“من المهد إلى الشيخوخة”.. سجال حول صدقية المنجزات الحكومية في ظل مؤشرات مقلقة

في سياق الجولة الجهوية التواصلية “مسار الإنجازات” التي أطلقها حزب التجمع الوطني للأحرار السبت 3 ماي 2025 من مدينة الداخلة، خرج كاتب الدولة المكلف بالصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، لحسن السعدي، بتصريحات أثارت جدلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي، بعدما قال إن “الحكومة اليوم تهتم بالمواطن المغربي من المهد إلى الشيخوخة”.
هذه التصريحات، التي وُصفت من قبل العديد من الفاعلين السياسيين والحقوقيين بـ”الشعبوية الفجة” و”الخطاب المنفصل عن الواقع”، جاءت في ظرفية اقتصادية واجتماعية دقيقة يعيشها المغرب، تعكسها مؤشرات مقلقة على مستوى معدل البطالة، وتراجع التصنيف في مؤشر إدراك الفساد، وتدهور ملموس في القدرة الشرائية لشرائح واسعة من المواطنين، بمن فيهم المتقاعدون والمقاولون الشباب والأسر المعوزة، وغيرها.
مادة للسخرية
وفي هذا السياق، انتقد الأستاذ الجامعي والناشط الحقوقي، خالد البكاري، ماورد على لسان الوزير، واصفاً إياها بـ”الشعبوية الفجة”، التي تعكس حسب قوله ليس فقط “افتقار الحزب” الذي ينتمي إليه الوزير إلى الكفاءات، بل أيضاً “عجزه عن إنتاج حتى الخطاب الشعبوي الذي عادة ما يسبق الاستحقاقات الانتخابية”.
وقال البكاري في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” إن ما جاء على لسان الوزير المعني “أضحى مادة للسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب غباء تواصلي فادح”، مضيفاً أن “الواقع المرير الذي يعيشه المواطن المغربي بشكل يومي، يكذّب ما يحاول هذا الوزير تسويقه من منجزات غير واقعية”.
وفي مقارنة مع تجارب دولية، أوضح الناشط الحقوقي أنه “حتى الحكومات في الدول المتقدمة حين تدافع عن حصيلتها، تتبنى خطاباً واقعياً يبرر ما تعذّر تحقيقه في ضوء التحديات الاقتصادية العالمية، كالتضخم والركود ومشاكل سلاسل التوريد”، مشيراً إلى أن تلك الحكومات “تحترم ذكاء مواطنيها، ولا تلجأ إلى تضخيم المنجزات بطريقة كاريكاتورية كما تفعل الحكومة المغربية”.
وشدّد البكاري على أن المشكل الجوهري يتمثل في “افتقار الأحزاب، خصوصاً الحزب القائد للأغلبية، إلى قاعدة حزبية حقيقية أو مشروع سياسي واضح ومنسجم”، مبرزاً أن هذا الحزب “يعتمد فقط على نفوذ رئيسه، ما يجعله فضاءً مفتوحاً أمام الانتهازيين الباحثين عن الارتقاء الاجتماعي أو حماية مصالحهم المرتبطة بالريع والفساد”.
ولفت إلى أن “ما نشهده في مؤتمرات الحزب وتجمعاته ليس تعبيراً عن دعم شعبي حقيقي، بل مجرد حشود مُؤَطَّرة لا علاقة لها لا بالحزب ولا بالسياسة، تُستقدم فقط للتصفيق والهتاف”.
مسار فضائح
من جانبه، اعتبر إدريس الأزمي الإدريسي، النائب الأول للأمين العام لحزب العدالة والتنمية، أن رئيس الحكومة وحزبه لا يسيران على “مسار إنجازات” كما يدعي، بل على “مسار فضائح”، مطالبا أخنوش بتوضيحها للمواطنين، “بدل التمادي في إطلاق الشعارات والوعود غير المحققة”.
وقال الأزمي في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”: “انظروا إلى حجم الفضائح! لقد بتنا نخجل، لأنه كلما خرج أحدهم، خلّف وراءه عارًا آخر”، مضيفاً أن من يجب أن يحس بهذه الإنجازات هو المواطن المغربي، لا من يردّدون شعارات من قبيل “الحكومة تواكب المغربي من المهد إلى الشيخوخة”.
ووفقا للمندوبية السامية للتخطيط فإن أزيد من 80% من المغاربة يصرحون بأن مستواهم المعيشي في تدهور ومؤشر الثقة لدى الأسر المغربية بلغ أدنى مستوى له منذ إحداثه سنة 2008.
وأضاف المتحدث ذاته، أن رئيس الحكومة وحزبه يزعمون أن قطاع الصحة في وضع جيد، متسائلًا: “فليجيبونا عن تقارير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي”، لافتا في هذا الجانب إلى أن القانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية “يُلزم أي حكومة، كيفما كانت، بأن تنهي ورش تعميم التغطية الصحية الإجبارية على كل المغاربة، في دجنبر 2022″، وهو ما لم يتحقق.
واستدرك وزير الميزانية السابق، أنه “اليوم، يقرّر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن 8.5 ملايين مغربي خارج التغطية الصحية، منهم خمسة ملايين غير مسجلين، وثلاثة ملايين ونصف مسجلون بدون تفعيل للحقوق”، متسائلا: “أين هي يا ترى حكومة من المهد إلى الشيخوخة؟”.
وفي موضوع آخر، أشار الأزمي إلى أن الحكومة فرضت مؤشرًا جديدًا حرم العديد من النساء الأرامل من منحة 1050 درهم، أو خفضها إلى 500 درهم فقط، واصفًا ذلك بـ”الإجهاز الصامت على مكتسبات اجتماعية”.
كما تطرق إلى ما أسماه بـ”معاناة يومية” جراء نظام الدعم الاجتماعي المباشر، قائلاً: “الناس يبحثون عن أشخاص آخرين لإضافتهم إلى لائحة تحملهم العائلي كي تنخفض مؤشراتهم، ويظفروا بالتالي ببعض الدعم”.
وتساءل المسؤول الحزبي في هذا الجانب، عن الوعود الحكومية، “أين هو مدخول الكرامة الذي وعد به رئيس الحكومة الأشخاص الذين تجاوزوا 65 سنة؟ أين الدعم الذي وُعدت به الأسر التي تعولهم؟ أين هي 2500 درهم للأساتذة في بداية مسارهم؟ أين هي مليون فرصة شغل؟ وأين رفع نسبة نشاط النساء من 20% إلى 30%؟” مردفا أن “أزيد من مليون و600 ألف يعانون من البطالة ونسبة البطالة تجاوزت 13%”.
واعتبر القيادي في حزب العدالة والتنمية أن المسألة لم تعد تتعلق فقط بـ”فشل الأداء”، بل بـ”ضرورة إقناع الشعب”، داعياً الحكومة إلى تقديم توضيحات للمغاربة حول ما وصفها بمسار “الفضائح المتتالية، وليس التمويه بالتصريحات المنمقة”.
وتابع إدريس الأزمي أن “صفقة تحلية مياه البحر بمدينة الدارالبيضاء بقيمة 650 مليار سنتيم فازت بها شركة رئيس الحكومة، و244 مليار سنتيم ذهبت إلى شركة رئيس الحكومة في صفقة مع المكتب الوطني للكهرباء، وأزيد من 13 مليار درهم ذهبت لذوي القربى الحزبية لاستيراد المواشي دون أثر يذكر، وكاتبة دولة تحضر تجمعًا حزبيًا وتقول لمسؤول من حزب رئيس الحكومة أعطيتكم 11 مليون درهم لإنشاء مفرخات سمكية! هذا مسار تضارب المصالح الفاضح المتواصل من مهد هذه الحكومة وإلى يوم الناس هذا”.
شعارات انتخابوية
ومن جهته، وصف رئيس الجمعية الوطنية لمتقاعدي ومتقاعدات أطر الإدارة التربوية بالمغرب، عرود حمادي، تصريحات الوزير لحسن السعدي “بالشعارات الانتخابوية البراقة التي لا أساس لها من الواقع والواقعية”.
وأكد حمادي أن المتقاعدين في المغرب يعانون منذ أكثر من ربع قرن من تجميد معاشاتهم، رغم الارتفاع المهول في تكاليف المعيشة، وتزايد معدلات التضخم، والتراجع الحاد في القدرة الشرائية، خاصة بالنسبة لأصحاب المعاشات الهزيلة والمتوسطة.
وسجّل المتحدث بقلق بالغ ما وصفه بـ”الوضع المهين الذي تعيشه الأرامل”، بعد أن تم تقليص معاش أزواجهن المتوفين إلى 50%، متسائلًا: “بالله عليكم، أي مسؤول يتحلى بذرة من الضمير يمكنه أن يطلق مثل هذه الادعاءات الرسمية؟”.
وأشار رئيس الجمعية إلى أن المتقاعدين يعيشون “أوضاعًا مزرية على كل المستويات، من تراجع للكرامة، إلى التهميش، والإقصاء الممنهج”، مضيفًا أن “عدداً من المتقاعدين لا يزالون ينتظرون تسوية ملفاتهم العالقة منذ سنوات عملهم، دون أفق واضح أو تجاوب من الجهات المعنية”.
وفي ختام تصريحه، شدد حمادي على أن “الواقع لا يرتفع، وأن التصريحات الجوفاء لن تزيد المتقاعدين إلا تشبثًا بمطالبهم العادلة”، مؤكداً أن “المتقاعد جزء لا يتجزأ من المجتمع، ووجوده في قلب السياسات العمومية مؤشر حقيقي على مدى تحقق العدالة الاجتماعية”، بينما “تجاهله يمثل دليلاً قاطعاً على زيف الشعارات التي ترفعها الحكومة وتستغلها لتبرير اختياراتها”.
مكافأة للأغنياء
أما رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدًا والصغرى والمتوسطة، عبد الله الفركي، فقد عبر عن خيبة أمله من السياسات الحكومية الحالية، معتبراً أن “ما يُروج له من دعم شامل للمواطنين والمقاولات لا وجود له في الواقع”.
وقال الفركي إن “ما قاله رئيس الحكومة وبعض وزرائه لا يعكس الواقع المعاش”، مضيفًا أن حديثهم عن دعم المواطنين من الولادة إلى الشيخوخة “لا يعدو أن يكون شعارات جوفاء”، حيث يعاني المقاولون، وخصوصًا الشباب، من غياب أي دعم ملموس.
وأشار المتحدث إلى أن الكونفدرالية تلقت بعد تصريحات الوزير مئات الرسائل والمكالمات من شباب مقاولين يبحثون عن سبل لولوج الدعم، متسائلين عن مصير البرامج المعلن عنها، والتي لا يظهر لها أي أثر في الواقع، قائلاً: “الوزير تحدث وكأننا نحن من نُخفي هذا الدعم، وهذا أمر خطير يُحول المسؤولية من الحكومة إلى المواطنين ظلماً وعدواناً”.
واستغرب الفركي من “تجاهل الحكومة” لوضعية عشرات الآلاف من المقاولات، قائلاً: “هناك أكثر من 55 ألف مقاولة مهددة بالإفلاس، ولا أحد يتحرك”، مشددًا على أن “الدعم الممنوح اليوم لا يذهب لمن يحتاج، بل لمن يملك”.
وأكد رئيس الكونفدرالية أن المستفيدين الحقيقيين من برامج الدعم والاستثمار هم أصحاب الرساميل الضخمة، وليس المقاولين الصغار أو الشباب الباحثين عن بداية، قائلاً: “كيف يُطلب من شاب عاطل أن يوفر 70% من تكلفة مشروع ليستفيد من 30% المتبقية؟ الدعم الحقيقي يجب أن يكون انطلاقة لا مكافأة للأغنياء”.
وانتقد الفركي ما وصفه بـ”تحويل الخطاب الاجتماعي إلى أداة للدعاية السياسية”، محذرًا من الفجوة المتزايدة بين الخطاب الرسمي والواقع المعيشي للمواطنين، مضيفًا في ذات السياق، “الحكومة الحالية، بكل مكوناتها، فقدت المصداقية أمام المواطنين”.