story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

هاريس.. لا قدّر الله!

ص ص

ابتداء من مساء أمس الخميس، 22 غشت 2024، أي ساعات قليلة قبل كتابة هذا المقال، أصبحت كمالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، مرشحة رسمية باسم الحزب الديمقراطي لانتخابات 6 نوبر 2024 الرئاسية.
تقول بعض استطلاعات الرأي الحديثة إن هاريس تتفوّق على المرشح الجمهوري دونالد ترامب من حيث نوايا التصويت، لكنه تفوّق ظرفي ومرتبط بمفعول حدث تنازل الرئيس الحالي جو بايدن عن الترشح وتعويضه بهاريس، بدليل هذه لاستطلاعات نفسها التي تسجّل منحنى تنازليا في شعبية هاريس بعدما بلغت لحظة الذروة من حيث التأييد والتبرعات المالية.
تطرقت في مقال سابق لاحتمال عودة الرئيس السابق دونالد ترامب، وفوزه بانتخابات هذه السنة، وقدّمت هذا الاحتمال الراجح كفرصة ستخدم، ولو مؤقتا، مصالح المغرب.
فماذا يعني انتخاب كمالا هاريس رئيسة للولايات المتحدة الأمريكية بالنسبة لنا كمغاربة؟
حين نضع هذا الاحتمال في ميزان حسابات الربح والخسارة، نجد أنه سينعكس على المصالح المغربية بالشكل التالي:
1- بما أن هاريس هي نائبة الرئيس الحالي، جو بايدن، فإن انتخابها سيحمل معنى قريبا من حصول بايدن على ولاية ثانية، رغم التباينات الداخلية للحزب الديمقراطي. هاريس تُمثل استمرارية لسياسة إدارة بايدن تجاه المغرب، والتي اتّسمت بالتركيز على تطوير العلاقات الثنائية، خصوصاً في المجالين الأمني والاقتصادي… لكن البعد العسكري الذي يستند إليه المغرب بقوة في علاقته بواشنطن، يجد سنده أكثر مع الجمهوريين، في مقابل الديمقراطيين الذين سيفضلون حتما تغليب الجانب الدبلوماسي والاقتصادي على حساب التعاون العسكري.
2- في أهم ملف تتضمنه أجندة السياسة الخارجية للمغرب، أي قضية الصحراء، ينبغي تسجيل أن إدارة بايدن لم تتراجع عن اعتراف ترامب بسيادة المغرب على الصحراء. وانتخاب كمالا هاريس قد يعني استمرار هذا الموقف. لكن تغيير رئيس أمريكي بآخر، من داخل الحزب نفسه، لا يعني الاستمرارية التامة، وقد تواجه كمالا هاريس ضغوطاً من داخل الحزب الديمقراطي لإعادة النظر في هذا الاعتراف. وإذا كان اعتراف ترامب بمغربية الصحراء جاء في مقابل تطبيع العلاقات المغربية مع إسرائيل، فإن من غير المستبعد إن فازت هاريس بالانتخابات، أن تعمل الإدارة الأمريكية على قص أجنحة إسرائيل، بعد الزخم الشعبي المناهض لها، والذي برز في الشهور الأخيرة، وتحديدا داخل القواعد الانتخابية للديمقراطيين. تحوّل سيجعل المغرب في حالة “شرود” ويضع الدولة المغربية في حرج كبير أمام شعبها.
3- أما في الجانب الاقتصادي والتجاري، فمن المرجّح أن تدعم كمالا هاريس تعزيز العلاقات الاقتصادية مع والمغرب، مع التركيز على اتفاقيات التجارة الحرة والاستثمار في الطاقة المتجددة والتنمية المستدامة. هذه مجالات تتوافق مع أجندة هاريس وسياسة الحزب الديمقراطي في تعزيز التعاون مع الحلفاء الرئيسيين في شمال إفريقيا. لكن وفي المقابل، الديمقراطيون يدعمون عادة سياسات تجارية أكثر توازناً، وقد يكونون أكثر حذراً فيما يتعلق باتفاقيات التجارة الحرة إذا كانت هناك مخاوف بيئية أو تتعلق بحقوق العمال…
4- أما الموضوع الذي قد يكون مصدر قلق بالنسبة للدولة المغربية، أي توظيف الورقة الحقوقية ذات التأثير الكبير داخل الحزب الديمقراطي، من جانب خصوم المملكة، فمن المتوقّع مبدئيا أن تدفع إدارة هاريس، في حال انتخابها، في اتجاه تشجيع المغرب على مواصلة الإصلاحات السياسية والديمقراطية. ومن الوارد بقوة أن تكون إدارة هاريس أكثر انتقاداً فيما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان والحريات المدنية، وهو ما يرجّح أن يتعامل معه المغرب بمزيد من الانفتاح والمرونة، مع إمكانيات أقل للعودة مجددا إلى أسلوب التصعيد والتوتّر من جانب المغرب، كما حدث مع إدارة أوباما، بالنظر للالتزامات الجديدة التي باتت تقلّص هامش حركتنا.
5- في الجانب الخاص بملفي المناخ والطاقة، الصاعدين بقوة في الأجندتين الأمريكية والدولية، يتوقّع أن تولي كمالا هاريس أهمية خاصة للقضايا المرتبطة بهما، وهو مجال يتمتع المغرب فيه بمكانة رائدة في إفريقيا بحكم انخراطه المبكر في معالجتهما. ومن المحتمل أن تعزز إدارة هاريس التعاون في هذه المجالات، مما قد يؤدي إلى استثمارات أمريكية أكبر في قطاع الطاقة المتجددة بالمغرب. وفي الوجه الآخر من العملة، نجد احتمال فرض إدارة هاريس المرتقبة لمتطلبات صارمة على الصناعات المغربية، بما في ذلك القيود البيئية التي قد تؤثر على الاقتصاد المغربي، بما في ذلك النشاط الفوسفاطي الذي يواجه منافسة قوية من جانب فاعلين أمريكيين.
باختصار شديد، يعتبر مرشح الحزب الديمقراطي الخيار الأفضل بالنسبة للمغرب في حال كانت أجندته الرسمية تمنح الصدارة لملفات الديمقراطية والحقوق والتنمية والحفاظ على البيئة. بينما يمثّل المرشح الجمهوري الورقة الرابحة بالنسبة للمصالح المغربية في حال كانت الأولوية للملفات العسكرية والأمنية والوحدة الترابية.
ونحن على بعد شهرين ونصف من موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يبدو عقل الدولة المغربية وقد تأهب لها بما يسمح له بالتموقع الآمن في الحالتين:
من جهة الحفاظ على إرث ترامب من خلال استمرا تطبيع العلاقات مع إسرائيل وبرقية التضامن مع الرئيس السابق بعد تعرضه لمحاولة اغتيال؛
ومن جهة أخرى، جرعات من الانفتاح والتنفيس الحقوقي، من خلال قرارات العفو عن صحافيين ونشطاء، بعضهم تم ذكره في بلاغات رسمية للخارجية الأمريكية (سليمان الريسوني).
وبما أننا نعلم أن الملفات العسكرية والأمنية والسيادية، هي التي تتصدّر قائمة أولويات الدولة المغربية، فإن صعود المرشحة الديمقراطية إلى الرئاسة في انتخابات نونبر 2024، سيعني دخولنا في فترة كمون وتصريف للأعمال بخطوات انفتاح جزئي وغير مكتمل لامتصاص الضغوط.
أي أننا سوف لن نتقدّم في ملفاتنا السيادية التي تحظى بالأولوية عند دولتنا، كما لن ننعم بتقدّم ديمقراطي وحقوقي فعلي، في سياق دولي يتّسم بتهميش متزايد للمثل والقيم الإنسانية…
هذا ما سيحصل في حال انتخاب كمالا هاريس.. لا قدّر الله.