من الرقص إلى الاستغاثة.. جميلة تحكي لحظات الرعب وسط جحيم “واد الشعبة”
كنّ فرحاتٍ بنزول الأمطار، يرقصن ويزغردن ويغنين، لكن ما لم يكن يعلمنه أن تلك اللحظات ستتحول في دقائق إلى رعبٍ حقيقي، هكذا تحكي جميلة، بائعة الفخار بالمدينة العتيقة بآسفي، التي نجت من موتٍ محقق، بعدما جرفتها سيول “واد الشعبة” وهي تصرخ مذعورة: “شادة غير فالحيط… عتقوني!”، مستعيدة تفاصيل تلك اللحظات العصيبة.
بذاكرة ما تزال ترتجف، تحكي جميلة في مقطع مصوّر تفاصيل ذلك اليوم المأساوي، موردة أنها وجاراتها كنّ جالسات يبعن ويشترين الفخار، يضحكن ويحتفلن بالأمطار والبرَد.
لكن لحظات الفرح لم تدم طويلًا، إذ سرعان ما تحولت إلى لحظات خوفٍ ورعبٍ حقيقيين، إذ تروي المتحدثة أن “القنينات وقطع الخشب بدأت تظهر قادمة مع التيار، قبل أن يرتفع صبيب الواد بشكل مفاجئ، ما دفع الجميع إلى محاولة الصعود نحو الأعلى بحثًا عن النجاة.
وتتابع الناجية أن صديقتها بائعة الفخار رشيدة كانت أول من جرفتها المياه، تلتها غزلان، بائعة الفخار هي الأخرى، التي جرفتها المياه بينما بقيت هي متمسكة بالحائط بكل ما أوتيت من قوة.
في تلك اللحظات، بدأت الأوساخ والألواح وقطع الحديد، وكل ما يحمله الواد، تضرب المكان بعنف وتتجه مباشرة نحو جميلة، التي ظلت متشبثة بالحائط بكل ما أوتيت من قوة.
وتضيف جميلة أن السيارات بدأت تصل مع السيول، أولها سيارة زرقاء اقتربت منها بشكل مخيف، عندها، بدأت تدعو الله، وتصرخ طلبًا للنجدة، قائلة: “شادة غير فالحيط… عتقوني!”.
كان أحد شباب الحي يصرخ ويبكي، يطلب منها فقط أن تبقى متشبثة بالحائط، لعدم وجود أي وسيلة لإنقاذها.
وتابعت أنها رأت بعدها سيارة سوداء ثم أخرى بيضاء، كانت تقترب قبل أن يجرفها الماء بعيدا عنها.
وبعدما شعرت بدوار شديد وابتلعت كميات كبيرة من الماء، اقتربت جميلة من الغرق، لكنها استجمعت قواها لتتشبث بالحائط من جديد، وهي تصرخ بملء حناجرها “عتقوني!”.
ذهب أحد الجيران لطلب النجدة، فحضر شباب الحي، وبعد معاناة طويلة، تمكنوا من إحضار حبل، أمسكت به جميلة بكل ما تبقى لها من قوة، وبدأوا في سحبها ببطء من غمرة المياه، حتى تمكنوا من إخراجها من وسط التيار العنيف وإنقاذ حياتها.
ورغم نجاتها، تؤكد جميلة أن المياه لم ترحم من كانوا معها، تقول إن رشيدة جُرفت، لكنها نجت بفضل تدخل زوج ابنتها، بينما غزلان، رفيقتها في بيع الفخار، لم تفلح محاولات ابنها في إنقاذها، ففارقت الحياة أمام أعينهم.
وتحكي أنها، بعد خروجها من الواد، وجدت بعض المسؤولين، قائلة لهم بمرارة “إنكم لم تروا شيئًا مما رأيته وعشته”، وتضيف أنها رغم النجاة، لم تستوعب بعد ما وقع، ولا تستطيع النوم، إذ ما تزال ترى الواد والسيول والسيارات أمام عينيها.
وتختم جميلة حديثها قائلة إن “رأسمالها ضاع ولم يعد لديها شيء، الفخار، الذي كانت تعيش منه، جرفته المياه، وهو مورد الرزق الوحيد لها ولعائلتها كاملة”، مطالبة بتعويضها وتعويض باقي المتضررين جراء السيول الجارفة لـ “واد الشعبة”، التي ضربت مدينة آسفي عصر الأحد 14 دجنبر 2025.