مِجهر المونديال !
التقرير التقييمي الشامل لملف التنظيم الثلاثي المغربي الإسباني البرتغالي لكأس العالم 2030, الذي كشف عنه موقع الإتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”، نهاية الأسبوع الماضي، جاء في بابه الخامس المتعلق بالإستقرار وحقوق الإنسان وحماية البيئة، ما يلي:
“وفقًا للعروض المقدمة من البلدان الثلاثة، نَعتبِر أن البرتغال وإسبانيا تتمتعان بحماية قوية في مجالات حرية التعبير وحرية التجمع وحرية الاعتقاد، وفيما يتعلق بالمغرب، يشير تقييم السياق إلى ضرورة تعديل القوانين المحلية لتتوافق بشكل كامل مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وفي هذا الصدد، يبرز المجلس الوطني لحقوق الإنسان المغربي الحاجة إلى تعديل الأحكام القانونية الجنائية الحالية المتعلقة بحرية التعبير.
وتشمل المخاطر الأخرى التي تم تحديدها في تقييم التوترات المحتملة حول التظاهرات غير المرخص لها، واستخدام القوة بشكل مفرط أو فرض قيود مفرطة من قبل مسؤولي إنفاذ القانون خلال كأس العالم لكرة القدم.
للتخفيف من هذه المخاطر، يخطط مقدمو العرض – بالتعاون مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان – للدعوة إلى إصلاح قانون الصحافة والنشر ليتماشى مع أحكام العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وتوصيات هيئات دولية أخرى”.
واضح من خلال هذه الفقرة، أن تنظيم كأس العالم لكرة القدم، لم يعد فقط مشروطا بالتوفر على البنية التحتية اللازمة، من ملاعب وطرق ومواصلات وفنادق ومستشفيات (نال فيها المغرب نقاطا جيدة مقابل بعض الملاحظات السلبية حسب ذات التقرير)، بل أصبحت الفيفا التي تتوفر على نفوذ يعادل نفوذ الدول العظمى، تمحص في قوانينك واقتصادك وبنياتك الثقافية والثراثية، و”تبقشش” في مدى توفرك على احترام جاد للمواثيق الدولية المتعلقة بالحرية وحقوق الإنسان وشيوع قيم المساواة والعدالة الإجتماعية وتكافؤ الفرص، وتعري على نواقصك وأعطابك وتجبرك على ترميمها وتقترح عليك حلولا من أجل ذلك.
نحن الآن نتحدث فقط عن تقرير تقييمي صادر عن أعلى جهاز كروي في العالم قبل مصادقته النهائية على ملف التنظيم، أي على بعد ست سنوات من الموعد المقرر لمونديال 2030، فلنتصور ما سيحدث بعد أن يبدأ هذا الحدث الكروي يقترب سنة بعد أخرى، ويتزايد خلالها اهتمام الحكومات والمستثمرين والرأي العام العالمي وجماهير كرة القدم في كل قارات المعمور بالبلد الذي سيخوض فيه منتخبهم الوطني أرقى مناسبة كروية لا تتكرر إلا كل أربع سنوات، وأيضا المنظمات الحقوقية الدولية والمؤسسات المالية العالمية، مع ما يتبع هذا الإهتمام من بحث دقيق في خصوصياتنا الثقافية والإجتماعية، ووضعنا السياسي والحقوقي، ومدى مرونة اقتصادنا الوطني لاستقبال رساميل الإستثمار الأجنبي.
خلال السنوات القادمة سيصبح المغرب تحت مجهر العالم، وستكون ملابسنا الداخلية عرضة للإنتقاد والتعرية، وسنتلقى بين الفينة والأخرى ملاحظات قاسية من طرف المنظمات الدولية حول معضلة من معضلاتنا. فنحن من سعى إلى تنظيم المونديال وقبلنا أن نضع أنفسنا تحت الأضواء، ويجب أن نتقبل نحن المغاربة سلطات ومواطنين أي شيء سلبي نُشر أو قيل عن بلادنا بصدر رحب، دون أن نرد بكل “تخراج العينين”، أو بالوطنية الفلكلورية متحدثين عن العراقة والتاريخ وباقي الكلام العاطفي البعيد عن الواقع.
المونديال وشروط الفيفا وملاحظات المنتظم الدولي، بالإضافة إلى أنها ستفتح لنا بابا لتحسين الكثير من الخدمات الأساسية في المدن المغربية، يجب أن تكون لنا أيضا حافزا لإنجاز ما عجزنا عنه بلا مونديال ولا كرة، وأن تكون دافعا لتسريع أوراش كنا سننجزها بإيقاع السلاحف، والأهم من كل هذا، أن تكون مناسبة كأس العالم فرصتنا الحقيقية لترسيخ قيم الحرية وحقوق الإنسان والمساواة والعدالة الإجتماعية، وإصلاح ترسانتنا القانونية ومطابقتها مع المواثيق الدولية والمبادئ الكونية، وتنقية فضاءاتنا العمومية من مظاهر “تهرݣاويت” والفوضى التي تنفر الزائرين.