“من الرباط”.. الترابي يقارب أسباب “العداء” الذي يحكم علاقة المغاربة بالعلمانية
بعد الجدل الكبير الذي خلقته تصريحات وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، بالبرلمان، قبل أيام قليلة، وكشفه لفحوى النقاش الذي دار بينه وبين وزير الداخلية الفرنسي، والذي قال فيه إن “المغاربة علمانيون”، تجدد النقاش حول موقف المغاربة من تصريحات الوزير المغربي ومن مصطلح “العلمانية”، ومدى تقبلهم لهذا المذهب كاختيار لتنظيم حياتهم العامة.
وفي هذا السياق، يقول الصحافي والباحث عبد الله الترابي إن المغاربة في عمومهم يرفضون العلمانية وتحكمهم معها علاقة عداء، كونهم يتكلمون عنها “بمرادف الكفر”.
وأوضح الترابي، خلال حلوله ضيفا على برنامج “من الرباط” الذي يبث على منصات صحيفة “صوت المغرب”، أن بعض المقررات الدراسية خلال سنوات الثمانينات والتسعينات كانت تحتوي على مواضيع تعالج العلمانية كعامل من عوامل الإلحاد”.
“وبالتالي فالعداء الأول هو كوننا مرتبطين ذهنياً وثقافياً بالتصور للعلمانية في فرنسا، وهو النموذج الفرنسي المبني تاريخياً على ما يسمى بالفرنسية العداء لرجال الدين، وهم الإكليروس أوالكهنوت”، يقول عبد الله الترابي.، الذي شدد على أن التجربة الفرنسية مبنية على هذا الفصل، مبنية على العداء للدين، “هذا النموذج الفرنسي المهيمن في ذهننا وفي ثقافتنا، سواء كان عند مناهضي العلمانية أو مناصريها.
وأضاف المتحدث ذاته، أن العامل الآخر، “هو التجارب التي حاولت أن تفرض العلمانية فرضاً في مجموعة من الدول العربية والإسلامية، هناك النموذج التركي في العشرينات، تونس بطبيعة الحال، سوريا، العراق”، موردا أن هناك أيضاً ما يسمى “العلمانيات الاستبدادية،” بحيث كانت حصيلة هذه العلمانيات الاستبدادية هو فرض مناخ من الظلم والعنف تجاه أي صوت مناهض أو مظهر ديني.
وتابع الصحافي في تدخله، أن العامل الثالث هو عدم قدرتنا على تقديم تعريف لكلمة “علمانية”، موضحا أنه “نحن الآن نستخدم العلمانية بالرجوع إلى العلم، اللائكية، التي هي الكلمات أيضاً كانت تستخدم في تركيا، اللادينية وهو المصطلح الذي تم استخدامه في نهاية القرن 19 من مناصري هذا الفصل، الدهرانية، وهو أيضاً المصطلح الذي بدأ يُطلق”.
وسجل الترابي، أنه “نحن كمغاربة لا زلنا غير متفقين على الاسم، فأنا أظن، وهنا ربما أظن بأن السيد التوفيق كان على صواب، وهو أن العبرة ليست باللفظ بل بالمعنى. فالذي يهمنا فعلا هو أن نعود إلى التفصيل ونرى إن كان المغرب بلد علماني فعلاً ثقافة وممارسة أم لا”.
وجوابا على سؤال حول العلاقة الصحية والسليمة لتي يجب أن تحكم علماء الدين بالسلطة والحاكم، قال عبد الله الترابي، إنني أحاول وصف الواقع كما هو، بداية أرجع إلى علاقة الدولة بالدين، أول شيء هو كون الدستور المغربي ينص على أن دين الدولة هو الإسلام، فهذا الأمر ممكن أن يكون حتى في دولة علمانية، مثلا في بريطانيا، الملك هو رئيس الكنيسة الأنغليكانية، خذ مثلا الدول الإسكندنافية التي إلى عهد قريب، كان مذهب الدولة هو المذهب اللوثري، وهذا معناه أن هناك تنصيص داخل دستور عدد من الدول العلمانية على أن للدولة دين”.
وبالنسبة للمغرب، يوضح الإعلامي، أن الملك هو أمير المؤمنين، “ولكن لنفصل في التطور السياسي الحديث لإمارة المؤمنين، في دستور 1962، لم تكن فيه إمارة المؤمنين، في مذكرات الدكتور الخطيب، فهو يحكي بأن دستور 1962 تم وضعه من قبل رجالات قانون فرنسيين، ولكن الدكتور الخطيب يحكي أن علال الفاسي نصح بأنه يجب وضع لقب تشريفي يحيل إلى مرجعية دينية ولكن ليس لها أي أثر سياسي، وهي إمارة المؤمنين، والحسن الثاني لم يستعمل هذا المصطلح إلا إلى حدود السبعينات، بل الأكثر من ذلك، أدخله إلى الممارسة السياسية في علاقته مع الأحزاب، وبالتالي هذا ما يجب معرفته، هو التطور التاريخي لهذه الألقاب الذي يتغير حسب الوقت والزمن”.
وبالرجوع إلى دستور 2011، “أرى شخصيا أن هذا الدستور علمن إمارة المؤمنين، بمعنى أن 41 من الدستور ينص على أن الملك أمير المؤمنين ولكنه يمارس فقط وظائفه الدينية، وهناك أيضا اللجوء لمجلس العلماء، من جهة أخرى، ابتداء من القرن 19 وهذا ليس حكرا فقط على المغرب، بل يشمل دول العالم الإسلامي بأسره وخصوصا الخلافة العثمانية، وقع استبدال للفقهاء بالقانونيين، وبالتالي تم إخراج الفقهاء من وظيفتهم التاريخية، فلم يصبحوا قضاة ومشرعين”.
وسجل الإعلامي عبد الله الترابي أن المغرب سنة 1912، وفي ظل نظام الحماية، استبدل قانون الشريعة واستبعد الفقهاء والقضاة الشرعيين وتم تبني القانون الفرنسي، “والآن إذا نظرنا من الجانب القانوني، فيمكننا القول بأن الدولة علمانية قانونا، يعني أن جميع الأمور التي يتم الاحتكام إليها في القانون هي أمور وقوانين وضعية، باستثناء نقاط متعلقة بمدونة الأسرة، والتي ترجع ربما إلى بعض الظروف في كيفية صياغة مدونة الأحوال الشخصية في 1957، لأن من كلفوا بذلك، قد كانوا فقهاء في تلك الفترة”.
ولفت المتحدث إلى أن القانون الحالي في المغرب هو قانون وضعي، ولا يستمد جذوره من الشريعة والدين، “فالمثلية الجنسية في القانون المغربي مثلا لا تعاقب بسبب المرجعية الدينية، لأن الدين يعاقب عليها بالنسبة للرجال بالقتل، وبالنسبة للنساء، فهي تعاقب بالتعزير، لكن الفصل الذي يتمم العمل به في المغرب هو مأخوذ عن الفصل 331 من القانون الجنائي الفرنسي القديم تحت حكم فيشي”.
“وإذا أخذنا مثلا نموذج العلاقات الرضائية أو العلاقات خارج مؤسسة الزواج، فسنجد أن عقوبتها في الشريعة الإسلامية مختلفة عما هو منصوص عليه في القانون الجنائي، والإسلاميين وخاصة وزير العدل السابق، مصطفى الرميد، أدخل تصورا علمانيا للأمور، فحينما يفصل بين الفضاء الخاص والفضاء العام، وبالتالي فهو استخدم ألفاظا مدنية وعلمانية، لأنه في الإسلام يوجد الحكم الشامل وليس هناك أي اعتراف بالفضاء الخاص أو العام، ونفس الشيء بالنسبة لقضية الإفطار العلني في شهر رمضان” يقول الترابي.
وخلص المتحدث في هذا الباب إلى أن المجتمع المغربي تجاوز بعض الأمور حتى لو كانت موجودة في الشريعة والقرآن والحديث، مشددا هنا على دور الاجتهاد، لأن المجتمع المغربي تغير في حكمه وذوقه ومجموعة من الأمور”.
لمشاهدة الحوار كاملا، يرجى الضغط على الرابط