم يكن منفصلا عن السياق الدولي لما بعد الحرب؛ إذ اختارت الولايات المتحدة، في ذروة الحرب الباردة، غض الطرف عن هذا الملف، مفضلة تحويل اليابان إلى قاعدة خلفية متقدمة لكبح المد الشيوعي في شرق آسيا، حتى وإن جاء ذلك على حساب تسوية تاريخية شاملة مع ضحايا الاحتلال. وساهمت عوامل داخلية في تكريس هذا النهج، من بينها ثقل التقاليد الكونفوشيوسية التي تضع إدانة الأسلاف في خانة المحرمات، وما رافق ذلك من سجالات طويلة حول المناهج المدرسية، حيث اتجهت صيغ عديدة إلى التبرئة أو التخفيف بدل الاعتراف بالمسؤولية، وهو ما يقرأه الكوريون والصينيون بوصفه إنكارا مقنعا يراكم الاستياء ولا يبدده. ويزداد هذا الشعور حدة مع بقاء بنية الحكم نفسها إلى حد بعيد، إذ ظلت عائلات ونخب كانت حاضرة قبل الحرب وخلالها في قلب السلطة بعد 1945، في استثناء لافت مقارنة بما جرى في ألمانيا أو إيطاليا، بينما كُتب الدستور الياباني بصياغة أميركية لا تعكس بالضرورة سردية يابانية نقدية للماضي، بل تندرج ضمن ترتيب استراتيجي حوّل العدو السابق إلى حليف يحتاج، سياسيا وأخلاقيا، إلى قدر من التبييض، خصوصا في ظل عقدة القصف النووي التي تجعل واشنطن نفسها حذرة من فتح ملف شامل لجرائم الحرب.

    4. من السلم الدستوري إلى الردع الاستباقي: تحوّل العقيدة والقدرة العسكرية اليابانية

    ضمن هذا الإطار التاريخي المعلق، جاء مسار إعادة تأويل الدستور، ولا سيما المادة التاسعة، بوصفه تفكيكا بطيئا لتعويذة السلم التي وُضعت فوق الجسد الياباني بعد الهزيمة. فالمادة لم تُعدل رسميا، لكنها خضعت لتفسير متدرج، ثم توسيع قانوني، ثم التفاف مؤسسي، أفرغها تدريجيا من مضمونها الأصلي. وفي قلب هذا التحول، برزت العبارة المفضلة لدى البيروقراطية الأمنية: «قدرات الضربات المضادة»، وهي صيغة لغوية ناعمة تخفي استعدادا عمليا للضربة الاستباقية. وتبرر طوكيو هذا التحول بخوف استراتيجي عميق من صعود صيني لا يُقاس بالاقتصاد وحده، بل بوتيرة بناء الأساطيل، وكثافة اختبار الصواريخ، وتحول المناورات حول تايوان من استثناء مقلق إلى ممارسة شبه روتينية. هنا، لم تعد اليابان تفكر بعقلية حراسة الشواطئ أو الدفاع السلبي، بل بعقلية إدارة مسرح عمليات واسع، حيث الزمن أقصر، والمسافة أطول، والخطأ أكثر كلفة، في بيئة إقليمية يتآكل فيها الخط الفاصل بين الردع والاستباق.

    وتتكامل هذه الانعطافة العقائدية مع تحول مادي غير مسبوق منذ عام 1945. فإقرار ميزانية دفاع قياسية تتجاوز 55 مليار دولار، مع خطة لرفع الإنفاق إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2027، لا يمثل مجرد تعديل تقني في الأرقام، بل كسرا واعيا لقاعدة الـ1% التي كانت، لعقود، تجسيدا لهوية اليابان السلمية. الأهم أن طوكيو لم تعد تحصر خياراتها في منظومات دفاعية صرفة، بل تبني بهدوء طيفا متكاملا من القدرات الهجومية: صواريخ بعيدة المدى يصل مداها إلى نحو  1600 كيلومتر، أنظمة فرط صوتية، صواريخ مضادة للسفن، واستثمارات كثيفة في الفضاء، والحرب السيبرانية، والأنظمة غير المأهولة. طبقة فوق طبقة، يتشكل صندوق أدوات هجومية كامل، بصمت يشبه الهمس الذي يسبق العاصفة. لم يعد السؤال كيف تدافع اليابان عن جزرها، بل كيف تستعد لمعارك قد تُخاض بعيدا عنها، بسرعة خاطفة، وفي مسارح عمليات لا تشبه حروب الأمس. هنا يتضح أن اليابان لا تغير سلاحها فحسب، بل تعيد تعريف ذاتها الأمنية، خطوة محسوبة بعد أخرى، في قطيعة هادئة مع إرث ما بعد الحرب.

    5. تايوان عقدة الصراع الكبرى: الجغرافيا، وحافة سوء التقدير

    يزداد هذا التحول ثقلا حين تُستدعى عقدة تايوان التاريخية والجيوسياسية. فالجزيرة، التي شهدت تحت الحكم الياباني مستويات عالية من التنظيم والبنية التحتية، تُستحضر في الوعي الصيني لا كشهادة نجاح إداري، بل كدليل على خطورة أي حنين إمبراطوري مغلف بالاقتصاد والتنمية. الازدهار، في هذه الرواية، ليس بريئا، بل وظيفة ضمن مشروع توسعي أوسع. ومنذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، حين صاغ “دوغلاس ماك آرثر” التصور الأمريكي لمكانة تايوان، ترسخت فكرة أنها ورقة مزدوجة: يمكن لليابان وحلفائها توظيفها استراتيجيا ضد الآخرين، لكنها في الوقت ذاته قد تتحول إلى منصة تهديد ضد اليابان نفسها، التي تبعد عنها نحو 120 كلم، فيما تبعد عن الصين نحو 130 كلم، وبذلك تحتل موقع القلب في شبكة قواعد أمريكية ممتدة على طول سواحل الصين، من اليابان وكوريا الجنوبية شمالا إلى الفلبين جنوبا، ضمن ما يعرف بسلسلة الجزر الأولى. هذه السلسلة تعمل كقفل بحري يحاصر البحرية الصينية داخل بحارها القريبة؛ وكسره، عبر السيطرة على تايوان، يعني فتح الطريق إلى المحيط الهادئ، والتحكم في مضيقي “مياكو” و”باشي”، وتغيير قواعد اللعبة البحرية برمتها. عندها تصبح خطوط الإمداد اليابانية، التي يعتمد اقتصادها على البحر لتأمين معظم احتياجاته الحيوية، مكشوفة بصورة غير مسبوقة. ومن هذا المنظور، يبدو القلق الياباني أقل مبالغة مما يُتهم به، لكنه في الوقت نفسه أكثر خطورة مما يُقال علنا، لأنه يتصل بجغرافيا لا تعرف الحلول الوسط، وبصراع يتجاوز الجزيرة ليطال ميزان القوة في غرب المحيط الهادئ بأكمله.

    الولايات المتحدة حاضرة في قلب المشهد، ولكن بصمت مدروس. وجودها العسكري الكثيف في اليابان، إلى جانب شبكات تحالفها البحرية الممتدة عبر غرب المحيط الهادئ، يجعل أي صدام حول تايوان تماسا مباشرا معها، حتى لو حاولت واشنطن نظريا البقاء خارج المواجهة. صحيح أن التفوق الأمريكي لم يعد مطلقا كما كان في العقود الماضية، غير أن بنية التحالفات، والسيطرة النسبية على الممرات البحرية الحيوية، ما تزال تمنحها قدرة عالية على التعطيل السريع وإدارة التصعيد. هذا الواقع يغذي قناعة متنامية في طوكيو بأن مصيرها الاستراتيجي بات متشابكا عضويا مع مصير الجزيرة، وأن الفصل بين أمن اليابان ومستقبل تايوان لم يعد ممكنا في الحسابات العملية. وفي الخلفية، تدير واشنطن هذا المشهد ببراغماتية باردة: تخفف القيود القانونية والسياسية، وتشارك التكنولوجيا الحساسة، وتدمج اليابان في القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية، وتعيد توزيع الأدوار داخل منظومة الردع. فما جرى مع كوريا الجنوبية، لجهة تمكينها تدريجيا من مسار الغواصات المتقدمة ذات البعد النووي، ليس استثناء، بل نموذجا يُحتذى. فالولايات المتحدة لا ترغب في مواجهة مباشرة مكلفة، لكنها لا تمانع أن يتحمل الحلفاء العبء الأولي للصدام، سياسيا وعسكريا.

    غير أن لهذا المسار كلفة تتكشف سريعا. بدأت اليابان تشعر بارتداداته الاقتصادية والاجتماعية: تراجع في السياحة، انكماش في التبادل البشري، وضغوط متزايدة على قطاعات حيوية. والصين، من جهتها، لا ترد بالصواريخ، بل بالأرقام؛ رحلات تُلغى، واردات تُحظر، ومنتديات تُجمد، وتشابك اقتصادي بقيمة تقارب 300 مليار دولار يتحول إلى أداة ضغط فعالة. وفي لحظة مألوفة من السلوك الأمريكي، يتبدل الخطاب من تشجيع ضمني على التشدد إلى دعوات لخفض التوتر، تاركا الحليف في الواجهة يتحمل كلفة الاندفاع. وفي المقابل، تواصل بكين لعبتها المفضلة: السعي إلى الفوز من دون قتال، وفق منطق “سون تزو”. فالاستعراضات العسكرية ليست هدفا بحد ذاتها، بل وسيلة لإخضاع تايوان دون إطلاق رصاصة واحدة، عبر مفاوضات طويلة وعروض مصممة لتكون مغرية إلى حد يصعب رفضه. غير أن تصريحات رئيسة الوزراء اليابانية جاءت لتقوض هذا المسار، إذ شجعت قطاعات واسعة داخل تايوان على تجنب التفاوض والرهان على دعم طوكيو وواشنطن في حال اللجوء إلى القوة. بذلك، لا تُضعف هذه التصريحات الاستراتيجية الصينية للتسوية السلمية فحسب، بل تدفع بكين إلى ردود فعل أشد، كان أبرزها المطالبة بالاعتذار، في إشارة سياسية لا تخلو من رغبة في الضغط لإعادة خلط الأوراق داخل طوكيو نفسها.

    على سبيل الختم

    هكذا يبدو شرق آسيا واقفا على حافة شديدة الدقة، حيث يتأرجح المستقبل بين ردع هش قابل للانكسار وسوء تقدير قد يكون قاتلا. اليابان تغادر بهدوء منطقة الراحة التي استقرت فيها منذ 1945، مدفوعة بإحساس متصاعد بالتهديد الوجودي، والصين ترى الطوق الجغرافي والسياسي يضيق حول مجالها الحيوي، فيما تعيد الولايات المتحدة ترتيب المسرح من الخلف، موزعة الأدوار ومحسوبة المخاطر. في هذا السياق، لم يعد السؤال الجوهري من سيطلق الشرارة الأولى، بل من سيخطئ الحساب في لحظة توتر قصوى، ومن سيفشل في قراءة نيات الآخرين بدقة. فالمشهد يتجه من توازنات صامتة قامت طويلا على الغموض وضبط النفس، إلى سياسات قوة أكثر صراحة وأقل تسامحا مع الالتباس. ويبقى السؤال الأكبر مفتوحا على قلق عميق: هل تستطيع المنطقة، ومعها نظام دولي مثقل بأزمات متراكمة، تحمّل صدمة كبرى جديدة، أم أن تايوان ستتحول إلى الاختبار الفاصل لقدرة القرن الحادي والعشرين على تفادي إعادة إنتاج مآسي القرن العشرين بصيغة أشد تعقيدا واتساعا؟