موقع شالة التاريخي.. حين يكشف الموقع كل مرة عن أسراره
شكل الإعلان عن اكتشافات أثرية في الموقع الأثري لشالة، حدثا مهما في تاريخ الاكتشافات الأثرية في المغرب، وهو الحدث الذي سيساهم بشكل كبير في صياغة تاريخ هذا الموقع، بإخراج جزء مهم من المدينة الرومانية إلى النور.
الموقع وأهمية التنقيب
يشكل موقع شالة التاريخي بمدينة الرباط، أحد أهم المواقع الأثرية في المغرب. موقع يكشف كل مرة عن سر من أسراره المخبأة تحت أرض احتضنت العديد من الحضارات بداية من الحضارة الفينيقية والمورية مرورا بالحضارة الرومانية، ثم وصولا إلى الحضارة الإسلامية.
كتب التاريخ وثقت لمرور هذه الحضارات في هذا الموقع، غير أن غياب الكثير من التفاصيل حول الجانب العمراني فيه استدعى استمرار البحث الأركيولوجي لتجسير الهوة بين الرواية التاريخية واللقى الأثرية، وهو ما بدأ يتحقق من خلال ما تم الكشف عنه مؤخرا، لتصبح بالتالي الرواية التاريخية حول الموقع ماثلة للعيان.
الحفريات الجديدة.. الانبعاث الجديد
الحفريات الأخيرة التي شهدها الموقع والتي انطلقت خلال شهر أبريل من هذه السنة، واحدة من ضمن حلقات سلسلة التنقيبات التي عرفتها شالة، حيث تم الكشف عن حمام عمومي كبير شيد نهاية القرن الثاني بعد الميلاد، إضافة إلى تمثال طبيعي دون رأس، يمثل على الأرجح إحدى الآلهة الرومانية، كما تم اكتشاف مدفن موري، وهو أول مدفن من هذا النوع يعثر عليه لحد الآن في محيط سلا.
أما الاكتشاف الثاني فهو حي سكني يمتد حسب التقديرات الأولية على مسافة 230 متر تقريبا من الشمال إلى الجنوب، مميطا اللثام لأول مرة على الميناء الموري الروماني، في اكتشاف لا ييشكل أهمية لتاريخ المغرب فقط، بل لتاريخ منطقة البحر المتوسط.
إضافة إلى ذلك، تتمثل أهمية هذه الاكتشافات الجديدة في كونها تمت خارج أسوار المدينة التاريخية، وترجع إلى الحقبة الإسلامية زمن المرينيين، لتأكد بالملموس ما أشارت إلى الوثائق التاريخية من كون المدينة المورية الرومانية كانت حدودها تتجاوز المدينة التاريخية بحدودها الحالية.
تاريخ من الحفريات تاريخ من كشف الأسرار
إعلان الاكتشافات الجديدة يعيد إلى الضوء تاريخ الاكتشافات التي عرفها هذا الموقع، وذلك خلال أزيد من ثمانين سنة من البحث الإيكولوجي الذي انطلق مع بدايات القرن العشرين.
كانت أولى تلك الحفريات عام 1929 تحت إشراف العالم بوريللي والأميرة المصرية خديجة شقيقة الملك فاروق، مغيرة بذلك الاعتقاد الذي كان سائدا وقتها، في كون الصومعة التي تبرز من تحت الأنقاض هي صومعة المسجد العتيق، ليتم تعريفه بعد الحفريات بوصفه مدرسة بناها السلطان أبو عنان المريني خلال القرن 14 الميلادي.
واستمرت الحفريات في الثلاثينيات والخمسينيات، لتكشف عن معالم مدينة رومانية متكاملة تتكون من حمام وساحة (الفوروم) و مبنى البازيليكا (المحكمة) وقوس النصر والحي الحرفي ومعبد وأقواس ضخمة وتماثيل.
غير أن أهم الحفريات في الموقع كانت تلك التي أشرف عليها العالم المصري عثمان عثمان إسماعيل نهاية الخمسينيات، وضمنها في كتابه “تاريخ شالة الإسلامية”، وهو أول مؤلف بالعربية عن تاريخ مدينة أثرية مغربية عريقة.
وأثرت حفريات عثمان عثمان على المعارف التاريخية حول المرينيين، إذ كشفت عن معالم ظلت مطمورة تحت الأرض مثل المسجد الإدريسي الذي بني على أنقاضه المسجد المريني، وقبور الملوك المرينيين وزوجاتهم، وقبور شهداء طريفة الذين استشهدوا في إحدى المعارك التي خاضها المرينيون في مواجهة المسيحيين بالأندلس.
الحفريات التي عرفها الموقع التاريخي لشالة تمت في السابق على أيد خبراء أجانب، غير أن الحفريات الأخيرة تمت على أيد خبراء مغاربة، تحت إشراف المعهد الوطني للآثار، وهو ما يشير لأهمية الخبرات التي راكمتها المدرسة المغربية في هذا المجال.