هل تحتل أمريكا دول الخليج العربي؟
قبل يومي، أطلق دونالد ترامب تصريحا في غاية الخطورة حيث قال إنه “لا يضمن عدم استعمال القوة العسكرية من أجل ضم جزيرة غرينلاند (التابعة حاليا للدانمارك) وكندا”. ومن الواضح أن الولايات المتحدة، من خلال هذا التصريح، قد تدخل وتُدخل معها العالم، عصرا جديدا تتم فيه إعادة تعريف مفاهيم مثل السيادة والاستقلال وغيرها من المفاهيم التي ظلت تؤطر العلاقات الدولية لفترة طويلة من الزمن.
للإشارة، تبلغ مساحة جزيرة غرينلاند لوحدها 2,166 مليون كم مربع، في الوقت الذي تصل فيه مساحة الدنمارك التي تتبع لها الجزيرة 43 ألف كيلومتر مربع، أي أن غرينلاند تساوي خمسين مرة مساحة الدنمارك، لكنها تبلغ أيضا أربع مرات مساحة فرنسا أو إسبانيا، وخمس مرات مساحة ألمانيا، وسبع مرات مساحة المملكة المتحدة.
لا بل إن مساحة غرينلاند لوحدها تساوي أكثر من مساحة كل من فرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة مجتمعين. أما مساحة كندا فتساوي تقريبا عشرة ملايين كيلومتر مربع، أي تقريبا مساحة أوروبا برمتها.
لن نتحدث هنا عن تصريح سابق لترامب عبر فيه عن حلمه بضم المكسيك أيضا، بل سنتحدث عن جوهر هذا الحدث وهذا التصريح الذي يعني أن الولايات المتحدة في عهد ترامب ستجعل من عملية ضم دول أخرى، سواء بالحرب الاقتصادية أو بالحرب العسكرية، أسلوبا جديدا للعلاقات الدولية.
وإذا كانت عملية إلحاق أو ضم كندا وجزيرة غرينلاند ، تبقى نظريا ممكنة، وقد تكون سهلة نسبيا باعتبارهما جزءً من المنظومة الحضارية والعرقية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية الغربية، فإن حدوث هذا الأمر سيشكل قاعدة تبني عليها الولايات المتحدة، التي لا تعترف بالقانون الدولي وإنما بما تسميه ويسميه زعماؤها ب”القواعد” The Rules ، ستبني عليها سعيها لضم دول أخرى بأكملها، ولمَ لا يتم ضم أوروبا الغربية وإلحاقها بالسيادة المطلقة لواشنطن، في ظل حالة الاهتراء والتفكك والتردي الاقتصادي والسياسي الذي يهدد كيانها واستقرارها وأمنها.
وسيبقى حتى هذا الأمر ممكنا نظريا وسهلا نسبيا على غرار كل من كندا وغرينلاند. لكن إذا حدث هذا، ما الذي سيمنع ترامب من ضم الدول الخليجية البترولية والغنية بالموارد الطبيعية والانتهاء من التبعية الطاقية وتلك المتعلقة بالمعادن النادرة، علما أن دول الخليج تعتبر أصلا تابعة ولا تستطيع الوقوف في وجه واشنطن سواء سياسيا أو اقتصاديا أو عسكريا.
وهنا يبرز السؤال: ماذا سيفعل ترامب بالخليجيين أنفسهم، أي سكان تلك الدول على اعتبار أن عملية استيعابهم ثقافيا وحضاريا ستكون عسيرة، وقد لا تكون بالسهولة التي قد يقع بها ضم كندا أو غرينلاند لأنهم ينتمون لمنظومة حضارية وثقافية ولغوية مختلفة، بل مناقصة تماما، لما يحترمه ترامب؟
بل إن ترامب لا يضيّع أية فرصة للتعبير عن احتقارهم واحتقارنا، واستصغارهم واستصغارنا. فكيف سيتخلص ترامب من هذه المشكلة؟ هل سيقوم بعملية تطهير عرقي مثلا أو إبادة جماعية لهم، كتلك الجارية حاليا في الشرق الأوسط أمام مرأى ومسمع العالم أجمع؟ هل سيفوض لإسرائيل عملية حكمهم وترويضهم وتدبير شؤونهم؟
الكثيرون يعتبرون هذه السيناريوهات بعيدة التحقق وغير واقعية، ولكن دعونا نتذكر أن أسوأ كوابيس الإنسانية عادة ما تبدأ هكذا بأشياء يعتقدها الناس غير ممكنة، إلى أن تقع.
من الواضح من خلال كل ما سبق أن أوروبا لديها فعلا ما يجب أن تقلق بشأنه، لقد صار الأمر مثل الاختيار بين الإعدام شنقا أو على كرسي كهربائي. أي إما أن تأتي صاغرة وتنضم بمحض إرادتها لأمريكا، وإما تجد نفسها مضطرة للخضوع لروسيا. وطبعا، أوروبا الغربية خصوصا، ستختار الإعدام شنقا.. عفوا أعني الانضمام لإمبراطورية ترامب.
لكن الأمر لن يكون كذلك بالنسبة لباقي الدول التي يعتبر ترامب أنها لا تتوفر على الحق في السيادة، بل لا تتوفر حتى على الحق في الوجود، مثل دول الخليج والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي قد تفضل الصعق بالكهرباء الروسي أو الصيني.
يبدو الآن أن العالم، رغم الرعب الكبير الذي استقبل به فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، لم يصل إلى ما ينوي ترامب فعلا القيام به خلال السنوات الأربع المقبلة التي قد تشكل كابوسا تسير بذكره الكتب والركبان في القرون المقبلة، إن بقيت الأرض طبعا.
وكي تبقى الأرض، يبدو أننا يجب أن نقبل بعملية قسمة ودية لها بين من “يستحق” السيادة والبقاء، ومن “لا يستحق”. ويبدو الآن جليا أن عمليات التسوية التي ينتظرها العالم في أوكرانيا والشرق الأوسط وغيرها، ليست سوى الجزء الظاهر من عملية القسمة الكبرى بين الجبابرة، تلك القسمة التي لا ندري، حتى إشعار آخر، في أي قبعة ستضعنا.