مواهب بلا طموح كروي !
أمين زحزوح لاعب الجيش الملكي صنع الحدث داخل أوساط المهتمين بالبطولة الوطنية وأنديتها، وتضاربت الأخبار حول انتقاله من الفريق العسكري بعد العروض المهمة التي تلقاها من أوربا ومن الخليج، وتحديدا من قطر، كما تباينت المعلومات حول شروط عقده وعن الشرط الجزائي وتفاصيل أخرى لم تتضح بسبب صمت إدارة الجيش وأيضا اللاعب زحزوح أو من وكيله.
في الحقيقة لا تهمني معرفة هذه التفاصيل ولا ماذا يجري في الإتصالات الدائرة لتحديد وجهة اللاعب القادمة، لأن ذلك لابد وأنه سينكشف سريعا، خصوصا في في هذه الأيام التي بدات فيها أغلب أندية كرة القدم تداريبها استعدادا للموسم المقبل، ولكن ما أثارني فيما تسرب من قضية زحزوح أنه رفض جميع عروض الأندية الأوربية، ويفضل عرض الوكرة القطري، والسبب كما يعلم الجميع، هو المقابل المالي الذي تم وضعه على الطاولة والذي يضاعف العرض القادم من أوربا، وهو ما يطرح مرة أخرى مشكل غياب الطموح الكروي لدى اللاعب المغربي، وتفضيله للطريق السهل والآمن لكي يملأ رصيده البنكي في بداية مشواره الكروي، ويتحول بعدها إلى “القصارة” بدون اجتهاد أو محاولة تطويرٍ للمستوى.
الرأي السائد لدى الجمهور في مثل حالة أمين زحزوح، أن العمر الرياضي قصير، وأن اللاعب عليه أن يفكر فيما بعد نهاية مشواره، وأن يضمن مستقبله أولا، وأن رفض عرض مالي مغري من الخليج وتفضيل عرض فريق أوربي متوسط بمبلغ متواضع، هو مغامرة قد تنتهي بالفشل، وتنتهي معها المسيرة الرياضية..
هي آراء تبدو منطقية، وعين الصواب في عمومها، وترى أن مثل هذه الأمور تخضع للطبيعة البشرية التي تضعف أمام سلطة المال، لكن الغوص في دوافع هذه النوعية من الإختيارات، يخلص بنا إلى السؤال التالي: هل الوضعية المالية للاعبي البطولة الوطنية مع كل الملايين التي يتقاضونها سنويا من أنديتهم، لا تسمح لهم ببعض الإرتياح الإجتماعي ليتخذوا مسارات رياضية صعبة، وأن يكون لهم طموح للوصول إلى اللعب في المستوى العالي لكرة القدم؟
الأمر في اعتقادي لا علاقة له بضمان المستقبل ولا المقولة الشعبية “دير علاش ترجع”، وإنما يتعلق بعطب فظيع في العقلية الرياضية المغربية، بصفة عامة. فظروف النشأة الإجتماعية التي تعطينا إنسانا خائفا من المستقبل المجهول، ومن “دواير الزمان”، بالإضافة إلى طبيعة تكوين لاعبي كرة القدم في المغرب التي تنتج لنا ممارسين بشخصيات ضعيفة لديهم نسبة متدنية جدا من القوة الذهنية ومن الثقة بالنفس، وعدم القدرة على مواجهة الصعاب والإفتقاد ل”كاريزما” تطوير الذات وخوض التحديات المحفوفة بالمخاطر.. كل هذا من الطبيعي أن ينتج اختيارات شخصية تروم الطرق السهلة و”الباردة” لضمان وضعية مادية مريحة وعاجلة، وبنسبة مغامرة تقترب من الصفر.
حالات كثيرة للاعبين موهوبين أنتجتهم البطولة الوطنية رغم كل أعطابها وكوارثها، اختاروا مسالك كروية سهلة تقترب من الهواية، لكنها ذات مردود مالي كبير، سواء في الأندية الوطنية أو في أندية الخليج، عوض المغامرة بحمل المتاع في سن مبكرة والإنضمام لناد أوربي صغير يمنح استفادة مالية قليلة، لكن الربح الكبير الذي قد يجده فيه، هو الأجواء الإحترافية التي تسمح بتطوير الإمكانيات وتعلم أشياء جديدة واكتساب العقلية الكروية الصلبة، وتؤهل اللاعب للذهاب إلى أبعد حد في المستوى الإحترافي..
النتيجة من كل هذه الإختيارات، هي أن كرة القدم المغربية تضيع في لاعبين موهوبين كان بإمكانهم أن يصبحوا ذوي مكانة عالمية، ويفيدوا الفريق الوطني، ويحصلوا على أضعاف ما ربحوه في مساراتهم السهلة لو فكروا في بدايتهم كما فكر ياسين بونو ونايف أكرد ويوسف النصيري مثلا. وتحملوا صعوبات مشاق إصلاح الأعطاب، وتطوير الذات واكتساب شخصية المحترف الحقيقي.