“بهدوء”.. عتيقة بنزيدان تحكي قصة تبنيها من طرف الحسن الثاني

في بدايات الستينات من القرن الماضي، كانت الشاعرة والكاتبة عتيقة بنزيدان مجرد طفلة صغيرة، لم يتجاوز عمرها عامين، حين وضعتها والدتها البيولوجية داخل ملجأ للأيتام بمدينة طنجة، متخلية عنها بلا تردد، في لحظة ضعف أو عجز عن تحمل المسؤولية، قبل أن تنقلب حياتها بشكل مفاجئ، كما يحدث لأبطال الروايات العالمية.
كانت عتيقة تعاني من مشاكل صحية جسدية ونفسية، بجسد نحيل وذاكرة مثقلة بالخوف، تقف على حافة مستقبل غامض، مفتوح على كل الاحتمالات القاسية، من الموت بصمت داخل جدران الميتم، إلى الضياع في متاهات النسيان.
لكن القدر كان يخبئ لعتيقة حياة أخرى، مختلفة تمامًا، مسار أشبه بسيناريوهات الأفلام، ففي أحد الأيام الربيعية، حلّ الملك الراحل الحسن الثاني، في زيارة مفاجئة لذلك الملجأ البئيس وبعد تجوله في أرجاء المكان سيقرر في قرار تاريخي تحويل حياة عتيقة بنزيدان ومن معها من حياة البئس إلى حياة الترف والقصور والجاه والسلطان.
من الميتم إلى القصر
تحكي عتيقة لفاطمة الإفريقي على برنامج “بهدوء” الذي يبث على منصة “صوت المغرب” عن لحظة غيرت مجرى حياتها، حين قرر الملك الحسن الثاني في زيارة نادرة لميتم طنجة، أن يصطحب معه مجموعة من الأطفال، أغلبهم فتيات، إلى القصر الملكي، حيث كان عدد الأطفال عشرة، من بينهم طفلان فقط، والباقي فتيات تم توزيعهن على نساء القصر لرعايتهن.
لكن المفارقة أن عتيقة، كما تحكي، كانت الوحيدة التي لم تخترها أي امرأة، وقبل أن يُغلق باب القاعة، انتبه الملك إلى بقاء الطفلة الصغيرة وحيدة، فحملها بنفسه ووضعها في حضن السيدة لالة ياسمين، ولما ترددت الأخيرة وقالت: “أنا لا أريد تبني فتاة”، أجابها الحسن الثاني بحسم: “لستِ أنتِ من أردتها، أنا من أردتها لك”.
تلك اللحظة، كما تصفها عتيقة، كانت بمثابة ولادة ثانية، لتبدأ فصلًا جديدًا من حياتها، كتبه الملك بيديه.
الحياة داخل القصر
منذ تلك اللحظة، لم تعد عتيقة مجرد يتيمة، بل أصبحت “ابنة القصر”، تتلقى رعاية أم روحية منحتها الدفء والأمان، واستحمامها الأول خارج الميتم كان لحظة فارقة، تقول أنها اكتشفت فيها معنى أن يلمسك أحد برفق.
داخل القصر، حظيت الفتيات المتبنيات بمدرسة خاصة، بأساتذة فرنسيين وعرب، تحت إشراف مباشر من الملك نفسه، الذي كان يتابع تفاصيل حياتهن التعليمية والصحية، وبالرغم من أن عتيقة كانت تعاني من أمراض عديدة فإن الملك لم يتردد في إرسالها للعلاج في مصحة خاصة بتطوان، وظلت هناك فترة طويلة حتى تعافت بالكامل.
الأب الراعي
تؤكد عتيقة أن الحسن الثاني لم يكن فقط راعياً، بل أباً حقيقياً، اهتم بتفاصيلها اليومية، اختار لها اسمها، وأوصى بتربيتها، تعليمها، وحتى تزويجها لاحقًا، كما منحها شعورًا بالأمان والكرامة، وجعلها تشعر بأنها تستحق الحب والاهتمام مثل أي طفلة أخرى.
وتضيف أن لالة ياسمين، رغم تحفظها الأول، أصبحت مع مرور الوقت مصدر حنان لا مثيل له، ولعب حبها للقراءة دورًا كبيرًا في تشكيل شخصية عتيقة، وغرس فيها شغف الأدب، الذي سيتحول لاحقًا إلى مشروع كتابها.
الذكرى والاعتراف
بعد مرور 26 سنة على وفاة والدها الروحي، قررت عتيقة أن تبوح، وأن توثق تجربتها في رواية باللغة الفرنسية حملت عنوان: “تحت ظل شجرتي الصنوبر”، أهدتها لروح الملك الراحل، اعترافًا بجميله وتكريمًا لذاكرتها معه.
تسرد الرواية، كما تقول، لحظات وجع ومشاعر حب صافية، ومرحلة استثنائية من حياتها رأت فيها وجهًا إنسانيًا فريدًا في تاريخ الملوك، لم تعد تتذكر تاريخ ولادتها الحقيقي، الذي يقال إنه تزامن مع زلزال أكادير، لكنها اختارت تاريخ احتضان الملك لها كعيد ميلادها الفعلي.
وفي الختام، تؤكد عتيقة أن “أيادي الملك ولالة يسمين البيضاء” أنقذتها من مصير غامض، وزرعت في طريقها رداءً من الزهور، بدلًا من الأشواك التي بدأ بها دربها.
لمشاهدة الحلقة كاملة على منصة “يوتيوب” المرجو الضغط على الرابط هنا