story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

موقف الحركة النسائية الإسلامية من إصلاح مدونة الأسرة

ص ص

سأحال أن أجيب في هذا المقال عن سؤال هل الحركة النسائية الإسلامية تسعى في دعواها لإصلاح المدونة، إلى نبذ العنف والحيف والتمييز بين الإناث والذكور، وتسعى إلى الانصاف والمساواة؟ أم أنها تكرس نفس الهيمنة بين الجنسين والنظرة الذكورية للمجتمع؟ هل تتبنى نفس نظرة الفقهاء ومنظري الحركات الإسلامية للمرأة، أم لديها نظرة إسلامية تقدمية واجتهادات جديدة للنص الديني؟

سأنطلق من الندوة الحوارية التي نظمتها صحيفة « آشكاين » والتي جمعت بين شخصيتان تمثلان توجهين فكريين مختلفين: الأستاذة الجامعية والحقوقية لطيفة البوحسيني، التي تمثل التيار الحداثي، والناشطة السياسية ماء العينين، عضوة الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية والبرلمانية السابقة. ومن خلال كتاب الناشطة النسائية جميلة لمصلي حول الحركة النسائية، وذلك بالبحث في أوجه الاختلاف بين الحركة النسائية الحداثية والأخرى الإسلامية وموقعهم من المساواة والانصاف، وهل يمكن أن نتحدث عن حركة نسائية إسلامية بالطريقة الحداثية؟

نشأت الحركة النسائية في المغرب بوعي ذاتي وليس من تدخل خارجي، وذلك إثر وعيها بحقوق المرأة وبدورها الطلائعي في التنمية وخلق الثروة، وبكونها متساوية مع الذكر في كل شيء، لهذا يجب أن تحصل على نفس الأدوار التي يحظى بها الجنس الآخر. تم ذلك عبر مسلسل طويل من التعلم الجيد والانخراط الفعال في مسلسل الإنتاج. لقد تأثرت بالقيم التي تحمها العلوم الإنسانية والاجتماعية، وهي قيم كبرى تتعلق بالعدالة والكرامة والحرية والمساواة، وما تتضمنه هذه العلوم من مفاهيم حول الجندر والجنوسة تتجاوز القراءة التقليدية للعلاقة بين الجنسين.

لابد أيضا من توضيح علاقة الدين بالعلوم الإنسانية على مستوى ظهور الحقوق والحريات، وأن هذه العلوم قامت بنقل المركز من اللاهوت إلى الانسان، وركزت على مطالب الانسان بدل مطالب الاله. تبنت في ذلك التعليم العصري والتربية على قيم المواطنة، فتم نزع القداسة عن الدين، ليتم تفضيل العمل بالعلوم الإنسانية في المجال العام بدل العمل بقوانين الدين.

لكن في الحديث عن الحركة النسائية الإسلامية لابد أن نقوم بتقييم لهذه الحركة بالمفاهيم السابقة، هل هي حركة تقدم قراءة حداثية للدين وتسعى لنبذ الحيف أم أنها تكرس نفس الهيمنة الذكورية؟

بداية لابد من الإشارة إلى أن الناشطة ماء العينين تتبنى ثقافة الاعتراف وتؤمن بقيم التعددية والاختلاف، كما تؤمن بإمكانية الوصول إلى التفاهم بين المتحاورين داخل المجال العمومي وإن اختلفت المرجعيات، كما تتوافق مع الأستاذة البوحسيني في ضرورة النضال في ظل النظام السياسي السلطوي أولاً، من أجل توفير الأجواء الديمقراطية العامة لنقاش عمومي حر.

إلا أن نظرتها للحوار العمومي تنطلق من موقف ديني لاهوتي مسبق، لا تريد أن تمارس الحوار من أجل الوصول إلى التفاهم والمشترك، بل تمارسه من أجل أن يطمئن الآخر المخالف، ويتبنى نفس الرؤية. فآلية النقاش لديها نابعة من عقيد دينية راسخة. لقد استدلت بقول الله تعالى: “قال ربي أريني كيف تحيي الموتى؟ قال أولم تومن، قال بلى ولكن ليطمئن قلبي”. فإبراهيم عليه السلام وإن كان له رأي مخالف لرأي الله تعالى، إلا أنه طلب الحوار وفتح التواصل مع الله، ولكن ليس للوصول إلى التفاهم بل إلى الاقتناع والإيمان، لأن الله يمثل سلطة عليا مطلقة بينما يمثل إبراهيم شخصية ضعيفة قاصرة عن الفهم.

إلا أن النقاش في الفضاء العمومي يجب أن يتم وفق مستوى واحد بين المتحاورين، لا فضل لأحدهم على الآخر؛ وليس الانطلاق من مرجعية متعالية في مقابل مرجعية وضعية. لأنه سيُنتج تفاوتا أوليا بين المرجعيات وحجِية الحجج، وأن حجة “الشريعة الاسلامية” أقوى من الحجة العقلية، كما يجب عدم النظر إلى المخالفين في المرجعية أنهم مخطئون ومذنبون، لهذا يحتاجون للوعظ والنصيحة وليس إلى الحوار والتبادل والتفاوض.

تعتمد الناشطة ماء العينين منهجية اجتماعية في إصلاح مدونة الأسرة، وتتبنى في ذلك تأويل النصوص الدينية وفق سياق اجتماعي؛ وترى أن ما وصل إليه المغرب لحد الآن من اجتهادات قانونية متقدمة، تم وفق تفاوضات وتوافقات بين النص الديني والواقع الاجتماعي، بمعنى أن كل النصوص القانونية وإن كان بعضها وضعي بشري، فإنها تمت وفق معطى اجتماعي فرض قوته على النص الديني، فأنتج نصوص جديدة متصالحة مع الواقع.

إن ماء العينين تستعمل هذه المقاربة بشكل انتقائي، فعندما يتعلق الوضع بقوانين قديمة فهي تتبنى المقاربة الاجتماعية والتفاوض والسياق المجتمعي، تتبنى في ذلك أطروحة عبد الله العروي بكون العرف الذي وصل إليه المجتمع حالياً هو اجتهاد اجتماعي للشرع الاسلامي. إلا أنه عندما يتعلق الموضوع بتعديل قوانين جديدة فإنها تتبنى المقاربة النصية الإسلامية؛ ترى أن الإسلام هو دين المغاربة، فهو أصل الأخلاق ومؤسس قيم التضامن والتكافل، يوجد فيه قيم جميلة يجب الحفاظ عليها. هي مغالطة تحسن ماء العينين استعمالها دائما باحتراف، تتحدث كثيرة دون أن تقول أي شيء، تقول أشياء كثيرة لكن دون أن تُظهر أي موقف سياسي اتجاه النوازل.

ترى الحركة النسائية الإسلامية عموماً أن المطالبة بالمساواة تؤدي إلى الصراع مع الذكر، والذي ينتج عنه تشنج في العلاقة وخلق العداوة بين الطرفين، لهذا يرون أن الرحمة والألفة المذكورة في القرآن مقرونة بطاعة الزوجة للزوج، لأنه لا يمكن لربانين أن يقوما بقيادة نفس الطائرة، وهو قصور في فهم معنى المساواة.

ذكرت جميلة لمصلي وهي نسائية أخرى تنتمي إلى نسائيات حزب الدالة والتنمية في الصفحة 337 من كتابها “الحركة النسائية في المغرب: اتجاهات وقضايا”، وهو أطروحة دكتوراه؛ أن العلاقة بين الرجل والمرأة هي علاقة تكامل وتآزر لا صراع ومشاكسة، ومسألة تواد وتعاون لا تباغض واحتراب. بمعنى التكامل في الأدوار وليس التقاسم، لكن التكامل وفق الرؤية الذكورية الموجودة حالياً. كما ترى أن وضعية المرأة والأسرة في الغرب تعكس الرؤية المادية في حين أن الإسلام دين الرحمة والألفة. لهذا فإن الحركة النسائية الإسلامية لا تخرج عن الرؤية الفقيهة الذكورية للإسلام، وهي تتبنى نفس الطرح الذي يتبناه منظرو حزب العدالة والتنمية؛ الريسوني والعثماني والرميد والخلفي. بذلك تكون الحركة النسائية الإسلامية بتعبير بيير بورديو متواطئة مع الرجل ضد مصلحة المرأة.

عبد الرحيم بودلال