هل تحقق الكرة للمغرب ما فشلت فيه السياسة والاقتصاد؟
يخوض المغرب غمار بطولة كأس افريقيا للأمم وقد جعل من هذه اللعبة رهانه الجديد لتحقيق ما عجزت عنه السياسة وفشل فيه الاقتصاد، أي تحقيق طفرة في التنمية الاجتماعية والنمو بما يسمح للمغرب بتحسين تموقعه الإقليمي والدولية وتجاوز اختلالات نموذجه التنموي. أبعاد جعلت مجلة “لسان المغرب” تخصص غلاف عددها الجديد لهذا الموضوع.
رهانات وطموحات تقفز فوق مدرجات الملاعب لتلامس سماء الأحلام والتطلعات الوطنية الكبرى، في النهوض والتقدم واللحاق بالأمم المتطورة، من خلال مشاريع ضخمة وبنيات تحتية عملاقة وحركية اقتصادية مضاعفة وانخراط أكبر في الديناميات الاقتصادية العالمية…
هكذا تصبح مشاركة المنتخب الوطني، المزهوّ بدخوله المربع الذهبي في نهائيات كأس العالم الأخير، بأهداف تتجاوز مجرد الفوز باللقب أو الذهاب أبعد ما يمكن في البطولة، إلى إضافة حلقة جديدة في سلسلة من الأحلام التي باتت مرتبطة باحتضان جزء من مباريات كأس العالم لسنة 2030.
محفزات الرهان
تحفز الخصائص السوسيو-اقتصادية للمغرب على الرهان أكثر على الرياضة، وخاصة كرة القدم، كرافعة للتنمية الاجتماعية والنمو الاقتصادي. النسبة الهامة للشباب في التركيبة الديمغرافية للمغرب، وضعف نسب النجاح في المسار الدراسي المؤدي إلى الشغل والإنتاج، ووجود مظاهر كبيرة للهشاشة والخصاص، كلها عوامل تدعم هذا الخيار.
“هناك دائما امتداد سياسي لكرة القدم، وأن الرياضة تم توظيفها سنة 1973 لتكون جسرا للتواصل بين الصين والولايات المتحدة، وبالضبط عندما حل المنتخب الأمريكي بالصين للعب مباراة في كرة الطاولة من أجل إذابة جليد العلاقات السياسية بين الولايات المتحدة والصين”، يقول الخبير في السياسات الرياضية منصف اليازغي، مضيفا أن التنمية التي سيحققها المغرب قبل حلول موعد مونديال 2030، تعادل ما يمكن تحقيقها خلال 20 سنة بدون وجود المونديال.
فيما يذهب أيوب قطاية، الأستاذ الباحث في معهد علوم الرياضة، جامعة الحسن الأول، إلى أن تنظيم كأس إفريقيا 2025 ومونديال 2030 سيكون له أثر إيجابي على مستوى السياحة، “حيث سيكون المغرب وجهة للعديد من السياح، ضمنهم فرق ومنتخبات عالمية ومشجعون، مما سيساهم في خلق انتعاشة سياحية ستستفيد منها الفنادق وقطاع الاستهلاك عموما، وبالتالي ارتفاع وتيرة الحركة التجارية”.
ويذهب منصف اليازغي إلى آن هناك محاولة لتعويض فشل رجل السياسة والاقتصاد في توفير البنية التحتية للمغرب، عن طريق الرياضة، “أي أن تنجح الرياضة في ما فشلت فيه السياسة والاقتصاد، لأن المغرب سيكون ملزما بالخضوع لدفاتر تحملات الكاف والفيفا، وبالتالي بناء بنية تحتية قوية، كما أنه لن يكون مخيرا بل سيكون مضطرا سواء ما يتعلق بالمستشفيات أو المطارات…”.
موحدة الأفارقة
في السياق الإفريقي، تتجسد الأبعاد السياسية، الاقتصادية، والدبلوماسية لكرة القدم بطرق متعددة: فهي تعتبر عاملا مساهما في تعزيز الوحدة والهوية الوطنية، وتبرز في كأس أفريقيا للأمم كمحفز للوحدة الوطنية، خاصة في الدول التي تعاني من توترات داخلية.
كما تشكل التظاهرة منبرا لطرح القضايا السياسية، حيث توفر البطولة منصة لتسليط الضوء على القضايا السياسية المحلية والقارية، مثل الحكم الديمقراطي، والسلام، والتنمية…
اقتصاديا، تساهم كرة القدم في تحفيز الاقتصاد المحلي، إذ تعزز استضافة البطولات الاقتصاد المحلي من خلال تنشيط السياحة، وقطاعات البناء والأشغال والخدمات… كما تساهم في تطوير البنية التحتية الرياضية عبر الاستثمار في الملاعب والمرافق الرياضية، ما يمكن أن يكون له تأثير طويل الأمد على البنية التحتية الرياضية في البلدان المضيفة.
فجنوب أفريقيا تبرز كمثال واضح للدور الذي لعبته كرة القدم بعد نهاية الفصل العنصري، عندما استضافت جنوب أفريقيا كأس العالم 2010، واستخدمت هذا الحدث كوسيلة لتعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ الهوية الوطنية الجديدة في مرحلة ما بعد فترة الأبارتهايد. وتم استثمار مبالغ كبيرة في البنية التحتية، مثل بناء وتحديث الملاعب وتحسين النقل العام.
وقبل ذلك، استضافت غانا البطولة في وقت كانت تشهد فيه نمواً اقتصادياً واستقراراً سياسياً، فاستخدمت البطولة كوسيلة لعرض الاستقرار السياسي والتقدم الديمقراطي. وجلبت البطولة استثمارات في البنية التحتية الرياضية والسياحية، ساعدت في تعزيز الصورة الدولية لغانا.
وقبل ذلك بكير، وتحديدا عام 1990، كانت الجزائر تمر بفترة من الاضطرابات السياسية والاقتصادية. فشكّل فوزها بالبطولة حدثا أثار شعوراً بالوحدة والفخر الوطني في وقت كانت البلاد بحاجة إليه، كما ساهم في تعزيز علاقات الجزائر مع الدول الإفريقية الأخرى، وتقديم صورة إيجابية عنها على الساحة الدولية.
حلم مغربي قديم
في حالة المغرب، يكفي التذكير بكونه قام بعدة محاولات لاستضافة كأس العالم (1994، 1998، 2006، 2010، و2026)، قبل أن يظفر بذلك بشكل مشترك مع كل من اسبانيا والبرتغال في دورة 2030، مما يعكس رغبته في تعزيز صورته الدولية وتطوير بنيته التحتية. وعلى الرغم من عدم نجاح المحاولات السابقة، إلا أنها ساهمت في جذب الانتباه الدولي إلى المغرب وقدراته التنظيمية.
كما استثمر المغرب بشكل كبير في البنية التحتية الرياضية، بما في ذلك تحديث الملاعب وتحسين المرافق الرياضية. كما تستخدم كرة القدم كوسيلة لتعزيز العلاقات الدولية، خاصة مع الدول الإفريقية الأخرى، وكأداة دبلوماسية لتعزيز صورته ونفوذه في القارة. وكما كان الأمر في دورة تونس 2004، ومونديال قطر 2022، فإن المشاركات الناجحة في البطولات الدولية تعزز الفخر الوطني وتساهم في الوحدة الوطنية.
وعبّر المغرب عن طموح واضح لتحويل الكرة على أداة تأثير جيو استراتيجي، بشكل متزامن مع استعادته مقعده داخل الاتحاد الافريقي، حيث نزل بكامل ثقله داخل الاتحاد الافريقي لكرة القدم، مشاركا في التغيير الذي شهدته المنظمة القارية بإزاحة رئيسها السابق عيسى حياتو.
وتشكل البنيات التحية الرياضية للمغرب، المتطورة بالمعايير الافريقية، من الأدوات الفعالة للدبلوماسية المغربية في التأثير في عمق القارة، والحفاظ على قنوات للتواصل مع شعوبها، وامتلاك قنوات للتأثير في عمق مجتمعاتها.
وقد أدى نيل المغرب فرصة المشاركة في تنظيم مونديال 2030، إلى بروز عدد من المشاريع والطموحات الاقتصادية الضخمة، من بينها ملعب بنسليمان الكبير، الذي يفترض أن يكون ثاني أكبر ملعب في العالم بعد ملعب عاصمة كوريا الشمالية، بعد أن يتلقى استثمارات تناهز نصف مليار دولار.
ذراع دبلوماسي
كما أطلق المغرب منذ سنوت سياسة خارجية قائمة على امتلاك أدوات تأثير ناعم تعوضه عن أوراق الضغط الأخرى التي يفتقدها في مقابل خصومه، خاصة منها ورقة الإمكانيات الاقتصادية والمالية، وجعل من الكرة حصان طروادة في هذا الاتجاه، مراهنا على ثروته البشرية المتمثلة أساسا في أبناء الجالية المغربية المقيمة في أوربا، الذين استفادوا من تكوين عالي المستوى، مع محولات محلية أيضا، من خلال تأسيس أكاديمية لكرة القدم سنة 2009.
الوضع المؤثر الذي يتمتع به رئيس الجامعة الملكية لكرة القدم فوزي لقجع حاليا، ظهرت معالمه منذ ذلك الحين، وبات الرجل الذي يشغل أيضا مهمة المسؤول الأول عن ميزانية المملكة، ذراعا دبلوماسية أساسية للمغرب في الساحة الافريقية، حيث تمكن في أولى مهامه من تعديل قوانين الـ”كاف” لقطع الطريق امام أية محاولة لانضمام جبهة البوليساريو إليها، وذلك من خلال منع التحاق أي عضو دون ان يكون متمتعا بالعضوية في منظمة الأمم المتحدة، بما أن الجبهة الانفصالية تتمتع بالعضوية في الاتحاد الافريقي.
لقراءة المزيد: رابط العدد الجديد من مجلة “لسان المغرب“