من احتجاجات جيل زد إلى مجلس الأمن

أصدرت الأمم المتحدة يوم 3 أكتوبر الجاري بيانًا بشأن احتجاجات شباب #جيل_زد التي يعرفها الشارع المغربي وفي عدة مدن وقرى منذ 27 سبتمبر الماضي والتي اسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة المئات واعتقال العشرات الاخرين.
وبينما تناول البيان التجاوزات الموثقة ضد المتظاهرين من قبل الجهاز الامني ودعا الى ضرورة حفاظ الجميع على سلمية الاحتجاجات وإلى إجراء تحقيق سريع ونزيه بهدف ضمان المساءلة، لا يسع المتابع إلا أن يتذكر المثل الأمريكي الشهير: “أنت تُطلق النار على قدمك”.
للأسف، هذا بالضبط ما فعلته الحكومة المغربية عندما اختارت المقاربة الأمنية لمواجهة الاحتجاجات السلمية لشباب جيل زد بالقمع والعديد من الاعتقالات العشوائية بدلًا من تمكينه من استعمال الفضاء المدني العام وفتح باب الحوار والإصغاء.
خرج آلاف الشباب الى الشارع للتعبير السلمي عن غضبهم من الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ليطالبوا بتحسين واصلاح قطاعي الصحة والتعليم واسقاط الفساد. واذ كان بإمكان السلطات أن ترى في هذه التعبئة الشعبية فرصة لتجديد الثقة مع هذا الجيل من الشباب، لكنها قررت بدلًا من ذلك أن تُخلف وعد الدستور الذي يضمن الحق في الاحتجاج السلمي، لتجد نفسها في مواجهة انتقادات ليس فقط على المستوى الداخلي من قبل فعاليات مختلفة من المجتمع المدني بل على المستوى الدولي أيضا وبشكل لافت للنظر من طرف مؤسسات وهيئات وازنة كالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمات حقوقية دولية أخرى كآمنستي وهيومن رايتس ووتش.
الأدهى من ذلك أن هذه التطورات تأتي في توقيت بالغ الحساسية لملف الصحراء المغربية. ففي الوقت الذي يعمل فيه المغرب على تعزيز موقعه الدبلوماسي والمرافعة لإقناع المجتمع الدولي بمصداقية مقترح الحكم الذاتي، تأتي مشاهد القمع لتمنح خصومه “هدية مجانية” في أعلى منبر أممي، ما سيأثر سلبا على روايته القائمة على الإصلاح والانفتاح.
بالرغم من العديد من التراجعات التي عرفتها الساحة الحقوقية خلال السنوات الماضية في المغرب وفقا لشهادات العديد من النشطاء والجمعيات المجتمع المدني فيما أصبح يطلق عليه “بالردة الحقوقية” باعتبارها تراجعا عن ضمانات دستور 2011 الذي تم اقراره بعد احتجاجات حركة 20 فبراير والتي خرجت موازاة مع ثورات الربيع العربي التي عرفتها منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، لكن الديبلوماسية المغربية استثمرت جهودها في بناء صورة “دولة الاستثناء” التي تسير بثبات على طريق الديمقراطية وحقوق الإنسان.
غير أن مواجهة الاحتجاجات السلمية بالمقاربة الأمنية لا يُرسل فقط رسالة سلبية إلى الشباب والمواطن المغربي مفادها أن الدولة ما زالت تتوجس من صوت الشارع وتتراجع عن الضمانات الحقوقية كما هو منصوص عليها في دستور البلاد، بل يقوّض أيضا خطابها الديبلوماسي ويضع مصداقيته على المحك في المنابر الدولية.
ومن هنا تأتي أهمية إرساء الاسس الديموقراطية والتي تفسح المجال على إدارة الخلاف بشكل سلمي واحترام للقانون وهو ما يعطي القوة الحقيقية لأي نظام سياسي بدلا عن القمع والتضييق. لأن الديمقراطية ليست شعارا للاستهلاك الخارجي، بقدر ماهي ممارسة داخلية أولا، لا تختزل في عملية الاقتراع والأهم انها ُتختبر وقت الأزمات.
إن التراجع عن مبادئ سيادة القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة أصبح مكلفًا للغاية للدولة المغربية داخليا وخارجيًا. فداخليا، يؤدي إلى تآكل الثقة بين الدولة والمواطن وتجدر الإشارة هنا الى ان الرسالة المفتوحة التي وجهها شباب جيل زد الى الملك محمد السادس بشأن مطالبهم (عبر وسائل التواصل الاجتماعي يوم 3 أكتوبر الجاري) افتتحت واختتمت بدعوة صريحة إلى “تجديد الثقة”.
أما خارجيا، فهذا التراجع، يضعف الموقف المغربي في ترافعه عن مقترح الحكم الذاتي في ملف الصحراء وفي مواجهة خصومه خاصة وإذا اخذنا بعين الاعتبار محاولات خصوم المغرب المتكررة امام مجلس الامن لإضافة البعد الحقوقي لبعثة المينورسو التابعة للأمم المتحدة.
إن احترام الحق في الاحتجاج السلمي لا يُضعف هيبة الدولة، بل يعزز شرعيتها ويُحصنها أمام التحديات الداخلية والخارجية. ولم يصبح إرساء قواعد الديموقراطية واحترام التعاقد الاجتماعي ترفًا سياسيًا، بل اضحى صمام أمان الاستقرار ومفتاح قوة المغرب في الداخل والخارج على حد سواء والذي يتطلب اليوم تجديد الثقة بين الدولة والمجتمع عبر تمكين شباب جيل زد والمواطنين بصفة عامة من حقهم في استعمال الفضاء المدني والاستجابة لمطالبهم المشروعة.
*حنان زلواني ادريسي