story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

مولاي يوسف.. أضواء من زاوية مظلمة في حياة السلطان المجهول

ص ص

عرف المغرب منذ بداية القرن العشرين ستة سلاطين وملوك، هم بالترتيب: السلطان مولاي عبد العزيز، والسلطان مولاي عبد الحفيظ، والسلطان مولاي يوسف، والسلطان محمد بن يوسف، والملك الحسن الثاني، والملك محمد السادس. ورغم أن السلطان مولاي يوسف هو يتموقع في الوسط سواء من حيث الترتيب أو المدة التي قضاها في الحكم (15 سنة)، إلا أنه يعتبر الغائب الأكبر عن الكتابات التاريخية والوثائقيات والروايات السياسية والمذكرات المتعلقة بالتاريخ الحديث للمغرب.

فباستثناء بعض اللقطات النادرة التي التقطت له في أواخر عهده أثناء زيارته لفرنسا (عام 1926)، إلا أن اسمه يكاد لا يذكر إلا باعتباره أبا لمحمد الخامس، علما أنه تولى الحكم في مرحلة دقيقة وخطيرة من التاريخ المعاصر للمغرب، وهي الثلث الأول من فترة الحماية الفرنسية، من 1912 إلى 1927.

ينعته البعض ب”سلطان الفرنسيين”، ويدافع عنه آخرون بكونه تسلّم الحكم في أسوا فترات الدولة المغربية في العهد العلوي على الإطلاق، أي حين خسر المغرب رسميا سيادته وخضع لسيطرة مباشرة من جانب قوة خارجية، فيما يكتفي آخرون ببرير حضوره الخافت في المشهد التاريخي بتموقعه بين سلطانين استثنائيين، الأول هو عبد الحفيظ الذي قاد المرحلة الأخيرة من المقاومة المغربية للتغلغل الاستعمارين ثم اضطر للتوقيع على الحماية والرحيل، والثاني هو محمد الخامس الذي تحالف مع القوى الوطنية التي أفرزها المجتمع المغربي وقاد معها عملية التصدي للوجود الاستعماري، وحصل في النهاية على الاستقلال، وغن كان البعض يعتبره منقوصا.

أمير في الظل

عادت شخصية هذا السلطان المغربي إلى الواجهة مؤخرا بصدور كتاب جديد لصاحبه محمد المعزوزي، بعنوان “السلطان مولاي يوسف والحماية الفرنسية بالمغرب (1912-1927)”، والذي تولت نشره المندوبية السامية للمقاومة.

ويخلص صاحب الكتاب إلى أن الرواية الأكثر وثوقا حول مكان وتاريخ ميلاد السلطان مولاي يوسف، إلى أن الولادة كنت في مدينة مكناس، وأن أمه هي للا أمينة التي تنحدر من أصول تركية. لكن تاريخ الازدياد يظل متراوحا بين 1878 و1882 بفعل اختلاف الروايات، أي أن سنه لحظة تنصيبه سلطانا في سنة 1912 كان بين 30 و34 سنة.

ويحيل هذا الكتاب الجديد على تقرير أعدته الإقامة العامة الفرنسية حول ظروف نشأة مولاي يوسف، يقول إنه قضى شبابه في الدراسة، وكان قريبا جدا من شقيقه مولي عبد العزيز. كما تلقى تربية علمية وعسكرية شملت حفظ القرآن الكريم والمتون إلى جانب الفقه والأدب والتاريخ والسير…

وينقل الكتاب عن الباحثة ثريا برادة قولها إن مولا يوسف كبر في الظل بين أكثر من خمسين أخا، كان من بين صغار السن بينهم، وهو ما جعل تربيته لا توجهه نحو تولي الشؤون السياسية والمسؤوليات التدبيرية، عكس إخوته عبد الكبير ومولاي عبد الحفيظ ومولاي عمر. فيما استفاد مولاي يوسف من دعم ومساندة والدته التركية، للا أمينة، منذ اعتلائه العرش وحتى وفاتها سنة 1918.

وتتسم حياة السلطان مولاي يوسف قبل تنصيبه عام 1912 بغموض كبير، نجم عن تهميشه وإقصائه عن تولي أي منصب أو مسؤولية سامية في عهد شقيقيه، عبد العزيز وعبد الحفيظ، ويفسّر كتاب محمد العزوزي هذا الغياب بكثرة الإخوة، أبناء السلطان الحسن الأول.

فقبل ظهوره المفاجئ على مسرح التدبير السياسي للمغرب بعد تنازل أخيه السلطان عبد الحفيظ، يعود أول ظهور للأمير مولاي يوسف في السجلات الرسمية للتاريخ إلى العام 1908، حين تولى قيادة بعض المحلات العسكرية إلى جانب أخيه السلطان عبد الحفيظ، خاصة منها المحلات التي توجهت إلى المناطق الواقعة شمال فاس.

متأرجح بين أخويه السلطانين

ارتبط مولاي يوسف بعلاقة وطيدة بأخيه السلطان عبد العزيز، لدرجة استفاد معها من أملاك عقارية حصل عليها كمنحة من أخيه السلطان. وتفيد بعض المصادر التاريخية أنه اصطف إلى جانب عبد العزيز خلال معركته الطاحنة ضد أخيه عبد الحفيظ، والتي انتهت بانتصار هذا الأخير، حيث أصيب مولاي يوسف صيف العام 1908 خلال مشاركته في إحدى المعارك إلى جانب جيش عبد العزيز في مواجهة جيش أخيه عبد الحفيظ، وهي معركة “بوعشيبة” التي انتصر فيها هذا الأخير وراح يزحف بعدها نحو عاصمة الحكم فاس حيث بويع سلطانا جديدا.

بعد انقلاب موازين القوة بين الأخوين المتصارعين، طلبت السلطات الفرنسية التي كانت تتموقع في الدار البيضاء في سياق تغلغلها التدريجي في الأراضي المغربية، من أمناء الدار المدينة صرف مؤونة يومية لمولاي يوسف قدرها 14 ريالا، إلى جانب أمراء آخرين. كما سمحت السلطات الفرنسية لمولاي يوسف وإخوته بالخروج من الدار البيضاء واللقاء بالسلطان مولاي عبد الحفيظ، والذي كان يحاول استمالة إخوته الذين كانوا في حلف أخيه عبد العزيز، ومنعهم من الانسياق للإغراءات الفرنسية.

بعد التوصل إلى اتفاق انتقال العرش، والذي كان يقضي أيضا بانتقال مولاي عبد العزيز إلى مدينة طنجة لتكون مقرا لإقامته، مع إمكانية اصطحابه بعض إخوته ومن بينهم مولاي يوسف، نظرا للعلاقة الخاصة التي كانت تربط بينهما. وبعد انتقاله فعلا إلى طنجة، سرعان ما نجحت مساعي عبد الحفيظ لاستمالته، مستعينا في ذلك بوالدته للا أمينة، فعاد إلى مدينة فاس ليقيم في القصر السلطاني.

توطدت علاقة الأخوين تدريجيا وانخرط مولاي يوسف في “مخزن” أخيه مولاي عبد الحفيظ، حيث بات يتولى مهام عسكرية على رأس محلات كان السلطان يوجهها نحو المناطق المتمردة على حكمه بسبب توقيعه معاهدة الحماية.

توجه مولاي يوسف على رأس حملات عسكرية في شمال وشرق المغرب محاولا تثبيت حكم أخيه. وبعد نجاحه في تلك المهام، استدعي مولاي يوسف إلى مدينة فاس، حيث عيّنه مولاي عبد الحفيظ خليفة له فيها بعدما عزم على الخروج بنفسه لإخضاع مناطق الغرب والحوز، إلى جانب القائد المدني الكلاوي.

وبعد إلغاء هذه الحملة العسكرية بفعل أنباء عن وجود تحضير لثورة داخل مدينة فاس، تم تكليف مولاي يوسف بالخروج مجددا لإخضاع قبيلة فشتالة، شمالي مدينة فاس، فعاد منها منتصرا ومصحوبا بمائتي أسير.

لكن النجاح لم يحالفه عندما وجّهه السلطان نحو الشراردة، وهو ما أكد لمولاي حفيظ استحالة عودة الاستقرار بدون تدخل قوة أكبر، وهو ما دفعه لطلب المساعدة من الفرنسيين المتمركزين في الدار البيضاء، وكانت تلك فرصتهم الأولى للوصول إلى فاس، وهو ما انتهى بتوقيع معاهدة الحماية.

لم يكن التدخل الفرنسي كما كان يعتقده المولى عبد الحفيظ، أي مجرد عملية جراحية دقيقة تزيل أسباب الاضطراب وتنسحب، بل تابع كيف استغلوا فرصة استغاثته بهم لاستباحة فاس ونواحيه والإمعان في القتل والإعدامات في حق من يفترض انهم متمردون على السلطان، وهو ما جعله يقرر التنازل عن العرش والانسحاب نهائيا من المشهد، باعتبارها بدا مساره كسلطان للجهاد.

الملف كاملا، تجدونه في العدد الأخير من مجلة “لسان المغرب” على هذا الرابط