story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

المرحلة تتطلّب ترصيد الإيجابيات ومعالجة جوانب النقص

ص ص

في نهاية هذا الشهر، يوليوز2025، يُكمِلُ المغربُ السنة السادسة والعشرين من حُكمِ جلالة الملك محمد السادس. إنها 26 سنة حافلة راكمت فيها بلادُنا منجزاتٍ هائلة، على شتى المستويات وفي مختلف المجالات، بما غيّر كثيراً نحو الأفضل وجه المغرب. ومن المؤكد أن الإصلاحاتِ الجوهرية تتمُّ استناداً إلى المشروعية القوية والمكانة الريادية للمؤسسة الملكية، وإلى الإرادة الإصلاحية لجلالة الملك، وإلى التلاحم القوي بين العرش والشعب، واصطفافِ القوى الحية بالبلاد وراء جلالة الملك.

العامُ السادسُ والعشرون من عهد جلالة الملك محمد السادس لا يخرجُ عن هذا الإطار. وقد انطلق هذا العامُ، كما نتذكر، على إيقاعِ التفاؤل بالأفضل، بِحدثٍ أفرحنا جميعاً وأدخل السرور على قُلُوبِنا، كديموقراطيين وحقوقيين، وهو العفو الملكي، الكريم والسامي، على عددٍ من الصحافيين الذين كانوا معتقلين.

ويظل الأملُ كبيراً في أن تعرف السنةُ التي نستقبلها، من عهد حُكم جلالة الملك محمد السادس، إيجاد الصيغ الملائمة لطيّ ما تبقى من ملفاتٍ مرتبطة بصحافيين متابعين أو بمعتقلين إثر حركاتٍ اجتماعية مختلفة، بما من شأنه خلق أجواء مجتمعية إيجابية تساعد على اقتحام جيلٍ جديد من الإصلاحات.

أيضاً، تميزت هذه السنة بمواصلة جلالة الملك اهتمامه المباشر بورش إصلاح مدونة الأسرة، ولا سيما من خلال ترؤُّس جلالته جلسةً عملٍ هامة خُصصت للموضوع، في أعقاب بلورة الهيئة المكلفة لمقترحات التعديلات ذات الصلة. مع ما عرفه الحدث من توجيهاتٍ ملكية سامية بمواصلة التفكير والاجتهاد للتجديد بما يُساير متطلبات العصر؛ وبضرورة تواصُل الحكومة مع الرأي العام لتعريفه بمستجدات هذه المراجعة؛ وإعداد مبادرة تشريعية، بهذا الخصوص، داخل آجال معقولة.

وهي مناسبة للتأكيد على واجبِ الحكومة في أن تأتي بمشروعٍ لقانون مدونة الأسرة، في أقرب الآجال، وبما يتلاءم مضموناً مع توجُّهات التوجيه والتحكيم الملكيين الساميين.

هذا العام، من حُكم جلالته، تميّز أيضاً بإعادة الدفء لعلاقات المغرب مع شريكٍ تقليدي وهام لبلادنا، اقتصاديا وسياسيا وتاريخيا وثقافيا، هو فرنسا، مع إقرار هذه الأخيرة بسيادة المغرب على الصحراء، وبالموازاة مع توقيع شراكةٍ ثنائية، استراتيجية واستثنائية.

ومن المؤكد أن التحوّل في الموقف الفرنسي إزاء قضية وحدتنا الترابية يكتسي أهميةً بالغة، سواء بالنظر إلى المعرفة العميقة لفرنسا بتفاصيل الملف ونشأته وحيثياته الدقيقة، أو بالنظر إلى موقع فرنسا في المنتظم الدولي كعضو دائمٍ في مجلس الأمن.

طبعاً، نحن، هنا، نتحدث عن إنجاز نوعي للديبلوماسية المغربية، بقيادة جلالة الملك، يتوازى مع مكاسب لا تقلُّ أهمية، خلال العام المنصرم، من قبيل تأكيد الموقف الأمريكي الداعم للسيادة المغربية على صحرائنا، والتحوّل في الموقف البريطاني الداعم حاليا لمبادرة الحُكم الذاتي، فضلًا عن تغيرات إيجابية في مواقف دول أخرى، آخرها البرتغال.

كلها، وغيرها، انتصارات ديبلوماسية لا شك في أنها تتأتّى بِجُهد كبير ومتبصر يُشرفُ عليه جلالة الملك شخصيا، بما أعطى، اليوم، هذا الزخم القوي لملف توطيد وحدتنا الترابية، وبما يفتح آفاقاً غير مسبوقة أمام فرصة الطيِ النهائي لهذا النزاع المفتعل والمزمن.

على هذا الأساس، يتعين على بلادنا مواصلة سُمُوّ سياسة اليد الممدودة، بالموازاة مع نهج اليقظة والحذر إزاء الخصوم، بقوة هادئة، والعمل على تطوير مقاربة مقترح الحكم الذاتي في ظل السيادة المغربية، والتحضير لها على كل المستويات. كما تستلزم المرحلةُ تعبئة كل أصناف الديبلوماسية الموازية.

ويظل صمّامُ الأمانِ للنجاحِ في توطيدِ وحدتنا الترابية هو تمتينُ الجبهة الداخلية، ديموقراطيا واقتصاديا واجتماعيا، من خلال ما يتعين إطلاقُهُ كجِيلٍ جديدٍ من الإصلاحات على كل المستويات.

وعموماً، سيكون من الجيد لديبلوماسيتنا المغربية مواصلةُ وتعزيز السير في نهجِ الحرصِ على صون مصالحنا الوطنية وسيادة واستقلالية قرارِنا الوطني، والدفاع عن مبادئ القانون الدولي، وكل ذلك في ظل الحرص على نسج وتعميق شراكاتٍ متعددة ومتنوعة.

في هذا السياق، لا بد من التأكيد على التوجُّه الإفريقي لجلالة الملك، حيث أن المبادرات الملكية الثلاث الكبرى، تمضي قُدُماً، خلال هذا العام، بشكل جيد على المستوى العملي، وهي المتعلقة بمسلسل الرباط للدول الأفريقية الأطلسية؛ ومبادرة تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي؛ ومبادرة خط أنبوب الغاز نيجيريا – المغرب.

وللتذكير، فإن هذه التوجُّهات الأفريقية للمغرب، الواجب تعزيزها، تُجسِدُ، بالملموس، النداءاتِ التي ما فتئ يُوجهها جلالة الملك إلى المجتمع الدولي، وإلى القوى الكبرى تحديداً، من أجل تغيير المقاربة المعتادة تقليديا إزاء قارتنا الأفريقية، باعتبارها قارة المستقبل الواعد، التي تحتاج إلى مساعداتٍ أقل، وإلى شراكاتٍ متبادلة أكثر نفعاً وتكافؤاً، بما يسهم في تحقيق تطلعات الشعوب الإفريقية نحو السلام والاستقرار والكرامة، ونحو الديموقراطية والتقدم، مع الحفاظ على حقها في استثمار خيراتها وثرواتها والحفاظ على مواردها.

كذلك، تميز العام بإعلان الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، رسميا، منح المغرب تنظيم مونديال 2030، إلى جانب إسبانيا والبرتغال، وهو الخبر الذي كان جلالةُ الملك قد زفّه للمغاربة قبل ذلك بنحو سنة إثر اعتماد هذا الملف الثُّـــلاثي كترشيحٍ وحيد.

ومما لا ريب فيه أن هذا القرار يمثل اعترافًا بالمكانة الخاصة التي يحظى بها المغرب عالميا، كما يجسد فرصةً ذهبية أمام بلادنا لأجل تحقيق قفزة إصلاحيةٍ شاملة، على شتى الواجهات الاقتصادية والاجتماعية والديموقراطية والحقوقية والثقافية والإيكولوجية، وبمختلف المجالات الترابية للمملكة.

في هذا السياق، على مستوى البنيات التحتية، عِشنا لحظة إعطاء جلالة الملك انطلاقة إنجاز الخط السككي فائق السرعة LGV القنيطرة- مراكش. ونعيشُ طفرةً على مستوى البنيات التحتية الرياضية في المدن المونديالية الست.

في هذا الإطار، نتقاسمُ مع جلالته، بكل قوة وصدق، التطلع والإرادة في أن تستفيد كل جهات وأقاليم المغرب من هذه الطفرة التنموية. كما نتطلعُ إلى أن يتم استثمار تحضيرات بلادنا لاحتضان كأس العالم في تحقيق نهضة شاملة، اقتصادية واجتماعية وديموقراطية وحقوقية، لإعطاء الصورة التي يستحقها المغرب والمغاربة أمام العالم، من خلال الاستثمار في الإنسان، وتوسيع فضاء الحقوق والحريات، وإعطاء دفعة قوية لنسيجنا الإنتاجي والمقاولاتي الوطني.

أما على المستوى الاجتماعي، فيظل من أبرز أحداث هذا العام هو إهابة جلالة الملك بالشعب المغربي إلى عدم القيام بشعيرة أضحية العيد لهذه السنة، وهو قرار ملكيٌّ شُجاع وحكيم، رفع الحرج والضرر عن ملايين الأسر المغربية، لا سيما المستضعفة، في استشعارٍ ¸وتفهّم عميقين من جلالته للظروف الاقتصادية والاجتماعية لفئاتٍ واسعة من المغاربة، في ظل الجفاف والغلاء.

ونتطلع نحو أن تتخذ الحكومة، خلال السنة المتبقية من ولايتها، إجراءاتٍ وقراراتٍ، ملموسة وقوية وذات أثر إيجابي، من أجل دعم القدرة الشرائية للمغاربة، وخفض معدلات البطالة، وتقوية الاستثمار، وتحقيق التقدم المنشود على مستوى عدالة توزيع الثروة اجتماعيا ومجاليا.

انطلاقاً من كل هذه المكتسبات المتراكمة وغيرها، ومن الفلسفة التي تُحرِكُها، ولأن أي مسار إصلاحي، بطبيعته، هومسار دينامي وغير مُتناهي ويُواجِهُ تحدياتٍ وصعوبات طبيعية؛ فإن المرحلة تستلزم من كافة الفاعلين والمؤسسات والقوى الحية ببلادنا، ترصِيد الإيجابياتِ، لأجل استكمال مسيرة البناء والإصلاح، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وقيميا.

كما تقتضي المرحلةُ مُعالجة جوانبِ النقص، لا سيما على مستوى العدالة الاجتماعية والإنصاف المجالي، والتي وردت بوضوحٍ وجرأةٍ ورؤيةٍ استشرافية في عددٍ من خُطبِ جلالة الملك محمد السادس، بما فرض بلورة نموذجٍ تنموي جديد، واعدٍ وواقعي، ويحظى باتفاق كل القوى والفعاليات الحية للأمة المغربية، على مضامينه وتوجُّهاته الإصلاحية الكبرى.

فالمغرب مؤهل، اليوم بامتياز، بالنظر إلى تاريخه وحضارته وشخصيته، وإلى مكتسباته وقوة عزيمته، وإلى اتساع تطلعاته، وإلى استقراره ومتانة مؤسساته، من أجل اقتحام جيلٍ جديد من الإصلاحات، اعتماداً على تقوية الفضاء الديموقراطي والحقوقي وتوسيع فضاء الحريات، وعلى الأبعاد التنموية، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإيكولوجية، حتى يتعزز الموقعُ الريادي للمغرب في محيطه، وحتى تتحقق تطلعات المغاربة على جميع المستويات.

  • هذا المقال هو جزء من ملف العدد 75 من مجلة “لسان المغرب”، لقراءة الملف كاملا يرجى الضغط على الرابط