من مدريد إلى داعش.. قصة مغربي في معتقلات الشمال السوري

من مهاجر مقيم بمدريد إلى مقاتل مع داعش. المغربي عمر الحرشي الذي حوكم غيابياً في إسبانيا بتهمة الانتماء إلى خلية إرهابية تابعة لتنظيم الدولة في العراق والشام، يقضي حياته اليوم في أحد المعتقلات الكردية بالشمال السوري، منذ سنة 2019 بعدما أمضى خمس سنوات في صفوف التنظيم الإرهابي، وفقاً لصحيفة “إل باييس”.
نشرت صحيفة “إل باييس” قصة المغربي الحامل للجنسية الإسبانية، في مقابلة أجرتها معه الصحافية ناتاليا سانشا، في أحد المعتقلات التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية “قسد” شرق الشمال السوري، واصفة إياه بـ”متوسط القامة، وذي عينين داكنتين، ورأس محلوق، ولحية خفيفة. تبدو نظرته هادئة”.
عمر الحرشي، من مواليد تطوان عام 1984، غادر إسبانيا إلى سوريا في ماي 2014، للانضمام إلى تنظيم داعش، وعلى إثر ذلك، صدر بحقه حكم غيابي عام 2016 بتهمة الانتماء إلى منظمة إرهابية، إذ اتُهم بلعب دور محوري في جمع الأموال لصالح التنظيم عبر ما يُعرف بخلية “الأندلس” الجهادية، وهو ما ينكره، رغم اعترافه بالانضمام إلى داعش.
عند سؤاله عمّا إذا كان سينضم إلى التنظيم مجدداً، قال: “عندما جئت إلى هنا، كان هدفي مساعدة الناس. هناك أمور جيدة وأخرى سيئة، كما في كل البلدان”. ثم أضاف: “لا أعتقد أنني سأفعل ذلك مجدداً، بعد كل ما مررت به”.
وكان القضاء الإسباني قد أدان تسعة من أعضاء خلية “الأندلس”، بالسجن لمدد تتراوح بين 8 و11 سنة ونصف.
يقول عمر إنه قرر السفر إلى سوريا بعد مشاهدة مقاطع فيديو تُظهر قصف المدنيين من قبل الطيران الروسي وقوات النظام السوري. استقلّ الطائرة إلى تركيا، ثم دخل إلى سوريا سيرًا على الأقدام، مصطحبًا زوجته الإسبانية وطفليها، دون إخبارها بأن وجهتهم الحقيقية كانت سوريا، بل أخبرها أنهم ذاهبون إلى تركيا “للسياحة وربما للبحث عن عمل”.
بعد خضوعه لتدريب عسكري وديني لمدة 20 يومًا، تم توزيع الوافدين الجدد على مهام مختلفة. وبحسب روايته، اقتصر دوره على العمل الإداري ضمن ما كان يُعرف بوزارة العدل التابعة لداعش، حيث كان يتولى تحصيل الديات في القضايا الجنائية، في حين تقول التقارير الأمنية إنه كان مسؤولاً عن تمويل التنظيم.
وأمضى عمر وأسرته ثلاثة أشهر في الرقة، التي كانت آنذاك تعتبر العاصمة الفعلية لداعش، قبل أن يُمنح منزلاً ووظيفة في مدينة الشّدادي شمال شرق سوريا، حيث أنجبا طفلين آخرين هناك. تقول زوجته إن تلك الوظيفة كانت أول عمل مستقر يحصل عليه في حياته.
تعرف عمر على زوجته يولاندا مارتينيز، التي اعتنقت الإسلام لاحقاً، عندما دخل إسبانيا بتأشيرة عام 2005. وبفضل زواجه منها عام 2007، حصل على الجنسية الإسبانية. بعد زواجهما، عاشا مع والديها في مدريد، إثر صعوبات مالية جراء الأزمة الاقتصادية في إسبانيا آنذاك.
وفي عام 2011، انتقلا إلى تطوان، مسقط رأسه، بعدما فشل في تحقيق استقرار مهني، حسب تعبيره، حيث بدأ ببيع الإلكترونيات والهواتف المحمولة المستعملة التي كان يجلبها من إسبانيا. غير أن التحقيقات الأمنية الإسبانية تقدم رواية مختلفة، إذ تقول إنه انتقل إلى تطوان في فبراير 2014 لإعادة تشكيل شبكة لتجنيد مقاتلين للسفر إلى سوريا.
تسعى يولاندا مارتينيز اليوم للطلاق من عمر، لكنها تواجه صعوبات قانونية، وتقول لصحيفة إل باييس: “أحاول تقديم طلب الطلاق منذ عامين، لكن السلطات الإسبانية تقول إنها لا تعرف مكان عمر، وعلي الانتظار 10 سنوات”. وتضيف: “أريد ترك الماضي وراء ظهري والبدء من جديد مع عائلتي”.
كانت مارتينيز قد اعتقلت في يناير 2023، عند إعادتها إلى إسبانيا، قبل الإفراج عنها لاحقاً، لكنها لا تزال تنتظر حكماً بحقها بتهمة الانتماء إلى منظمة إرهابية. ومن بين الأدلة ضدها، رسالة وداع موقعة باسم “يولي”، جاء فيها: “لا يمكن البقاء مكتوفي الأيدي أمام الصراع السوري، يجب التحرك”. واعتُبر هذا دليلاً على استمرار ولائها لداعش.
أما عمر، فقد ودع زوجته قبل شهر من تسليم نفسه للقوات الكردية، وذلك بعد استهداف هذه القوات موقعاً لتنظيم داعش. في حين نُقلت مارتينيز وأطفالها إلى معتقل الهول في شمال سوريا، المخصص لعائلات أعضاء التنظيم، إلى جانب امرأتين أخريين -إحداهما كانت حاملًا- و12 طفلاً إسبانياً آخرين.