هل أنصفت الحكومة الطبقة المتوسطة في مشروع قانون ماليتها الجديد؟
لطالما اعتبرت الطبقة المتوسطة في المغرب، أكثر فئة “منسية” بالمقارنة مع باقي الفئات، في ما تتضمنه قوانين المالية من إجراءات حكومية، خاصة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. بحيث أنه في الوقت الذي تقوم فيه ببعض الإجراءات لتحسين وضعية الطبقة الفقيرة من خلال برنامج الدعم الاجتماعي المباشر، الذي قابله سحب دعمها تدريجيا لغاز البوتان، يرى مراقبون أن الطبقة المتوسطة “تركت وحيدة” لمواجهة موجة غلاء الأسعار التي عصفت بجميع المواد الأساسية.
في هذا السياق، جاء مشروع قانون المالية لسنة 2025، بمستجدات ضريبية جديدة على مستوى الضريبة على الدخل، تتمثل في إدخال تعديلات على الجدول تدريجي بهدف “تخفيف الضغط الضريبي عن أصحاب الأجور المنخفضة”، مقابل مساهمة أعلى من أصحاب الأجور المرتفعة، غير أن خبراء يرون أن هذه التعديلات تبقى “إجراءات غير كافية بالنظر لما كان يمكن أن يحمله المشروع من جديد في هذا الجانب”.
“طبقة منسية”
ذات الطرح ذهب إليه الخبير الاقتصادي محمد جدري، الذي يرى أن “الطبقة المتوسطة تبقى الحلقة الأضعف في مشاريع قوانين مالية حكومة أخنوش، حيث لا تشملها العديد من الإجراءات سواء فيما يتعلق بالضريبة على الدخل أو بتحسين قدرتها الشرائية، خصوصاً بالنسبة للأجراء في القطاع الخاص”.
وأضاف جدري أنه بالنسبة للطبقة المتوسطة من العاملين في القطاع الخاص، “فإن استفادتهم محدودة جداً من الضريبة على الدخل، حيث يحصلون فقط على زيادة تتراوح بين 200 إلى 300 درهم”، في المقابل يستفيد الموظفون العموميون “من زيادات بمقدار 1500 درهم، وأيضاً زيادة غير مباشرة عبر تخفيض الضريبة على الدخل والتي تتراوح بين 2000 و400 درهم، ابتداءً من يناير 2025”.
وسجل جدري “تهميشا للطبقة المتوسطة من الأجراء في القطاع الخاص الذين باتوا يعتبرون فئة منسية في هذه الإجراءات الحكومية، فهم لا يستفيدون من الحماية الاجتماعية أو دعم السكن إلا بنسبة قليلة، ولا يحصلون على دعم مباشر يعزز قدرتهم الشرائية، رغم أنهم يشترون السلع بأسعارها الحقيقية في السوق المحلية”.
وشدد الخبير على أن الزيادة غير المباشرة عبر تخفيض الضريبة على الدخل ليست كافية لتحسين القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة، وخاصة تلك المنتمية للقطاع الخاص، التي تواجه نقصاً كبيراً في الزيادات في الأجور، رغم أنهم يتحملون مصاريف التعليم الخاص، وأقساط قروض السكن، ومصاريف النقل، وغيرها من الأعباء المالية.
“إجراءات إيجابية”
في المقابل، يرى الخبير الاقتصادي ياسين اعليا أن قانون المالية جاء بإجراءات إيجابية تصب في صالح الطبقة المتوسطة من قبيل الإصلاحات التي تهم الضريبة على الدخل، مضيفا في المقابل، “أنه لكن لا يمكن تجاهل كون هذه الطبقة تظل الأكثر تضرراً نتيجة غياب مفهوم العدالة الضريبية الذي يعني استفادة جميع الفاعلين الاقتصاديين من نفس معدلات الضريبة”.
وأبرز اعليا أن مشروع قانون المالية لعام 2025 جاء بمجموعة من الإجراءات التي تحمل طابعاً إيجابياً وأخباراً سارة للطبقة المتوسطة، خصوصاً فيما يتعلق بالضريبة على الدخل، حيث رفع الحد الأدنى للمداخيل المعفاة إلى 40 ألف درهم. كما تم تعديل نسب الضريبة بحيث تم تخفيض النسبة العليا من 38% إلى 37%، وتوسيع الشرائح إلى نسب 10%، 20%، و30%.
ومن بين الإجراءات الأخرى التي جاء بها مشروع القانون مالية 2025، يضيف المتحدث، استمرار الحكومة في تنفيذ الاتفاق الاجتماعي الذي تم توقيعه في أبريل الماضي، بالإضافة إلى الاتفاق الخاص بتحسين دخل رجال التعليم من خلال الجزء الثاني من الزيادة التي تقررت العام الماضي، فضلا عن رفع سقف التخفيض المتعلق بالأشخاص الذين يتحملون إعالة آخرين، بزيادة 500 درهم لكل شخص في حدود ستة أفراد أو ما يعادل ثلاثة آلاف درهم.
وطالب الخبير بمراجعة وتعديل بعض الإجراءات لتكريس العدالة الضريبية، ومنها إعفاء الأسر المتوسطة التي تتحمل تكاليف التعليم والصحة من الضريبة المفروضة على دخلهم، أو على الأقل تخفيض هذه الضريبة، والاستفادة من التوحيد الضريبي المطبق في بعض الدول مثل الولايات المتحدة.
وخلص المتحدث بالقول إلى أنه “يمكن القول إن هذه التعديلات خطوة إيجابية، لكنها تبقى غير كافية لتحقيق العدالة الضريبية الشاملة والاستفادة العادلة من نفس الحقوق والواجبات”.