story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

موقف الأستاذ بنكيران من العدوان الصهيوني على إيران.. محاولة للفهم

ص ص

لفهم موقف الأستاذ عبد الإله بنكيران من الحرب الإيرانية-الإسرائيلية، يجب استحضار أربعة مداخل نظن أنها معتمدة لديه في بناء موقفه. المدخل الأول مبدئي “شرعي” لا يراعي إلى حد بعيد الحقيقة الواقعية والجيوسياسية للمعركة، والثاني مدخل تحرري يقاوِم الاحتلال ويدعم نقيضه، والثالث مدخل إيديولوجي يستحضر موقف الإسلاميين عموما من “تدخل إيران في الشأن السوري”، والرابع مدخل وطني بين رفض لموقف إيران من قضية الوحدة الترابية وتحسب لموقف الدولة مما يجري. ولذلك، ففي مدة وجيزة، ضمّن عبد الإله بنكيران خطابه هذه المعاني جميعا. وهذا بيان ذلك:

-أولا؛ بخصوص المدخل الشرعي المبدئي، يقول بنكيران إنه “نابع من العقيدة وليس فقط من الحسابات السياسية”، معتبرا التضامن مع إيران ضد العدوان الصهيوني “انحيازا أخلاقيا وشرعيا لمن يدافع عن القضية الفلسطينية”، إذ “لا يمكن -يقول بنكيران- أن نضع الطرفين -إيران و”إسرائيل”- في كفة واحدة”.

وهذا “موقف لا يبحث بنكيران من خلاله عن مكاسب، بل هو لوجه الله، لأن عقيدته تملي عليه أن يكون مع من يدافع عن الحق والمظلومين”، وكذا مع من “يرفع راية الإسلام اليوم، رغم أخطائه”. (عبد الإله بنكيران، كلمة افتتاحية في المؤتمر الجهوي لحزب العدالة والتنمية بجهة فاس مكناس، 22 يونيو 2025)

إن هذا النظر العقدي قد يعفي صاحبه من قراءة المشهد جيوسياسيا، فقراءة “ملموسة” لهذا المشهد كافية لوضع العقيدة في حيزها الخاص بها. الإيرانيون أنفسهم يحسبون الصراع مع الغرب (بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية) حسابا جيوسياسيا وعسكريا، يزنونه بميزان الربح والخسارة، وذلك قبل أن يتحدث المرشد العام خامنئي عن صمود الشعب الإيراني المسلم في وجه “الشر المطلق”، وقبل أن يبارك الضربات الصاروخية ببركة آل البيت.

هناك قدرة إيرانية على تحرير الدين لفائدة تحرير العلم، تجربة خاصة تستمد وجودها من طريقة الشيعة في تلقي الدين من جهة، ومن الاضطرار في واقع جيوسياسي معقد من جهة ثانية. يجب النظر إلى التجربة الإيرانية من زاوية جيوسياسية، وباستحضار مدى قدرة إيران على تدبير نفوذها في منطقة يشتد فيها صراع النفوذ. هذا واقع خاص بإيران، يؤثر على البلاد الإسلامية بهذا القدر أو ذاك. بعد تحديد هذا الواقع، يمكن للفاعل السياسي الحديث عن “نصرة عقدية” من عدمها.

-ثانيا؛ بخصوص المدخل التحرري، يرى بنكيران أن “إيران اليوم لا تواجه المغرب، وإنما تواجه إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة” (نفس المرجع). ف”إيران رغم كل ما يُقال عنها تبقى الدولة الوحيدة التي تدافع عن فلسطين بقدر استطاعتها، ولذلك فإننا نساندها اليوم، خاصة في ظل العدوان المتواصل على غزة” يقول بنكيران (عبد الإله بنكيران، كلمة افتتاحية في المؤتمر الجهوي لحزب العدالة والتنمية بجهة بني ملال خنيفرة، 16 يونيو 2025).

صحيح أن إيران تواجه اليوم الإمبريالية الغربية، لكنها أيضا تواجه تشكيلا جديدا للشرق الأوسط، وهذا التشكيل تنخرط فيه الاستراتيجية العربية نفسها، وباتفاق كافة الدول العربية تقريبا، خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد وتحييد العراق ولبنان إلى حد بعيد و”مصالحة” الحوثيين في اليمن.. إيران نفسها بدأت هذا المشوار بمصالحة السعودية بوساطة صينية.

الصراع اليوم حول نقطة واحدة، إلى أي حد يجب أن تتقدم إيران في مشروعها النووي؟ فهذا الأمر بالنسبة لأمريكا له علاقة بخطتها الجديدة في الشرق الأوسط (التطبيع ورفع اليد تدريجيا)، وبالنسبة لـ”إسرائيل” له علاقة بمستقبل نفوذها في مواجهة نفوذ باقي الدول الإقليمية (تركيا، السعودية، مصر، إيران).

وهكذا فبقدر ما يصعب إنكار الدعم الذي توجهه إيران لفلسطين ومقاومتها، بقدر ما يحتاج هذا الدعم إلى تحليل من الناحية الجيوسياسية. فكلما انشغل الكيان الصهيوني بقواعد الاشتباك المتقدمة في فلسطين أو لبنان أو العراق أو سوريا أو اليمن، كلما كان المشروع الإيراني في مأمن. فلما تراجعت هذه القواعد اضطرت إيران إلى خوض المعركة بشكل مباشر، وهذا ما ظلت تتحاشاه وتتوخاه لعقود.

التنظيمات التي كانت تقبل الدعم الإيران لم تكن تابعة للقرار الإيراني كما يروّج، وإنما هي تقديرات وتنسيقات وضرورات لدى المقاومات من خلالها يتحقق المطلوب الإيراني، وأحيانا كثيرة بكيفية غير مباشرة.

-ثالثا؛ بخصوص المدخل الإيديولوجي، فهو ناتج عن اختلاف موقفي الإسلاميين وإيران وحلفائها من جهة. فبنكيران يعتبر حليف إيران بشار الأسد (النظام السوري السابق) “كابوسا أذاق السوريين الويلات”، إذ يقول: “أنا مسرور لعودة السوريين إلى بلادهم ولنهاية هذا الكابوس الذي أذاق السوريين الويلات، فما بلغني من السوريين من صنوف العذاب الذي تعرضوا له من نظام الأسد، وهو النزر اليسير، يفقد الإنسان صوابه فعلا، فقد تعامل مع شعبه بوحشية فوق العادة وبغباء منقطع النظير، وكان بإمكانه في أي مرحلة أن يرجع للتصالح مع شعبيه، لكنه للأسف لم يفعل وانتهى إلى هذه النهاية المخزية” (عبد الإله بنكيران، تصريح خاصة لـ”عربي 21″، 9 دجنبر 2024).

وقد اعتبر بنكيران أن سقوط نظام بشار الأسد “يمثل تنفيسا من الله على هذا الشعب، لأن ما كان يعانيه لا يمكن تخيله” (نفس المرجع)، في حين تعتبره إيران تراجعا جيوسياسيا لنفوذها في المنطقة. بل إن تقدم إيران في الساحة السورية هو من معركتها ضد “إسرائيل”. فلم يكن العدوان “الإسرائيلي” -على الأرجح- ليبلغها لو بقيت ممتدة جيوسياسيا عبر حلفائها في المنطقة (ما زال هناك امتداد، لكنه تراجع وضعف).

إن مواجهة إيران في سوريا من مواجهتها في بلادها، هكذا يفهم استراتيجيوها الموضوع جيوسياسيا. العدوان على إيران بدأ من العدوان على سوريا منذ 2011، هكذا يُفهَم الموضوع جيوسياسيا. المساندة المتأخرة لا تعفي من الوقوف على النقيض من معركة إيران لسنوات.

وبالتالي فمساندة إيران رغم مواجهتها في سوريا يجب أن تتخذ تكييفا غير تكييف “الأمة الواحدة” و”نصرة فلسطين”، لأنها ليست كذلك إلا بامتدادها الجيوسياسي في المنطقة. ومن دون ذلك ستفرض عليها الشروط الجديدة الالتحاق بالشرق الأوسط الجديد، حيث تصبح قوة إقليمية كباقي القوى التي ذكرناها أعلاه.

-رابعا؛ بخصوص المدخل الوطني، فإن الأستاذ بنكيران يتبنى موقفا معارضا لإيران من جهتين:

*من جهة رفضه لمذهبها (لما فيه من البدع) وتدخلاتها المعادية في قضية الوحدة الترابية؛ وهنا يقول: “نحن لا نقبل تصدير بدع إيران ولا تدخلاتها، لكن لا يمكن أن نستوي مع من يقتل إخواننا الفلسطينيين. نحن مع الأمة الإسلامية، ومع المغرب، وضد كل عدو للمغرب، ونحن اليوم مع إيران ضد إسرائيل، لأن من يدافع عن فلسطين لا يمكن أن يُساوى بمن يذبح الفلسطينيين”. (عبد الإله بنكيران، كلمة في مؤتمر الحزب بجهة فاس مكناس، مرجع سابق)

*ومن جهة تحسبه لموقف الدولة المغربية؛ وهو ما تفسره إدانة حزب العدالة والتنمية لهجوم إيران بصواريخ باليستية على قاعدة “العديد” الأمريكية في الدوحة (قطر)، وهي الإدانة التي جاء بيانها على وجه السرعة عقب بيان الخارجية المغربية.

وإذا كانت هذه الأخيرة قد اكتفت بالتعبير عن “التضامن مع قطر وإدانة الاستهداف الذي تعرضت له سيادتها ومجالها الجوي” (بلاغ وزارة الشؤون الخارجية المغربية، 23 يونيو 2025)، فإن حزب العدالة والتنمية اعتبر “الرد الإيراني على ما تتعرض له من اعتداءات لا يبرر بأي شكل من الأشكال المساس بسيادة دولة قطر أو تهديد أمن وسلامة مواطنيها ومقيميها” (بيان الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، 23 يونيو 2025).

في نهاية المطاف، لا يستطيع الأستاذ عبد الإله بنكيران خوض هذه المعركة الخطابية والسياسية والإيديولوجية مع إيران من غير ضمانات. الضمانة الأولى مبدئية يخرجها لإيران كلما اقتضت الضرورة السياسية الداخلية ذلك، والحديث هنا عن تأكيد موقفه من مذهبها وتدخلها في الشؤون المغربية (إشارة لقضية الصحراء المغربية).

أما الضمانة الثانية فاستدراكية بعدما انتبه الأستاذ بنكيران -وهو ما نرجحه- إلى أن الحرب اقتربت من نهايتها وأن مكاسبها قد وزّعت -أو اقتربت من التوزيع- بين الأطراف (بما فيها إيران). فلا منجاة للذات الحزبية إلا بـ”المغالاة” في التأسي بالموقف الرسمي. ‎