story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

من يجاري ترامب؟

ص ص

منذ اعتلاء دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة في العشرين من يناير الماضي، وهو يراكم القرارات الرئاسية التي تشمل مجالات شتى. في اليوم الأول فقط، وقع ترامب ستة وعشرين قرارا رئاسيا، منها ما يلغي قرارات رئاسية لسلفه جو بايدن، ومنها ما يعلن انسحاب أمريكا من منظمة الصحة العالمية ومن اتفاق باريس للمناخ، والاعتراف بنوعين اجتماعيين فقط الذكر والأنثى، والإعلان عن تأسيس وزارة النجاعة الحكومية، وإعلان الكارتيلات المكسيكية كجماعات إرهابية خارجية، والعفو عن المدانين في قضية اقتحام مقر الكونغرس، وقرارات أخرى عديدة تتسق والوعود الانتخابية التي أطلقها خلال حملته.

منذ ذلك الحين، انطلق ترامب في سن قرارات رئاسية أخرى عديدة تتلاءم مع أجندته السياسية، كما عبر عن عدة طموحات يرومها كترحيل سكان قطاع غزة إلى مصر والأردن. المثير في الأمر أن الحزب الديمقراطي المنافس وجزءا كبيرا من الإعلام الأمريكي لازال يناقش قرارات اليوم الأول من رئاسة ترامب، فيما ترامب انتقل لقرارات وأهداف أخرى كثيرة. هذه خطة ترامب التي لم يحد عنها منذ أن كان رجل أعمال وتابعها في ولايته الأولى.

تقوم خطة ترامب على إغراق الفضاء العمومي بالكثير من القرارات التي تجعل من المتعب مجاراته في سرعة أفعاله. وبالتالي يستطيع ترامب أن يرمي بقرار أو تصريح اليوم، ويستمر الإعلام ومعارضوه بمناقشته لمدة أسبوع ونيف.

في حين ينتقل في اليوم الموالي لقرار أو تصريح آخر مثير للجدل، يناقشه الإعلام في الأسبوع الموالي. بالتالي يكون دائما هو المبادر لصنع الخبر والحدث وليس خصومه السياسيين. على سبيل المثال، عندما قرر ترامب توقيف عمل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، قام الحزب الديمقراطي بتجييش قياداته وقواعده للتصدي لهذا القرار، وقاموا بالوقوف أمام المقر الرئيسي للوكالة في العاصمة واشنطن، مع ما يكلفه ذلك من جهد ورصيد سياسيين يمكن تخزينهما لما قد يأتي من بعد من قرارات أكثر راديكالية.

وفي حين مازال خصومه يناقشون موضوع الوكالة، انتقل هو إلى الحديث عن ترحيل الغزاويين من أرضهم إلى مصر والأردن، مما جعل الإعلام الأمريكي والعالمي يمتلئ عن آخره بأخبار ترامب، في حين انتقل هو إلى أشياء وخطوات أخرى.

اللافت في الأمر هو أن ما يقوم به ترامب إلى الآن يدخل في خانة ما هو متاح ديمقراطيا، وهو الذي فاز بأصوات المجمع الانتخابي ونال أغلبية أصوات الأمريكيين، بالإضافة إلى سيطرة حزبه على غرفتي الكونغرس.

وحتى القرارات التي تعتبر غير دستورية مثل إلغاء منح الجنسية الأمريكية لكل مولود في التراب الأمريكي، فقد تم إحباطها بشكل سلس وسريع من طرف القضاء، وهو الشيء الذي كان يعرفه ترامب حتى قبل اتخاذه للقرار. لكن هذا يدخل في خانة ما تمت الإشارة إليه أعلاه في رغبة ترامب في إغراق النظام وإلهاء الحلفاء قبل الخصوم.

لكن، عندما يقوم الحزب الديمقراطي بربط كل ما يقوم به ترامب بالفاشية والنازية ويرفع سقف التهويل ضده، فهذا يفقد المفهومين من معناهما، ويجعلان المتابع العادي لا يثق في ذات المفهومين عندما يتعلق الأمر حقا بفعل فاشي أو نازي، وهو ما أشار إليه جون ستيوارت، أحد رموز الكوميديا السياسية في أمريكا، والذي يعتبر من أحد قادة الرأي الليبراليين في البلاد.

كما يجب الانتباه إلى أن ليس كل ما يعد به ترامب يتحقق، فهو في أحيان كثيرة لا يتحدث عن وعود أو خطوات مدروسة مسبقا، وإنما طموحات يتمنى أن تتحقق، ومنها ما يعارضه حتى حلفاءه. لذلك علينا في المغرب والمنطقة ككل أن ننتبه إلى الإشارات وسط الضوضاء. فالتركيز كثيرا على صخب ترامب قد يرهق المتتبع، خصوصا أننا لازلنا في الشهر الأول من حكم من المفروض أن يستمر لأربع سنوات طوال.