مونديال الأندية ومنشار الفيفا !
إنطلقت كأس العالم للأندية في نسختها الجديدة، وأعطت مبارياتها الأولى انطباعا سريعا..
الأمر يتعلق بمنافسة أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها إستعراضية فقط، ولا علاقة لها بما الترويج له طيلة الشهور السابقة، أنها ستكون “ثورة” تقنية على مستوى منافسات الأندية.
تلك الأضواء المبهرة التي سادت حفل الإفتتاح، وأيضا طقوس دخول الفريقين إلى أرضية الملعب، وإدخال المزيد من الوسائل التكنولوجية في التصوير، وتجريب كاميرات صغيرة ملتصقة في أذن الحكم لمعرفة زاوية رؤيته للحالات المثيرة للجدل، والكثير من الموسيقى الصاخبة في الملاعب، وعدد الوصلات الإشهارية قبل وأثناء وبعد المباريات.. كل هذه الأشياء تصل بنا إلى خلاصة أننا فقط أمام حفلات ضخمة للإشهار والإعلانات، وعملية تسويق كبيرة للشركات العملاقة، ومناسبة ثمينة لترويج السلع والمنتوجات… وكل ذلك يتم تحت غطاء منافسة جديدة في رياضة كرة القدم
تقنيا شاهدنا مباريات “محلولة” تصل فيها الكرة بسهولة إلى مرمى الفريقين معا، حتى أن عدد الأهداف، وأيضا الفرص السانحة للتسجيل كانت متاحة بشكل غير معتاد، مع إيقاع بطيء، وأخطاء كثيرة في التمرير والتموضع، خصوصا من الأندية المحسوبة على الصف الثالث والرابع في هذه المنافسة.. كما ظهرت فوارق السماء والأرض في العقلية الإحترافية وجودة اللاعبين الذين يخوضون هذه الكأس الجديدة، وظهر ذلك بشكل جلي في المباراة الإفتتاحية، وكيف أضاع لاعبو الأهلي المصري فوزا سهلا برعونة كبيرة أمام ليونيل ميسي وزملائه “المتقاعدين”.
النسخة الجديدة لكأس العالم للأندية منذ الإعلان عن استحداثها، وإقامتها في الولايات المتحدة الأمريكية، شابت عملية الإعداد لها الكثير من الصعوبات والمعيقات والمشاكل، ابتداءً من صعوبة إيجاد الفترة الزمنية الملائمة، وعزوف الجمهور ومشكل تمويل المنافسة وإيجاد الشركات الراعية والعثور على مشترين لحقوق النقل التلفزيوني للمباريات، وأيضا معارضة نقابة اللاعبين المحترفين الذين يشتكون من كثرة المنافسات والمسابقات والإنهاك الذي أصبحوا يتعرضون له، واستغلالهم في آلة جشعة للأرباح ومراكمة المداخيل من كرة القدم.
الفيفا، وهي الإمبراطورية الكروية-الإقتصادية التي يفوق نفوذُها نفوذ الكثير من الدول والحكومات المؤثرة، وسيرا على النهج الذي تبنته منذ عهد الداهية سيب بلاتير في التحول إلى منشار مالي “طالع واكل نازل واكل” من كل التظاهرات والمنافسات، عندما وضعت نصب أعينها تنظيم نسخة متطورة لكاس العالم للاندية، فهي لم تفعل ذلك من أجل سواد عيون كرة القدم ولاعبيها ومدربيها ومستواها التقني، بل رأت فيها “همزة” غير مسبوقة لملئ صناديقها الممتلئة أصلا، فنزلت بكل ثقلها من أجل إنجاح الفكرة الجديدة وضمان استمرارها وترسيخها كموعد ثابت وقار مثلها مثل مونديال المنتخبات.
الهياة الكروية العليا لإدارة كرة القدم التي يرأسها الأصلع السويسري جياني إنفانتينو، استطاعت بطرقها الخفية في التفاوض والإغراء، أن تتغلب على جميع الصعوبات التي كانت تهدد بإلغاء تنظيم النسخة الأولى.. فتمكنت من دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى مزيد من تحديث ملاعبها المحتضنة للدورة وفق شروط جديدة، وتمكنت من إيجاد شركات راعية للبطولة، كما تمكنت من بيع حقوق النقل التلفزيوني لشركة DAZN بمبلغ مليار دولار، وزعت الفيفا أغلبه على الأندية المشاركة، وخاصة الاندية العريقة التي تمتلك ترسانة من النجوم القادرين على إنجاح البطولة بصورتهم المطلوبة تسويقيا وتجاريا.
النتيجة النهائية لهذا الإصرار على تنظيم مونديال الاندية بكل الوسائل، وفي هذه الفترة الحساسة والساخنة بعد نهاية الموسم، هو أننا سنشاهد مباريات “تقصيرية” يخوضها لاعبون منهكون جراء موسم شاق وطويل، أحضرتهم أنديتهم “بالزز” وبإغراءات مالية للمشاركة في “مهرجان” فيه كل شيء من تفاصيل التسويق والإشهار والإعلانات والربح، إلا الشيء المهم وهو كرة القدم الحقيقية بصراعها وتنافسها وحدة لعبها وتكتيكاتها وفنياتها الممتعة.
إنفانتينو نجح في تنظيم “مهرجانه” التسويقي الصيفي الجديد، وقد يزيد في إدخال يده في مبارياته لضمان مزيد من النجاح… فلا شيء يعلو فوق لغة المال لدى إمبراطورية الفيفا.