من يريدها فتنة بين المغاربة؟
في خضم احتفالات المغاربة بعيد الأضحى وقدوم فصل الصيف، نُظِمت بمناطق مختلفة من المغرب، الاحتفالات السنوية ببوجلود (أو بولبطاين أوبويلمان على حسب الجهة). كما انطلقت فعاليات الدورة التاسعة عشر من مهرجان موازين لموسيقى العالم الذي تنظمه العاصمة الرباط. ومعهما انطلق نقاش سام، خصوصا على وسائل التواصل الاجتماعي، ينبئ بعواقب وخيمة على وحدة النسيج المجتمعي المغربي الكفيل بضمان استمرار المغرب كوحدة سياسية وثقافية وجغرافية.
المغرب مر من محطات متعددة يتم فيها تأليب جزء من المجتمع على الآخر، ويبقى من يقف وراء هذا التأليب متفرجا على التطاحن بين الإخوة في الوطن والمواطنة. لكن حتما وصلنا في يوم الناس هذا إلى واحدة من أسوأ هذه المحطات، حيث يحجر كل جزء على حرية الآخر في التعبير عن رأيه واختياراته ووصل حد التخوين من جهة والتكفير من جهة أخرى.
المفزع هذه المرة هو التطور التكنولوجي والعامل الخارجي. التطور التكنولوجي يعني أن بإمكان أي شخص من أي مكان في العالم أن ينتج صورا أو فيديوهات مفبركة بإمكانها أن تؤجج الخلاف بين أبناء الوطن الواحد، خصوصا مع انتشار تقنية الذكاء الاصطناعي.
كما يمكن أن ينشئ بروفايلات على وسائل التواصل الاجتماعي وينطلق في نشر أخبار زائفة أو آراء متطرفة تدفع الناس إلى التجاوب معها على أنها حقيقية. وهناك تجارب مختلفة عبر العالم التي تؤكد هذا الطرح.
في ميانمار مثلا، خلصت تحقيقات لمنظمات دولية (بينها منظمة أمنيستي) أن فيسبوك تغاضت عن ارتفاع منسوب الأخبار الزائفة التي تنشر على المنصة، وساهمت خوارزمياتها في تكثيف الكراهية ضد الروهينجا المسلمين، مما أدى إلى انتقال العنف إلى العالم الحقيقي وارتكاب تطهير عرقي في حقهم.
وفي تجربة شخصية، كنت شاهدا على مرحلة مهمة في تاريخ أمريكا التي قامت فيها روسيا باستغلال الشرخ في المجتمع الأمريكي، ووظفت وسائل التواصل الاجتماعي من أجل خلق انقسام في المجتمع الأمريكي. على سبيل المثال، في ماي 2016، تمكن مجموعة من الشباب الذين يشتغلون لصالح الكريملين من تنظيم مظاهرتين متعارضتين في نفس الوقت ونفس المكان في ولاية تكساس، مما أدى إلى احتقان كبير بين الوقفتين وكاد يقود إلى ما لا يحمد عقباه.
على مستوى المغرب، أكد تحقيق لمنظمة “إيكاد” أن إسرائيل تقف وراء خلق آلاف من الحسابات الوهمية في المغرب والجزائر لخلق الفتنة وتوسيع البون بين المغاربة والجزائريين. حيث يعتقد المغاربة أنهم يجيبون على تدوينات لجزائريين، وكذلك يعتقد الجزائريون أنهم يجيبون على تدوينات لمغاربة، لكن هم في حقيقة الأمر يتعاملون مع ذباب الكتروني مبرمج لغرض نشر الفتنة بين الطرفين.
هذا الوضع يطرح تساؤلا مشروعا: ماذا إذا قام طرف خارجي بتحويل هذا الصراع إلى صراع مغربي-مغربي؟
من خلال تصفحي لكثير من التدوينات المرتبطة بمهرجان موازين واحتفالات بوجلود، لدي شبه يقين أنها جزء من هذا الذباب الالكتروني الذي يهدف إلى خلق الشرخ داخل المغرب وتأجيج جزء من المغاربة ضد جزء آخر.
من حق من يريد مقاطعة هاته الاحتفالات أن يقوم بذلك من دون أن يتهم بالخيانة أو الرقص على دماء إخوانه. كما من حق من يريد أن يقاطع أن يدعو إلى ذلك من دون أن يتهم بالخيانة أو التطرف. لكن حتما لا بد لقادة الرأي أن يساهموا في خفض منسوب العنف والتخوين الذي نراه اليوم منتشرا في وسائل التواصل الاجتماعي إذا أردنا الحفاظ على النموذج المغربي المعتدل، السمح، والقادر على استيعاب تيارات ثقافية وإيديولوجية متباينة في إطار احترام مقدسات الوطن، مؤسساته، ومواطنيه.