من الإجهاد المائي الحاد إلى الطفيف.. خبير يوضح ويحذّر من التفاؤل المفرط

بعد التساقطات المطرية الأخيرة التي شهدتها معظم مدن المملكة، علّق وزير التجهيز والماء، نزار بركة، على الوضع المائي الحالي بالمغرب، مشيراً إلى أنه انتقل من مرحلة إجهاد مائي حاد إلى إجهاد طفيف، مضيفا أن “التساقطات ساهمت في تأمين سنة ونصف من الماء الصالح للشرب”.
وأوضح بركة خلال جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس المستشارين الثلاثاء 15 أبريل 2025، أن “التساقطات المطرية الأخيرة “ساهمت في تجاوز إشكالية ندرة المياه التي كانت مطروحة خلال صيف هذا العام في جميع الأحواض المائية، باستثناء الأقاليم الجنوبية التي لها وضع خاص”.
وفي هذا السياق، قدّم الخبير البيئي ورئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ، مصطفى بنرامل، توضيحات بشأن الفرق بين “الإجهاد المائي الحاد” و”الإجهاد الطفيف”، مؤكدا أن الفرق الأساسي بينهما يتجلى في مستوى النقص بين الطلب على المياه والعرض المتاح.
ففي حالة الإجهاد الحاد، أوضح الخبير أن العجز يكون واسعاً ويؤدي إلى انقطاعات طويلة، وفشل المحاصيل الزراعية، وأزمات بيئية واجتماعية، أما في حالة الإجهاد الطفيف، فإن الوضع يكون أكثر توازناً مع وجود بعض التحديات الموضعية التي يمكن التعامل معها عبر إجراءات مرحلية واستباقية.
وأضاف بنرامل أن الإجهاد الحاد غالباً ما يرتبط بعوامل متعددة، من بينها فترات الجفاف الطويلة، وسوء إدارة الموارد، والتلوث المفرط، والنمو السكاني المتسارع، بينما يظهر الإجهاد الطفيف عند وجود ضغوط مؤقتة ناجمة عن جفاف متوسط الشدة أو زيادة تدريجية في الطلب، “وغالباً ما تكون قابلة للاحتواء إذا تم اتخاذ إجراءات سريعة واستباقية”.
وفي قراءة للوضع الراهن، أوضح الخبير البيئي أن التحسن في حقينة السدود يشير إلى انتقال بعض المناطق من وضع يقترب من الإجهاد الحاد إلى وضع أقل حدة، قد يصل إلى مرحلة الإجهاد الطفيف أو حتى تجاوز مؤقت للإجهاد في بعض الجهات.
كما أشار إلى أن الانتقال نحو الإجهاد الطفيف يعني أن نسبة ملء السدود قد تحسّنت، ما يتيح بعض الأمل في دعم الأنشطة الزراعية وتأمين مياه الشرب، لكنه شدد على أن هذا الوضع لا يجب أن يُفهم كمؤشر على استقرار دائم، بل كفرصة مؤقتة يجب استثمارها بشكل عقلاني لضمان الأمن المائي على المدى البعيد.
ورغم هذا التحسن، نبّه بنرامل إلى أن المغرب لا يزال تحت تهديد تقلبات المناخ، مشيرا إلى أن “المغرب لا يزال يعتمد بدرجة كبيرة على الأمطار في تغذية سدوده، ومع وجود تغيرات مناخية مفاجئة، فإن الوفرة الحالية لا تضمن استمراراً مماثلاً في المستقبل، مما يفرض التخطيط لمواجهة احتمال عودة فترات الجفاف”.
كما أشار إلى تحديات أخرى تهدد استدامة الموارد المائية، أبرزها تزايد الطلب على المياه بفعل النمو الديمغرافي والاقتصادي، بالإضافة إلى محدودية الطاقة التخزينية للسدود، والتوزيع الجغرافي غير المتكافئ للأمطار، وهو ما قد يجعل بعض المناطق تظل تحت ضغط مائي رغم وفرة الأمطار في مناطق أخرى.
وأكد الخبير ذاته، أن التبخر الناجم عن ارتفاع درجات الحرارة يمثل تحدياً إضافياً، مبرزا أن نسبة كبيرة من المياه المخزنة في السدود قد تتبخر قبل استخدامها، وهو ما يقلل من كمية هذه المياه المتاحة للاستخدام.
ورغم هذه التحديات، اعتبر بنرامل أن هذه الانفراجة تُعد مهمة وفرصة ثمينة لتخفيف الضغط على القطاعات الحيوية، خاصة الفلاحة وتأمين مياه الشرب بشكل أفضل على المدى القصير والمتوسط، كما أنها تمنح الجهات المسؤولة مزيداً من الوقت لتسريع وتيرة تنفيذ مشاريع استراتيجية كتحلية المياه وإعادة استخدام المياه المعالجة وترشيد الاستهلاك.
وأشار إلى أن هذا التحسن سيعزز كذلك ثقة المواطنين والفاعلين الاقتصاديين في قدرة الدولة على مواجهة التحديات، لكنه نبه إلى أن الثقة لا يجب أن تتحول إلى تفاؤل مفرط قد يؤدي إلى التراخي في مواجهة التحديات البنيوية المرتبطة بالماء.
وفي غضون ذلك، شدد المتحدث على أن المغرب لا يزال مطالباً بمواجهة تحديات بنيوية كبرى لضمان الأمن المائي، في مقدمتها التغيرات المناخية، والتوسع الاقتصادي، وضعف كفاءة استخدام المياه في بعض القطاعات الحيوية، لا سيما القطاع الفلاحي.
كما لفت إلى أن جودة المياه تشكل بدورها تحدياً مقلقاً، نتيجة تلوث الموارد السطحية والجوفية بمياه الصرف والنفايات الصناعية، واستعمال الأسمدة الكيميائية، إلى جانب التوحل وملوحة المياه في بعض المناطق، ما يقلل من فعالية الموارد المتوفرة، ويفرض تحسين أنظمة المراقبة والمعالجة.