من فرس إلى حكيمي.. أسود أطلسية زأرت فوق قمم إفريقيا
على امتداد أكثر من نصف قرن، حصد المغرب خمس جوائز في سباق الكرة الذهبية الإفريقية التي كانت تُنظَّم من طرف مجلة فرانس فوتبول بين عامي 1970 و1994، قبل أن تنتقل لاحقًا إلى الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (CAF). وخلال هذه الحقبة وما بعدها، صنع نجوم مغاربة مجدًا خالدًا، ودوّنوا أسماءهم بأحرف من ذهب في سجل الجائزة الفردية الأغلى في القارة السمراء.
أحرز أشرف حكيمي جائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب أفريقي لسنة 2025، ليصبح أحدث اللاعبين المغاربة تتويجًا بالجائزة القارية. وبهذا الإنجاز يعود إلى الواجهة تاريخ من التألق المغربي على مستوى هذه الجائزة، يستعرض مسار أساطير مغاربة سبقوا حكيمي إلى منصات التتويج، وتركوا بصمتهم اللامعة في سجل الكرة الإفريقية.
يُعد الراحل أحمد فرس، أسطورة كرة القدم الوطنية، أول لاعب مغربي وعربي يفوز بجائزة الكرة الذهبية الإفريقية عام 1975. لم يكن اللقب مجرد تتويج فردي، بل اعترافًا بمرحلة ذهبية تحول فيها فرس إلى رمز رياضي وطني، بعدما أسهم في قيادة المنتخب الوطني للفوز بأول لقب إفريقي على أرض إثيوبيا قبل قرابة خمسة عقود.
وبعد عقد من الزمن، عاد المغرب إلى منصة التتويج بالكرة الذهبية، مع صانع الألعاب الساحر محمد التيمومي، لاعب الجيش الملكي حينها، الذي نال الجائزة سنة 1985.
وقد عُرف التيمومي بلمسته الفنية وذكائه في التحكم بإيقاع اللعب، ليصبح واحدًا من أبرز لاعبي خط الوسط في تاريخ إفريقيا.
وفي العام الموالي، كان الموعد مع إنجاز تاريخي آخر، حين فاز الحارس بادو الزاكي بجائزة الكرة الذهبية الإفريقية، في وقت كان يكتب فيه فصول التألق على الملاعب الإسبانية مع نادي ريال مايوركا، قبل أن يخطف الأضواء مع أسود الأطلس في كأس العالم بالمكسيك سنة 1986.
قدم الزاكي أداءً أسطوريًا، خلال هذه النسخة من كأس العالم، وقاد المنتخب الوطني للتأهل إلى الدور الثاني ضد منتخبات قوية مثل إنجلترا، البرتغال، وبولونيا، ليتوج موسمه بالكرة الذهبية الإفريقية، ويصبح بذلك، أول حارس عربي وإفريقي يحقق هذه الجائزة.
وفي الموسم ذاته، برز على منصة التتويج سنة 1986 عزيز بودربالة، لاعب نادي سيون السويسري حينها، الذي ظل ساهم في سطوع بريق الكرة المغربية طوال الثمانينيات. لم يفز بودربالة بالكرة الذهبية، لكنه حل في المرتبة الثانية خلف زميله في المنتخب بادو الزاكي، واعتبره كثيرون واحدًا من أبرز الأجنحة، حينها، في تاريخ الكرة القارية.
وبعد توقف جائزة فرانس فوتبول إفريقيًا سنة 1994، وانطلاق نسخة الاتحاد الإفريقي “كاف”، كان نجم ديبورتيفو لاكورونيا الإسباني مصطفى حجي أول من أعاد المغرب إلى منصة التتويج بهذه الجائزة سنة 1998، بعد أن أبهر العالم في مونديال فرنسا وأثبت حضوره العالمي، ليحصد الكرة الذهبية الإفريقية بجدارة.
وبعد تتويج حجي بالكرة الذهبية الإفريقية سنة 1998، غاب المغرب عن منصة التتويج بهذه الجائزة المرموقة لسنوات طويلة، قبل أن يعود لتسجيل حضوره، مرة أخرى، مع النجم العالمي أشرف حكيمي، ظهير باريس سان جيرمان الفرنسي، الذي احتل المركز الثاني في نسخة 2023 خلف النيجيري فيكتور أوسيمين لاعب نابولي، متفوقًا على المصري محمد صلاح. وفي 2024، كرر حكيمي الإنجاز نفسه، محتلًا وصافة الترتيب خلف النيجيري أديمولا لوكمان لاعب أتلانتا الإيطالي.
وفي نسخة 2025، نجح أشرف حكيمي أخيرًا في تحقيق ما سعى إليه وانتظره المغاربة طويلًا، إذ حصد الكرة الذهبية الإفريقية، بعد منافسة قوية مع محمد صلاح وفيكتور أوسيمين. هذا الإنجاز جعل حكيمي واحدًا من أبرز اللاعبين العرب والأفارقة في العصر الحديث، الذين دونوا أسماءهم بمداد الذهب في سجل الكرة الإفريقية والعالمية.
من فرس والتيمومي، مرورًا بالزاكي وبودربالة، إلى حجي ثم حكيمي. إنجازات فردية تحكي قصة أجيال لعبت وأبدعت، وإن مرّت بسنوات من الفتور الكروي، إلا أنها واصلت اليوم كتابة التاريخ في خضم انتصارات جماعية، بدأت بإنجاز “أسود الأطلس” في مونديال قطر 2022 حين احتلوا المركز الرابع عالميا في إنجاز غير مسبوق على المستوى العربي والإفريقي، وصولًا إلى تتويج منتخب الأشبال لأقل من 20 سنة، بلقب بطل العالم في مونديال الشيلي 2025، في أنجاز هو الأول من نوعه عربيا والثاني إفريقيا بعد منتخب غانان الذي توج بنفس اللقب في مصر سنة 2009.
يحمل نجم باريس سان جيرمان أشرف حكيمي كرته الذهبية اليوم، وعيناه تحملان حلم رفاقه في منتخب أسود الأطلس، ومعهم ملايين المغاربة الذين يتطلعون لأداء مبهر خلال منافسات كأس الأمم الإفريقية 2025 التي يستضيفها المغرب في دجنبر المقبل، ثم في مونديال 2026، على أمل استمرار زئير الأسود من الأدغال الإفريقية إلى غابات شياباس بأمريكا الشمالية؛ زئيرٌ يأمل المغاربة أن يتردد صداه عبر القارات.