story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
أمن وعدالة |

“نهاية الأسرار”.. هل تُكشف الحقيقة الغائبة في اغتيال “بن بركة” بعد 6 عقود؟

ص ص

باريس، في الثالث من نونبر 1965. في مقهى هادئ بالقرب من شارع الشانزليزيه الشهير، التقى رجلان في مساء يوم أربعاء. لم يكن اللقاء بين ألبير وميفوراش عادياً، ولم تكن المحادثة عن الطقس أو السياسة، بل كانت تفاصيل لـ”جريمة دولة” اهتزت لها العاصمة الفرنسية.

أحمد الدليمي، نائب المدير العام للأمن الوطني المغربي الذي كان يتخذ اسماً حركياً “ألبير”، جلس قبالة ميفوراش، عميل للموساد الإسرائيلي. كان الدليمي قد خرج لتوّه من ليلة لم ينسها هو ولا التاريخ، وهي ليلة تصفية المعارض المغربي المهدي بن بركة، بعد اختطافه أمام مطعم “ليب” في 29 أكتوبر 1965.

وبكل برودة، بدأ الدليمي يروي لمحدثه الإسرائيلي ما حدث في بيت الاحتجاز بمنطقة إيسون: “لقد أغرقوا بن بركة في حوض الاستحمام. بعد ذلك، التقطتُ صورة له، ‘ليصدقوا في المغرب أن العملية قد انتهت حقًا’، أضاف مازحًا”.

مشهد من مشاهد صادمة يرويها الصحافيان الاستقصائيان ستيفن سميث ورونين بيرغمان في كتابهما الجديد “قضية بن بركة. نهاية الأسرار” (الصادر عن دار غراسي)، للكشف عن أسرار ظلّت حبيسة الأرشيفات لأكثر من ستة عقود حول “أكبر فضيحة هزت الجمهورية الخامسة”.

في تقديمها للكتاب، الذي من المقرر إصداره، يوم الأربعاء 29 أكتوبر 2025، قالت دار غراسي: “بينما لم نعد نجرؤ على الأمل في فك أسرار جريمة الدولة هذه، تسمح وثائق غير منشورة بالكشف عن تفاصيل وخفايا قضية بن بركة”، مشيرة إلى أنها عبارة عن “قصة إثارة جيوسياسية، وتاريخ لأجهزة مخابرات في خضم الحرب الباردة، وعملاء سريين ومجرمين فرنسيين، وبيوت دعارة وخزائن كان من المقرر أن يبقى فيها ما لا يمكن البوح به مغلقًا”.

وطرحت دار النشر، عبر موقعها الرسمي، أسئلة من قبيل “هل أصدر الحسن الثاني الأمر باختطاف بن بركة؟ هل كانت وفاته عرضية أم مخططًا لها؟ إذا كانت الجريمة مع سبق الإصرار، فمن نفذها وكيف؟ وماذا حدث للجثة؟”، لافتة إلى أنه في نهاية التحقيق الذي وصفته بـ”الاستثنائي”، سيكون لكل سؤال من هذه الأسئلة جواب مدعوم بالأدلة.

يقوم ستيفن سميث الصحافي في صحيفة “لوموند”، وزميله رونين بيرغمان، الصحافي في صحيفة “نيويورك تايمز” والمتخصص في قضايا الاستخبارات، (يقومان) عبر حوالي 500 صفحة من “تحقيق طويل الأمد وموثق بدقة”، بكشف “أسرار ظلت حبيسة الأرشيفات السرية لعقود”.

من جانبها، اعتبرت صحيفة “لوموند” أن كتاب “قضية بن بركة: نهاية الأسرار”، هو “الأكثر شمولاً” في هذا الملف، مشيرة إلى أن المؤلفين يقدمان تفاصيل حول الدور الذي لعبه الموساد الإسرائيلي “منذ البداية حتى النهاية” في جريمة اغتيال المهدي بن بركة.

وأوضحت الصحيفة الفرنسية أن الصحافيين اطلعا على العديد من الوثائق السرية التي “تشهد على مدى اتساع الروابط التي نشأت آنذاك بين الموساد والجهاز الأمني المغربي، بل وحتى مع الملك الحسن الثاني شخصياً”.

وفي هذا السياق، اقتبست صحيفة “باري ماتش” في تناولها للكتاب الجديد قول المؤلفين: “قدم المغاربة تسجيلات القمة العربية للإسرائيليين، وباليد الأخرى طلبوا منهم رأس بن بركة”، في إشارة إلى مؤتمر القمة العربي الثالث الذي عقد في شتنبر 1965 بالدار البيضاء.

وأشارت الصحيفة إلى أن الكتاب يوثق “لجريمة دولة ارتكبها المغرب (…)، وسهلتها إسرائيل من خلال ‘عملية إيتِرْنَا’ (Eterna)، وكانت فرنسا شريكة فيها، موضحة أن “الشرطة الديغولية” كانت على علم باختطاف بن بركة على أراضيها، بدءاً من العميل السري بيير ليمارشاند، مروراً بمدير شرطة باريس موريس بابون ووزير الداخلية روجيه فري، وصولاً إلى رئيس الوزراء والرئيس المستقبلي جورج بومبيدو.

وكان الملك الراحل الحسن الثاني قد نفى، في كتابه “ذاكرة ملك” (حوار أجراه معه الصحافي الفرنسي إريك لوران سنة 1993)، أي علاقة له بالجريمة، قائلاً: “أنا مستعد في كل وقت لأقسم بالله أني وُضِعت أمام الأمر الواقع، في حادث موت بن بركة، ولم تكن لي يد فيه سواء بإصدار الأوامر لتنفيذها أو غض النظر عنها”.

وشدد الحسن الثاني على أنه “بريء تماماً من اختفاء المهدي”، مضيفاً : “كيف يمكن أن يكون لي ضلع في موت إنسان بقي على الصعيد الشخصي قريباً مني ومرتبطاً بي رغم الاختلاف السياسي”، وأشار إلى أن بن بركة كان “مرشداً يعود له الفضل في إذكاء شعلة الحماسة في نفسي من أجل الكفاح الوطني”.

وتحدث الملك الراحل في الكتاب ذاته عن علاقته الوطيدة بالمهدي بن بركة، وأفكاره، وصولاً إلى حدث الاختطاف، الذي قال إنه نزل عليه كالصاعقة فور علمه بما حصل عن طريق الصحافة.

ومنذ اختطافه أمام مقهى ليب في 29 أكتوبر 1965، ظل ملف بن بركة لغزاً معقداً يربط بين أجهزة الأمن المغربية وشبكات الجريمة والتواطؤ الفرنسي. ويسعى كتابة “قضية بن بركة.. نهاية الأسرار”، الذي يمتد على 576 صفحة، إلى تقديم إعادة بناء شاملة للقضية، لإضافة تفاصيل جديدة مستندة إلى أرشيفات سرية، وفقاً للمؤلفين.

وفي أسفل غلاف الكتاب، يختصر النص التوضيحي المضمون السياسي الحساس للعمل بعبارة: “ديغول، الحسن الثاني والموساد أكبر فضيحة في تاريخ الجمهورية الخامسة تم كشف حقيقتها أخيراً”، أما الصورة بالأبيض والأسود التي تتوسط الغلاف، فتظهر مشهداً لرجلين يقفان في ممرّ طويل ويبدوان على أنهما المهدي بن بركة والجنرال محمد أوفقير المدير العام للأمن الوطني آنذاك، وهما يقفان في ممر طويل داخل القصر الملكي.

ونشرت مقتطفات من الكتاب تبرز التنسيق الوثيق بين العملاء الإسرائيليين والمسؤولين المغاربة في عملية اغتيال المهدي بن بركة، الشخصية البارزة في العالم الثالث، وتعرض تفاصيل دقيقة حول اللوجستيات المتعلقة بالتخلص من جثته من بينها مجارف ومصباح، ومفك براغي، وخمسة عشر عبوة من هيدروكسيد الصوديوم، ثم وضعها في مخبأ مستأجر في سان كلو، كان قد خصص كبيت آمن لعناصر وحدة الأمن المغربية “كاب 1”.

مقتطفات

(…) يوم الثلاثاء 2 نوفمبر [1965]، بعد أربعة أيام من اختطاف المهدي بن بركة، يتجول عميل للموساد (“عطار”) بين أرفف مستلزمات البستنة في متاجر مختلفة بباريس.

يحمل قائمة مشتريات طويلة، لكنه لا يشتري سوى قطعتين أو ثلاث في كل مرة، ليس أكثر، مع الحرص على عدم لفت الانتباه – ممنوع، بالتالي، طرح الأسئلة أو بدء محادثة.

بعد أن خاطر بالتعرف عليه في متاجر الأدوات الصغيرة في الأحياء، يذهب إلى متجر “إنّو-بي.جاي” (Inno-B.J.)، وهو اختصار لكلمتي “الابتكار” و “الحديقة الجميلة” (Belle Jardinière).

هذا المتجر الكبير شديد الحداثة – وهو الأول في باريس الذي يمزج بين الأغذية والملابس والأدوات، والأول أيضًا الذي يحتوي على نظام دفع عند الخروج – يقع بجوار متجر لَا سَامَارِيتِين (La Samaritaine)، على رصيف ميغيسري (quai de la Mégisserie). وهكذا، من محطة إلى أخرى، يملأ “عطار” صندوق سيارته.

هناك معولان، سيقطع مقابضهما ليقصّرهما إلى 80 سم؛ عندها يدخلان، مثل الفأس، في الحقيبة القماشية الكبيرة التي اشتراها أيضًا. كما يجد مصباحان يَدَوِيَّان، ومفك براغي و”كماشة عادية” مكانها.

أما المساحة المتبقية فَتُحْشَى بخمس عشرة علبة من الصودا الكاوية الحبيبية. هذا الأخير بالذات – هيدروكسيد الصوديوم – هو ما قد يلفت الانتباه. يُستخدم عادة لتسليك البالوعات، لكن بسبب قوته الكاوية القادرة على حرق الجلد، لا يمكن لأحد أن يشتري مثل هذه الكميات لتخزينها في منزله. إنه أمر شديد الخطورة.

في حوالي الساعة 9 مساءً، يضع “عطار” وعميل آخر (“راحيم”) الحقيبة القماشية في وسط غرفة الجلوس، المقسمة بفاصل متحرك، في شقة من أربع غرف في سان-كلو (Saint-Cloud)، غرب باريس. إنها “المنزل الآمن” الذي يستأجره الموساد، منذ 5 أكتوبر، لرجال الكاب 1 [وحدة خاصة من الأمن الوطني المغربي]. لم تُستخدم بعد، ولم يُعطَ عنوانها ومفاتيحها للدليمي [أحمد الدليمي، نائب مدير الأمن المغربي] إلى اليوم.

بعد إغلاق باب الشقة بهدوء خلفهما، ينزل العميلان عبر درج السلم ويخرجان من المبنى الجديد تمامًا في 26، بارك دو لا بِيرَانْجِير (parc de la Bérengère). ثم يتمركزان غير بعيد، مختبئين تحت رواق.

بعد ربع ساعة، وأسرع مما كان متوقعًا، تتوقف سيارة أجرة على بُعد حوالي 200 متر. ينزل منها مغربيان ويتجهان نحو رقم 26. تركن سيارة الأجرة في انتظارهم، والمحرك يعمل والأضواء الأمامية مضاءة. بعد بضع دقائق، يعود المغربيان بالحقيبة ويضعانها في صندوق سيارة الأجرة التي تنطلق. لقد تم تسليم “الأدوات”.

في باريس، حوالي الساعة 9:45 مساءً، أوقفت الشرطة عميلين للموساد. كان فحصًا روتينيًا، بسبب عطل في الأضواء الخلفية لسيارتهما. نفتالي كينان، وهو يُظهر جواز سفره الدبلوماسي، يُفرط في الاعتذار. يسمح لهما الشرطي بالانصراف.

بعد مسافة قصيرة، يغير العملاء الإسرائيليون السيارة رغم ذلك – كاد مخططهم للمساء أن يتعرض للخطر. يستقلان مركبة “ميفوراش” [عميل آخر للموساد]، الذي كان يتبعهما.

بعد الساعة 10 مساءً بقليل، يدخل “ميفوراش” إلى “مقهى بالقرب من الشانزليزيه” حيث ينتظر الدليمي واثنان من رجاله عملاء الموساد. بعد بضع دقائق، وبعد وضع ترتيبات أمنية حول المقهى، ينضم إليهما كينان و”عطار”.

يتعرف “عطار” على الشرطيين المغربيين اللذين استلما الحقيبة التي بها “الأدوات” في سان-كلو قبل ثلاثة أرباع الساعة. يخبر الدليمي الإسرائيليين أن اثنين من عملائه لم يصلا بعد. إنهما قادمان من المغرب مروراً بجنيف حتى لا يتركا أثراً لدخولهما فرنسا.

بعد بعض الأحاديث العابرة، يبدأ الحديث عن “عملية” الليلة. “يُخرج ألبير [الاسم الرمزي المعطى للدليمي] خريطة مرسوم عليها دائرة سوداء تشير إلى مكان وجود بريجيت [الاسم الرمزي المعطى لبن بركة]، على بعد 30 كيلومترًا جنوب باريس”، خلف مطار أورلي.

يسأل الدليمي “ميفوراش” عن أفضل طريقة للوصول إلى هناك. في فترة ما بعد الظهر، في فندق أديلفي، كانوا قد نظروا في ثلاثة خيارات: بعد استطلاع مسبق لمكان احتجاز بن بركة، يمكن لعميل الموساد أن يعمل كـ “سمكة دليل” إما في سيارته أو في سيارة مستأجرة؛ وإلا، للاستغناء عن الاستطلاع المسبق، يمكنه أن يستقل سيارة أجرة يتبعها المغاربة. “بعد مداولات صعبة”، تم اختيار الخيار الأخير، وهو الأقل سوءًا في نظر “ميفوراش”.

قاطعهم وصول رافي إيتان. “هناك حواجز للشرطة عند مخارج باريس!” لقد علموا بذلك للتو عبر تردد لاسلكي للدرك. يبدو أن الأمر يتعلق باختطاف بن بركة. “سنقوم بجولة ونخبركم!” يغادر إيتان.

كانت الساعة 11:15 مساءً. يشرح “ميفوراش” للدليمي أنه في هذه الظروف، سيكون عملاء الموساد أكثر فائدة لهم من خلال القيام بدوريات على الطريق المؤدي إلى أورلي. يمكن لأحد عملاء الكاب 1 بنفسه أن يستقل سيارة أجرة ليرشدهم إلى مكان الاحتجاز. “يوافق الدليمي فوراً”.

يشرح الدليمي خطته. بن بركة “محروس” من قبل “فرنسيين” يريد أن يخفي عنهم “المعاملة” التي سيتم تخصيصها لأسيرهم. علاوة على ذلك، بن بركة نفسه “لن يتوقع ذلك كثيرًا”، بعد عدة أيام من الاحتجاز دون أن تكون حياته مهددة. يصر الدليمي على إيهام الفرنسيين بأنه جاء مع رجاله لإعادة بن بركة إلى المغرب.

سيصرفهم بشكرهم ليكون لديه مطلق الحرية. إذا انتهت “العملية” في الليل، سيعود رجاله على الفور إلى المغرب. أما هو وأحد معاونيه غير المتورطين في العملية (مدير مكتبه، عبد الحق العشعاشي، الموجود في باريس منذ يوم السبت) “فسيبقيان لبضعة أيام أخرى” بشكل رسمي، للتحضير لزيارة الحسن الثاني في 11 نوفمبر. “في الوقت الحالي، لم أتصل بالسلطات الفرنسية بعد، خوفاً من المتابعة”. يتبادل العملاء الإسرائيليون نظرات ذات مغزى. هذا أمر جيد.

يدخل الدليمي في تفاصيل “العملية”. عندما يدفنون بن بركة في الغابة – شكرًا بالمناسبة على “الأدوات” – هل هناك تقنية أفضل من غيرها للقيام بذلك؟ يرتجل “ميفوراش” (“مسكين أنا لأبدو في عينيه خبيرًا في هذا المجال”، سيكتب في تقريره) جلسة تدريب عملي. يجب دائمًا الاحتفاظ بالطبقة النباتية التي أُزيلت أولاً، سليمة قدر الإمكان، لإعادة وضعها كما هي في النهاية.

يحفر رجلان في نفس الوقت، يوضعان بشكل مائل حتى لا يعيق أحدهما الآخر. تتناوب الفرق بوتيرة ثابتة. مستطيل بطول 60 سم وعرض 1.20 متر وعمق 1.50 متر يكفي. بالطبع، يجب معرفة كيفية “إدخال الزبون”.

في حوالي الساعة 11:30 مساءً، انضم إليهما الشرطيان المغربيان اللذان مرا عبر جنيف. تستمر المحادثة. أين يجب ركن السيارة أثناء الحفر؟ يفكر الدليمي “على بعد حوالي عشرة كيلومترات”، ليكون متأكدًا من عدم لفت الانتباه.

يشير “ميفوراش” إلى أنه لا تزال مسافة كبيرة للفريق الذي أُنزل في منتصف اللا مكان ورجل أقل – السائق – للحفر. يوافق الدليمي. وماذا يفعلون بالسيارة المستأجرة؟ يقترح “ميفوراش” تنظيفها جيدًا، دون ترك أي بصمات. بعد ذلك، يمكنه ركنها بالقرب من وكالة التأجير وإرسال المفاتيح إليهم بالبريد، مع تفسير من نوع “آسف جدًا، حالة طوارئ عائلية، اضطررت للمغادرة في منتصف الليل، لكني سأدفع لكم عند مروري القادم بباريس”. سيكونون سعداء جدًا باستعادة سيارتهم لدرجة أنهم لن يثيروا أي مشكلة. “استجاب ألبير [الدليمي] لوجهة نظري”.

بعد ذلك، يعلن رافي إيتان، العائد من بوابة إيطاليا، أن الطريق سالك، ولم تعد هناك حواجز. يقف الجميع ويمدون أجسادهم.

يبدو الدليمي “عصبيًا بعض الشيء”، عندما يقول: “آمل أن يسير كل شيء على ما يرام، ولكن إذا حدثت مشكلة واحتجت إلى مساعدتكم، هل يمكنكم المجيء إلى الموقع لتقديم يد العون لي؟” باستخدام الخريطة، وفي زاوية الطاولة، تم الاتفاق بسرعة على “نقطة لقاء، عند تقاطع طرق، على بعد حوالي 7 كيلومترات من مكان العمل”. يكفي الاتصال بالسنترال المرتجل، سيكون هناك دائمًا شخص ما، طوال الليل. بعد أن شكر “ميفوراش” وزملاءه، غادر الدليمي، وتبعه رجاله. كانت الساعة بعد منتصف الليل والنصف.

“وفقًا لجميع المؤشرات، ستنتهي القضية اليوم.” هذه الرسالة، التي أرسلتها وحدة الموساد في باريس في الساعة الواحدة صباحًا، لم يتبعها … شيء طوال صباح يوم الأربعاء 3 نوفمبر. في الساعة 1:15 ظهرًا فقط، أعلنت باريس للمقر في تل أبيب أنها “تلقت رسالة هاتفية، لا تتفق تمامًا مع ما تم الاتفاق عليه ولكنها توحي بأن كل شيء سار على ما يرام. سنرسل المزيد من الأخبار بمجرد حصولنا عليها”. (…)

في حوالي الساعة 5:30 مساءً، “بالصدفة”، التقى الدليمي و”ميفوراش” ببعضهما البعض في المقهى القريب من الشانزليزيه حيث التقيا في الليلة السابقة. (…) يروي الدليمي ليلته، بشكل عفوي، في المقهى. يشير إلى أنهم وصلوا “في الساعة 1:30 صباحًا إلى المنزل الذي كان يختبئ فيه بريجيت [بن بركة]” وأنه “أطلق سراح” الحراس الثلاثة بالقول إنه سيتم “نقل” بن بركة إلى المغرب. حتى أنه أخبرهم أنه قد يتصل بهم مرة أخرى “في حال احتاج إلى مساعدتهم”. لقد فعل ذلك “لإبعاد فكرة التخلص من بريجيت عن أذهانهم”. بعد مغادرة الفرنسيين، أبلغ بن بركة أن لديه أسئلة ليطرحها عليه وأنه سيتحدث هذه المرة…

بدأ [الدليمي] الاستجواب، وعندما لم تعجبه الإجابات، أخذوه إلى الحمام وكأنهم سيعذبونه، “لكن هذا لم يكن صحيحًا”. يثبت الدليمي عينه على محاوره، للتأكد من أنه فهم. في الواقع، بعد ملء حوض الاستحمام بالماء، بدلاً من مجرد غمر رأس بن بركة، أمسكوا به “لمدة ثلاث دقائق هكذا” تحت الماء – يمد الدليمي ذراعه للأسفل، وراحته متجهة للأمام. لقد أغرقوا بن بركة في حوض الاستحمام. “بعد ذلك، التقط ألبير [الدليمي] صورة له، ‘ليصدقوا في البلاد أنها انتهت حقًا’، أضاف، مازحًا”.

وصول رافي إيتان، الذي أطلعه “ميفوراش” على لقائه العرضي مع الدليمي، لم يربك نائب رئيس الأمن المغربي. بل على العكس، بينما جاء إيتان لتنظيم “جلسة الاستخلاص” الرسمية مع نفتالي كينان، بدأه الدليمي بالحديث عن المزايا النسبية بين “طريقة الحمام” و “طريقة الطب” [في إشارة إلى استخدام السم]. يرى أن الأخيرة جيدة فقط عندما يكون لديهم سم فوري المفعول وعديم اللون والرائحة، ويسهل إدارته.

وبما أنهم حذروه من أن الأمر ليس كذلك، فقد استخدم الأسلوب الأبسط. يخبره إيتان أن السم القاتل كان في الطريق بالفعل، وأنه وصل هذا الصباح (على متن الرحلة الجوية إل عال 44120). يود الدليمي اختبار السمّين “في مناسبة ما، للمقارنة”. يعده إيتان بإرسالهما إليه في المغرب…

يسعى “ميفوراش”، الذي يجب أن يعمل كمترجم، لأن رافي لا يتحدث الفرنسية، إلى قطع الحديث. بناءً على طلبه، يعيد الدليمي السم غير المستخدم، ومفاتيح “المنزل الآمن” الذي استخدم كمخزن لـ “الأدوات”، وجوازات السفر المزيفة والحقيقية التي لم يحتاجوا إليها أيضًا. يود الدليمي الاحتفاظ بجواز السفر الذي صُنع له “كتذكار”.