منع بيع الماشية وغلق الأسواق الأسبوعية يغضب “الكسابة” ويثير تساؤلات قانونية وحقوقية

أقدمت السلطات في العديد من أقاليم المملكة على منع فتح ما يسمى بـ “رحبات” بيع البهائم بالأسواق الأسبوعية، وعدم إدخال الأغنام والماعز إلى الأسواق الأسبوعية، وذلك مع اقتراب مناسبة عيد الأضحى، الذي يأتي هذا العام في ظرف استثنائي بعد القرار الملكي شهر فبراير الماضي، الذي أهاب من خلاله الملك محمد السادس بالمغاربة بعدم أداء شعيرة ذبح الأضاحي هذه السنة.
وأفادت مصادر خاصة، لصحيفة “صوت المغرب”، أن رجال السلطة بإقليم الرحامنة على مستوى جهة مراكش-آسفي قامت، يوم الجمعة 30 ماي 2025، بمنع الكسابة وبائعي المواشي من إدخال أغنامهم الأسواق بالإقليم، في خطوة أثارت استياء واسعًا في أوساط مربي وبائعي المواشي، خاصة في ظل غياب توضيحات رسمية مسبقة.
ومن جهته، عبّر هشام صبوح، مربي وبائع ماشية بدوار بني معدن، جماعة الصهريج بإقليم قلعة السراغنة، عن غضبه الشديد من قرار السلطات المحلية منع “الكسابة” من إدخال ماشيتهم إلى السوق الأسبوعي، معتبراً أن هذا الإجراء المفاجئ ألحق بهم أضراراً جسيمة، خاصة في ظل ارتفاع درجات الحرارة التي تسببت في نفوق بعض رؤوس الماشية.
وأوضح صبوح في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، أن السلطات طالبتهم بالرجوع من حيث أتوا وهددت “بحجز” ماشيتهم إن لم يمتثلوا، رغم أن قطعانهم لا تضم فقط خرفان العيد، بل تشمل إناثًا لا تصلح أصلاً كأضاحي.
وأضاف: “رغم أن السوق هو المكان الوحيد الذي يمكننا من خلاله بيع ماشيتنا والوفاء بالتزاماتنا المالية، تم منعنا من دخوله دون سابق إشعار”، مشددا على أن “السوق ليس فقط فضاء للبيع، بل هو أيضاً ملتقى للمهنيين وفرصة لتتبع الأسعار والتطورات المرتبطة بالقطاع”.
واعتبر المتحدث أن هذا القرار يتناقض مع التوجيهات الملكية الداعية إلى دعم الفلاحين ومربي الماشية المتضررين من الجفاف، مضيفا “نحن نُمنع من البيع في الأسواق، بينما يُسمح للجزارين بالتحرك بحرية، فيشترون منا الخرفان بأثمان زهيدة، ثم يبيعون اللحوم بأسعار مرتفعة للمواطنين، وهذا غير منصف ويضر بالمنتج والمستهلك معًا”.
وأشار المصدر إلى أن هذا المنع يزداد على ارتفاع تكاليف العلف وتزايد الديون، بحيث أصبحا يشكلان عبئاً كبيراً على الكساب ويثقلان كاهله، مشيرا إلى أن هذا الأمر سيدفع الكثيرين منهم إلى ترك المهنة، “وهو ما يهدد بفشل جهود الدولة في إعادة تكوين القطيع الوطني، ويؤثر سلبًا على الأمن الغذائي للبلاد”.
وختم هشام صبوح تصريحه بالقول: “لسنا ضد التنظيم، بل نطالب بإجراءات واضحة ومنصفة، وألا يُتخذ أي قرار إلا بعد إخبارنا به مسبقًا، حتى نتمكن من تدبير أمورنا”، مشيرا إلى أن ما يحدث اليوم “يجعلنا نشعر وكأننا نشتغل في الممنوعات، وهذا أمر غير مقبول لا قانونًا ولا منطقيًا”.
أسس قانونية واضحة
وتعليقا على هذا المنع، أكد الأستاذ الجامعي والناشط الحقوقي خالد البكاري أن الإجراءات التي تتخذها الدولة لحماية القطيع الوطني يجب أن تكون مرتكزة على أسس قانونية واضحة، وليس على مزاجية السلطة أو التمييز بين المناطق أو الفئات، معتبرًا في الوقت ذاته، أن الحكومة تمتلك صلاحيات تشريعية واسعة تسمح لها بسن قوانين استثنائية عند الضرورة، شريطة أن تكون مؤطرة قانونيًا ومحددة زمنيًا.
وأوضح البكاري أن المطلوب هو تحقيق توازن بين ضرورة حماية القطيع الوطني، واحترام الإطار القانوني، وتفادي الوقوع في قرارات تميز بين فئة وأخرى أو بين منطقة وأخرى دون مبرر قانوني واضح.
ولفت إلى أنه إن من حق الدولة التدخل في تنظيم السوق وتوجيهه، ولكن ليس على حساب العدالة القانونية والاجتماعية، محذرًا من أن القرارات غير المتوازنة قد تُفقد ثقة الفاعلين وتُضعف فعالية السياسات العمومية الموجهة للقطاع.
وأشار الحقوقي إلى أن الحل يكمن في المزاوجة بين ثلاثة عناصر أساسية، “هي أن تُبنى الإجراءات الاستثنائية على أسس قانونية صريحة ومحددة في الزمن، تعود الأوضاع بعدها إلى طبيعتها، وحماية القطيع الوطني باعتباره مكونًا استراتيجيًا في الأمن الغذائي الوطني، ودعم الكسابين الصغار”، وذلك عبر آليات شفافة وصارمة تضمن وصول الدعم إلى مستحقيه فقط، لا إلى من راكموا أرباحًا طائلة في السنوات الماضية.
وشدد البكاري على أن تدخل الدولة لحماية القطاع الحيواني أمر مشروع وضروري، بل وأكثر أولوية في السياق الحالي من إقامة شعيرة الذبيحة، لما لذلك من أثر على الحفاظ على الثروة الحيوانية واستدامتها، مذكّرًا بأن غياب تدخل فعال في السابق سمح للمضاربين وبعض المستثمرين بالاستفادة من إجراءات حكومية لم تنعكس إيجابًا لا على القطيع ولا على القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة في ما يتعلق باللحوم الحمراء.
الأساس القانوني للمنع
وحول مدى قانونية ومشروعية هذا المنع والأساس القانوني الذي بني عليه، أكد أمين الفتحي، مستشار قانوني، أنه لا يمكن تقييد الشعائر الدينية أو الأنشطة الاقتصادية المرتبطة بها إلا بموجب قرار إداري مشروع ومُعلن، تتوفر فيه شروط المشروعية من حيث الشكل والمضمون.
وأضاف الفتحي في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، أن القرار الشفهي يُعد استثناءً محدودًا، ولا يُعتد به قانونيًا إلا في حالات استعجالية ضيقة، كما هو الحال في الظرفية الحالية المرتبطة بالخطر الذي يهدد القطيع الوطني وإمكانية فقدان الوفرة، على حد تعبيره.
وشدد على أن أي متابعة قانونية لا يمكن أن تُبنى على تعليمات غير مكتوبة أو غير معلنة، مشيرًا إلى أن ذلك يُخلّ بمبادئ العدالة والوضوح والشفافية التي يفترض أن تؤطر القرار الإداري في دولة القانون.
مبدأ المشروعية
وحسب المتحدث ذاته، يلزم القانون أي قرار إداري، خاصة إذا كان يُقيد الحريات أو يمنع شعائر دينية، احترام مبدأ المشروعية، الذي يُعد حجر الزاوية في مفهوم دولة القانون والعقد الاجتماعي الحديث.
وأبرز الفتحي أنه يجب أن يستند القرار إلى قواعد ومبادئ وأحكام القانون الإداري الذي يؤطر سلطة الإدارة ومشروعية تصرفاتها تجاه المخاطبين بقراراتها، مشددا على أن أي قرار إداري لا يستقيم إلا إذا توفرت فيه شروط أساسية.
وأوضح أنه يجب أن يكون القرار صادرًا عن سلطة إدارية مختصة، وأن يكون مبنيًا على أساس قانوني أو تنظيمي واضح، وأن يكون معلّلاً ومكتوبًا في الأصل، وأن يكون منشورًا حتى يمكن الاحتجاج به على الأفراد.
حالات استثنائية
واستدرك المتحدث ذاته، بالقول إن الأصل في القرارات الإدارية أن تكون مكتوبة، غير أن الاجتهاد القضائي المغربي اعترف في حالات استثنائية بمشروعية القرار الشفهي، وذلك بشروط صارمة.
وأوضح الفتحي، أن هذه الشروط تتمثل في وجود حالة استعجال أو ضرورة قصوى، من قبيل تهديد حقيقي لصحة القطيع الوطني في حالة المواشي، أو المساس بالسلامة العامة، أو لتفادي الفوضى التي قد تصاحب بعض المناسبات وتؤدي إلى عواقب وخيمة.
وأضاف أن القرار الشفهي يجب أن يصدر عن سلطة إدارية مختصة، وأن يكون متناسبًا مع الوضع المؤقت، وألا يتجاوز ما تقتضيه الضرورة، مع ضرورة أن يُثبت أثره على المركز القانوني للأفراد.
وشدد الخبير القانوني، على أن مشروعية القرار الشفهي تظل استثناءً محدود التطبيق، ويصعب تبريرها في غياب تعليل موضوعي ووسائل إثبات واضحة.
هل يمكن متابعة المواطنين المخالفين؟
وقال المستشار القانوني، إن تحميل المواطنين المسؤولية ومتابعتهم استنادًا إلى تعليمات شفهية غير منشورة “يُعد خرقًا لمبدأي المشروعية والشفافية”، مشيرًا إلى أن مثل هذه القرارات يمكن الطعن فيها بالإلغاء أمام القضاء الإداري، بسبب تجاوز السلطة أو وجود عيب في الشكل أو في السبب.
وأوضح الفتحي أنه لا يمكن من حيث المبدأ متابعة أي شخص يبيع الأضاحي أو الفحم أو الأدوات المرتبطة بشعيرة الذبح بمناسبة عيد الأضحى، إلا إذا كان هناك قرار إداري منشور ونافذ يمنع ذلك.
وخلص أمين الفتحي إلى أن هذا القرار يجب أن يستند إلى نص تنظيمي رسمي صادر عن سلطة ولائية أو عاملية تم نشره أو تبليغه، أو مرجع قانوني يتعلق بحماية النظام العام أو الصحة العمومية، أو حالة استعجال معلنة تبرر تدخلًا مؤقتًا وضروريًا، مؤكدا أن “غياب هذه الأسس القانونية يجعل أي متابعة في هذا السياق مفتقدة للشرعية”.